عمون - «أمن الأردن واستقراره مقدس، وحماس ليست طرفاً في تجاذبات «الإخوان»، وليست محسوبة على أي طرف فيها، ولا تقبل أن تكون المواطنة الأردنية الكاملة مدخلاً للذهاب للتوطين والوطن البديل.. العلاقة مع الأردن ليست «ندية» وليست على حساب العلاقة مع السلطة الفلسطينية».. بهذه الكلمات يلخص رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل شكل العلاقة وآفاقها ومحدداتها فيما بين الأردن و»حماس»، التنظيم الفلسطيني.

تناول مشعل، في حديث جمعه بمجموعة من الكتاب والصحفيين، محوريين أساسيين، الأول يتعلق بشكل وآفاق ومحددات زيارته ووفد الحركة إلى الأردن، والثاني المنطقة العربية في ظل الربيع العربي.

ويؤكد مشعل في مجمل حديثه أن زيارته الرسمية الثانية للأردن تعتبر بمثابة الأساس لفتح صفحة جديدة من العلاقة مع الأردن، معرجاً على أهمية الزيارة الأولى التي رافق فيها ولي العهد القطري، فالزيارة التي تم ترتيبها منذ نحو شهر ونصف وثُبِت موعدها قبل أسبوع من مجيء مشعل وإخوانه، حظيت كما يرى قادة حماس بأجواء دافئة سادتها الثقة المتبادلة، وهي لم تأت في أي سياقات لها علاقة بالداخل الأردني وملفات الإصلاح المختلفة، بل جاءت استكمالاً للزيارة الأولى.

لكن مشعل يقول «أثناء لقاءات الحركة شعرت برغبة لقول «كلمة خير» لكون الإخوان المسلمين في الأردن لهم ثقلهم في المعارضة الأردنية وأن لحماس علاقات جيدة معهم، فمن هذا الباب تجيء نصيحة حماس مع إدراكها أن الشأن الأردني الداخلي خاص ولا تتدخل به، وتحترم الحركة خصوصيته، إلا أنه بتواجد تلك الرغبة فإن الحركة شرعت بقول كلمة الخير دون أن تأتي في سياقات تفهم في غير محلها من أنه فرض أو ضغط على الإخوان أو على القوى الأردنية».

ويضيف في السياق ذاته أن حماس تعرض رؤيتها من أساس خبرتها وقراءتها للظروف في المنطقة والفروق بين ساحة وأخرى، ومن قناعتها بأهمية الحوار كضرورة للوصول إلى ما يخدم مصلحة الأردن.

ويقول مشعل «ربما إذا ظلّ التواصل والحوار قائماً بين الطرفين فإن الوصول إلى قواسم مشتركة أمر ممكن».

ويُوصف شكل العلاقة فيما بين الأردن وحماس، التنظيم الفلسطيني، بأنها تتلخص في أفق العلاقة غير المحصورة في الجزئيّات بحيث حظيت الزيارة بأفق رحب يتضمن المشاورة والتنسيق والتواصل، من مثل بحث ملف المصالحة الفلسطينية والصراع العربي الاسرائيلي وجملة ملفات محلية تصب كاملة في الصالح الأردني والفلسطيني.

مشعل، الذي لم يُخفِ الإشارة الى حساسية العلاقة مع الأردن، يؤكد أن حركته لن تتدخل في الشأن الداخلي الأردني، إلا في حدود ما يُطلب منها للقيام بأدوار معينة تصب في صالح التوافق الوطني، وذلك ضمن ضوابط وحدود يشدد على أن حماس لن تتجاوزها. وفي هذا الإطار يؤكد أن العلاقة لا توصف بأنها «ندية»، وإنما هي علاقة لها ضوابطها التي لن تكون على حساب علاقة الأردن بالسلطة الفلسطينية من على قاعدة أن حماس جزء من «الرسمي الفلسطيني» عدا كونها تنظيما فلسطينيا مقاوما.

أمن الأردن لا يُمس

فيما يتعلق بشكل العلاقة مع الأردن، تؤكد «حماس» أنها لا تريد إقحام الأردن في أي «إحراجات»، فهي بادرت في كلا اللقاءين مع جلالة الملك عبدالله الثاني بعدم الطلب بإعادة فتح مكاتبها في الأردن.. بهذا الحديث يرى مشعل شكل العلاقة المستقبلية مع عمّان، فالحركة لديها الكثير من العلاقات الجيدة مع عديد الدول العربية دون أن يكون لها أي مكاتب في تلك البلدان، فالأهم بالنسبة لحماس بقاء التواصل مع القيادة الأردنية السياسية وبقية المستويات المختلفة في الدولة الأردنية.

وبخصوص محددات العلاقة مع الأردن فإن رؤية حماس لها تتمثل أولاً بأن أمن الأردن واستقراره أمر مقدس ولا يُمس، مثلما تلتزم حماس تجاه الأمن القومي العربي عامة، إلا أن الأردن ولطبيعة الروابط التاريخية معه، فمن باب أولى أن تكون له كامل الخصوصية، وان ما يحدث خارج هذا السياق يكون في حدود تجاوزات غير مقصودة لا ينبغي أن تشوه شكل العلاقة ما دامت الثقة متواجدة وحاضرة.

ثاني تلك المحددات -كما يجسدها مشعل- تتلخص في أن الحركة لا تتدخل في الشأن الداخلي الأردني، وهو شأن خاص تحترمه، إلا إذا طُلب من الحركة (خدمة أو دور معين) ، فإنها ترى أن خدمة الأمة واجب عليها.

