تمثل سيرة الرئيس المصر الدكتور محمد مرسي السياسية ، سيرة مختصرة لحركة الأخوان المسلمين في مصر . فمنذ انطلاقها على يد مؤسسها حسن البنا في بدايات القرن العشرين ، وهي تحت الضغط الدائم فمرة يتم حظرها ومرة أخرى يتم مطاردة منتسبيها , وزجهم بالسجون , وإبعادهم عن المناصب العامة , والدكتور محمد مرسي هو احد هؤلاء الذين تعرضوا للاعتقال , والسجن لأكثر من مرة كان آخرها أثناء الثورة المصرية . والتي اتهمه فيها منافسه الفريق احمد شفيق بأنه هرب من السجن أثناء الثورة واعتبره سجينا هاربا .
بتنصيب الدكتور محمد مرسي رئيسا تتبدل اللعبة السياسية في مصر , فالدكتور محمد مرسي الذي كان نزيلا قي سجن طرة لأكثر من مرة ، يقطن الآن قصر القبة , والرئيس المخلوع حسني مبارك نزيل في سجن طره . فسبحان مبدل الأحوال القائل في كتابه العزيز " يهب الملك لمن يشاء وينزع الملك ممن يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير" . وبذلك يصل الأخوان المسلمون لسدة الحكم في مصر , الأمر الذي كان محل خشية وتخوف في الداخل والخارج.
ولكن لماذا كل هذا التخوف من وصول الأخوان المسلمين للسلطة سواء في مصر- التي وصلوا إليها فعلا أو في الدول العربية والتي يخشى أن تصيبهم عدوى مصر. أو التوجس الذي يبديه الغرب من وصول الإسلاميين للسلطة ، مع أن الغرب أكثر واقعية في التعامل مع المتغيرات التي حدثت وتحدث في بلاد الربيع العربي.
القراءة الأولية لنتائج الانتخابات المصرية تبين هذا التخوف , فمرشح الثورة لم يحصل على أغلبية أصوات المصريين , بل أن عدد الأصوات التي فاز بها على منافسه وهو من رجال المرحلة السابقة أو ما يسمى بالفلول عند المصريين لم تتجاوز البضع مئات من الألوف وهذا رقم بسيط يؤشر إلى حجم التخوف من مرشح الأخوان . وفي اعتقادي أن هذا التخوف على مستويين الأول شعبي أفرزته صناديق الاقتراع المصرية بأغلبية هزيلة لمرشح الأخوان . والأخر يتمثل بالنخب السياسية والثقافية في المجتمع.
بالنسبة للنخب السياسية في النظام السابق اعتقد أن تخوفهم من وصول الأخوان للسلطة هو إيجاد نخب سياسية بديلة عنهم تستطيع أن تقدم نموذجا أفضل في إدارة الدولة , وبالتالي يؤدي إلى إقصائهم ، خاصة أن هذه النخب لم تقدم ما هو مقنع في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على مدى عدة عقود خلت بل أنها جرت المجتمع المصري إلى حالة من الضعف بحيث أصبحت مصر دولة لاتعبر عن الدور التاريخي الذي اضطلعت به تاريخيا . أيام كانت القاهرة قلب العروبة النابض . كما أن هذا التخوف من هذه النخب السياسية نابع أيضا من حجم إدراكهم لقوة الأخوان كتنظيم أصبح له خبرة في العمل السياسي, وعلاقات معقدة داخلية وخارجية , إلى جانب هذا التنوع الهائل في الكفاءات داخل كوادر الأخوان , فالرئيس المصري الحالي الدكتور محمد مرسي نموذج لهذا التنوع فهو حاصل على شهادة الدكتوراه في الهندسة الفضائية من جامعة جنوب كاليفورنيا وأصبح مدرسا ثم رئيسا لقسم الهندسة فيها . وهذا ينسحب على كثير من كوادر الحزب المؤهلين تأهيلا علميا عاليا , والذي من دون شك سوف يتم استثمارهم في إدارة الدولة . وهذا ما يجعل خصومهم من العهد السابق متخوفين من هذه القدرات , والتي قد تضع مصر على الطريق الصحيح في بناء دولة عصرية ذات مكانة دولية مرموقة , وهذا سيؤدي إلى إبراز سوءة النظام السابق ونخبه السياسية. أما النخب الثقافية والحزبية فيأتي تخوفها من وصول الأخوان للسلطة في اتجاهين : الأول من تحول الدولة المصرية إلى دولة دينية على اعتبار أن جماعة الأخوان المسلمين تنطلق في فكرها وتوجهاتها من الإسلام كقاعدة ايدولوجية . وهذا ما حاول أن يركز عليه خصومهم السياسيين . واعتقد أن الدكتور مرسي قد بدد هذه المخاوف في كثير من خطاباته أثناء حملته الانتخابية , وأكد على ذلك بعد انتخابه رئيسا في خطاباته في جامعة القاهرة وفي ميدان التحرير وفي حفل نقل السلطة أمام القوات المسلحة. أما الاتجاه الآخر فهو تخوف هذه النخب من إقصائهم وتفرد الأخوان في إدارة شؤون الدولة , وهذا أيضا بدده الدكتور مرسي عندما تحدث عن حكومة ائتلافية تتشكل من جميع القوى السياسية داخل المجتمع المصري .
أن الشيء المؤكد والظاهر للعيان أن ما حدث ويحدث في مصر الآن سواء ثورتها السلمية التي أطاحت بالعهد السابق , والعملية الانتخابية التي حدثت بكل شفافية ويسر قد وضعت مصر على طريق الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة , ولا شك أنها ستتعرض لكثير من التحديات والعقبات سواء الخارجية منها أو الداخلية، ناهيك عن ما أحدثته النظم السابقة من دمار كبير في بنية الدولة المصرية , ولكن شعب استطاع ان يصنع هذه الثورة بهذه المدة الزمنية اليسيرة قادر على بناء دولة حديثة تأخذ مكانتها التي تستحق بين الدول.