يُفترض أن تناقش اليوم اللجنة القانونية في مجلس الأعيان النسخة المعدّلة من قانون الانتخاب، الذي أرسله النواب بعد أن أضافوا 10 مقاعد للقائمة الوطنية، وأصرّوا على الصوت الواحد، بأغلبية بسيطة، برغم الانقسام الشديد في المجلس نفسه عليه.
طُعم "القائمة الوطنية" لم يغر المعارضة، وبدلاً من أن يدفع بالأجواء السياسية إلى الانفتاح، بات سبباً إضافياً للتأزيم والتصعيد السياسي. فبمجرد أن أقرّ البرلمان التعديل الجديد، أعلنت الجبهة الوطنية للإصلاح مقاطعة الانتخابات، داعية القوى المنضوية تحتها إلى إعلان المقاطعة.
وبالرغم من أنّ "الإخوان" لم يعلنوا، بعد، موقفاً رسمياً بالمقاطعة، إلاّ أنّ رسالتهم كانت واضحة تماماً للدولة بأنّهم لن يشاركوا على الصوت الواحد، حتى لو تمّ رفع القائمة الوطنية أكثر؛ جاء ذلك في تصريحات زكي بني ارشيد، التي كشف فيها للمرّة الأولى كواليس لقائه بمدير المخابرات العامة.
الرسالة المتوارية من وراء تزامن توقيت "برقيات" كل من الجبهة الوطنية والإخوان تتمثّل في منح الحكومة أياماً معدودة قبل الحسم؛ فمجلس شورى الحزب سيجتمع هذا الخميس لاتخاذ قرار بالمقاطعة، وهنا تفهم رسالة بني ارشيد، قبل أن تتعقّد الأمور وتصبح العودة إلى وراء أكثر صعوبة. الجبهة الوطنية أعلنت أنّها ستتخذ قراراً رسمياً في اجتماعها يوم الأحد المقبل، ما يعني أنّ أوان الحسم بات وشيكاً.
بالأمس، غادر رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، الأردن بعد أن حاول القيام بـ"وساطة" بين الدولة والإخوان، وخرج من العشاء الذي أقيم في منزل الدكتورعرفات الأشهب، الذي حضره أحمد عبيدات وحمزة منصور وشخصيات سياسية فاعلة، برسالة للطرف الرسمي تتمثّل في مرونة هذه القوى في ملف الانتخابات، في حال تخلّت الدولة عن إصرارها الشديد على الصوت الواحد.
الآن، الكرة في ملعب الطرف الرسمي. فبعد أن قطعت المعارضة الطريق على التكهنات والتأويلات، بل ومنحت وقتاً للتفكير قبل أن يأخذ القانون المعدّل مسافة أخرى في الطريق عبر الأعيان، وقبل أن يتم اتخاذ قرارات مؤسسية بالمقاطعة، فإن على الحكومة أن تعيد تقييم الموقف والتفكير في سيناريو الانتخابات في ظل هذا المناخ السياسي المشحون بروح المقاطعة والاستقطاب!
سؤال المليون اليوم حول إصرار المؤسسة الرسمية على الصوت الواحد، وهل يعادل بأهميته الوصول إلى سيناريو المقاطعة وتكرار ما حدث في انتخابات 2010؟ أم أنّ هنالك مجالاً للمناورة السياسية، بخاصة أنّ الإخوان –تحديداً- استعدّوا لإرسال تطمينات بعدم حرصهم على الأغلبية، وبضمانات لتحقيق ذلك.
إذا تجاوزنا "البعبع" الإخواني، وأخذنا المعزوفة الجديدة "الحقوق المكتسبة"، فهذه لا يمكن بيعها للرأي العام، إذ إنّها مصطلح فضفاض، وستفتح الباب لمطالبات جديدة بتمثيل أكثر تشظياً وذَرِيّة، وسيكون قانون الانتخاب عاملاً لزيادة العنف والفوضى والتمرد على هوية الدولة، كما نشاهد هذه الأيام!
على النقيض من ذلك، ما نسمعه من المحافظات والمناطق المختلفة يعطي مؤشراً في الاتجاه المعاكس؛ بأنّ الرأي العام مع الخروج من "عقدة الصوت الواحد"، والتحرر من آثاره الوخيمة. وإذا كانت هنالك حساسيات في بعض المحافظات، فيمكن مراعاتها في لعبة تقسيم الدوائر.
الرهان الأكبر لدى الدولة وراء زيادة القائمة الوطنية يكمن في رفع منسوب مشاركة "الأردنيين من أصل فلسطيني"، مع التطمينات بما يخص الرقم الوطني والتسجيل. لكن لا يبدو أنّه رهان ناجح أيضاً، فالمفتاح الحقيقي اليوم يتمثّل في قلب "المناخ السياسي" الحالي المتوتر، بما يقنع الناس بأهمية المشاركة وقدرتها على إحداث الفارق المطلوب، وهو ما يتم بإنهاء عُقدة "الصوت الواحد"، وليس بـ"رشوة سياسية" مكشوفة عبر هذه المقاعد الإضافية!
الغد