ثالث تلك المحددات يتعلق بالشأن المتعلق بالحركة الإسلامية ممثلاً بجماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب جبهة العمل الإسلامي، حيث تنأى حماس -وفق مشعل- عن أن تكون طرفاً في تنوعات الإخوان وأطيافهم المختلفة، فجماعة الإخوان المسلمين تنظيم قائم بذاته، وحماس تنظيم قائم بذاته كذلك، ولا تداخل بين الطرفين، «ولا نريد لحماس أن تُقحم في الوضع الإخواني الأردني الداخلي».

ويقول مشعل «إن تعبير أي شخص عن حبه وتقديره وتأييده لحماس وللقضية الفلسطينية ليس ذنباً تحاسب عليه حماس»، مؤكداً أن الحركة ليست محسوبة على أي طرف في الإخوان وأنها تقف على مسافة واحدة من جميع مكونات جماعة الإخوان المسلمين في الأردن.

أما رابع تلك المحددات فيتعلق بالعلاقة الأردنية الفلسطينية من كونها علاقة طويلة تاريخية مركبة، مضى عليها عقود منذ زمن الوحدة العام 1951، فهذه العلاقة ينبغي أن تعالج بحكمة وهدوء واستيعاب لكل أبعادها بخاصة فيما يتعلق بالمواطنة بما فيها المنبت الفلسطيني، حيث يؤكد مشعل في هذا الصدد «لا أقبل أن تكون المواطنة الأردنية الكاملة مدخلاً لأي أحد ليذهب للتوطين والوطن البديل، أو أي تحرك سياسي على حساب الأردن».

المصالحة الفلسطينية وترتيب البيت الحمساوي

لا يُخفي مشعل وجود عوائق تحول دون تحقيق المصالحة الفلسطينة، بالرغم من كل الجهود والمبادرات التي بذلت تجاه تحقيقها، ويرى أن تلك العوائق «داخلية» نتجت من التخوفات وفقدان الثقة التي كانت حصيلة سنوات القطيعة، ما أوجد حالة من الشك المتبادل، و»خارجية» تتعلق بوضع اشتراطات على المصالحة وعدم تحمس أطراف عدة حيالها، وتهديد السلطة الفلسطينية بقطع المساعدات، الأمر الذي ينعكس بدوره بخلق تخوفات شعبية تمس رواتب ودخول الناس، فضلاً عن أن الساحة الفلسطينية مباحة لكم من التدخلات.

ويؤكد مشعل ترحيب حماس بأي جهد ودور أردني يصب في تحقيق المصالحة الفلسطينية ويعمل على رعايتها إلى جانب الدور المصري، مشيرا إلى أن الملف توقف عند تسمية الوزراء بسبب انتخابات الرئاسة في مصر.

وفيما يتعلق بترتيب البيت الداخلي لحركة حماس، قال مشعل إن الحركة ما زالت تستكمل انتخاباتها الداخلية في غزة والضفة والخارج وصولاً إلى انتخاب مجلس الشورى العام الذي سيختار رئيس الحركة القادم والمكتب السياسي، إلا أنه أمسك عن ذكر أي تفاصيل تتعلق برغبة في رئاسة مكتب الحركة القادم، مؤكداً أن الديمقراطية ما زالت راسخة في الحركة برغم بعثرة الجغرافيا.

الربيع العربي يخدم القضية الفلسطينية

ويرى مشعل أنه، في ظل التداعيات التي أعقبت الربيع العربي، فإن من يحملون التطلعات الإيجابية تجاه القضية الفلسطينية يمتلكون الآن أوراقاً وخيارات جديدة. ويؤمن مشعل بأن مصر بعد ثورتها العظيمة لا يمكن إلا أن تكون مع فلسطين وأن تعمل على رفع الحصار عن غزة، إلا أن حماس تقدر ظروفها وتراعي أولوياتها فلديها ايمان عميق بأن مصر في ظل المخرجات الأخيرة ستكون أكثر خدمة للقضية الفلسطينية.

كما يرى مشعل أن تحسن ميزان القوى في المنطقة يضاعف من مسؤولية الفلسطينيين لاستعادة روح المقاومة وترتيب البيت الفلسطيني، ففي حال تحضر الأمة لمرحلة قادمة يجب على الفلسطينيين أولاً التحضر لها.

وتمنى مشعل أن يحقق الربيع العربي أهدافه بطرق سلمية وأن يصل لمشروعه بعيداً عن إراقة الدماء، نحو الديمقراطية والإصلاح ومحاربة الفساد وتماسك الجبهة الوطنية في كل بلد عربي، لكي يكون مقدمة لنهوض البلدان العربية، ولكي يصبح للعرب كينونتهم المميزة وأن يأخذوا مكانهم تحت الشمس، لتحقيق مشروع عربي يتوازى مع المشاريع الإقليمية الأخرى لخلق حالة من التوازن الإقليمي الذي يجعل للأمة مكانتها المرموقة.

وأكد هنا أن الربيع الفلسطيني يكون في التوحد ضد المحتل الإسرائيلي وفي تحقيق المصالحة الفلسطينية وترتيب البيت الداخلي وتجاوز الانقسام واستعادة المؤسسات الفلسطينية عافيتها.

الدستور - حمزة العكايلة