جرأة على الصمت لا حدود لها!
خالد محادين
04-11-2007 02:00 AM
الكتابة في الصحف العربية تشبه الى حد بعيد جلوس الكاتب لكتابة وصيته، فما من قضية لا يعني الاقتراب منها السير في حقل ألغام في عتمة ليل، ومثل هذه الحالة تجاوزها الغرب بل وحتى دول من العالم الثالث منذ زمن بعيد، حين توصلت الى قناعة مفادها ان ليس هناك صحافة مؤذية، وانه بقدر ما تترك للصحف هوامش عريضة وسقوفاً عالية، بقدر ما يكون الاسهام في بناء وعي لا يخيف ولا يستدعي الحصار والقمع، ومن هنا ينشأ مثل هذا الوعي الذي تحتاجه الانظمة والحكومات اكثر مما تحتاج اليه الشعوب.هناك في الوطن العربي مئات القضايا التي يفترض من الصحافة ان تقف معها وتحللها وتقدم ما تراه مناسباً من حلول، ومع هذا فإن اهتمام الصحافة العربية يكاد ينحصر في قضايا هامشية او جزئية لها اهميتها ولكنها لا ترقى في خطورتها ورسم المستقبل امام الشعوب الى واحدة من تلك القضايا التي قلنا انها تعد بالمئات. وهكذا تتحول قضايا الشعوب المصيرية الى دائرة اهتمامات اعدائنا، يشبعونها بحثاً ودراسة ثم يصنعون القرارات لها بما يخدم هؤلاء الاعداء.
لنأخذ مثلا الانتخابات التشريعية القادمة، فالامر المؤكد ان أي كاتب لا يملك الجرأة لمناقشة امور تتعلق بها، بل ويصبح الاقتراب من مثل هذه الامور سبباً لحوار غير ديمقراطي يقوم على الهراوات والتهديد بالبنادق والمسدسات. من منا يمكن ان يقف اسماء المرشحين مستعرضاً قدراتهم وبرامجهم والاسباب الحقيقية وراء محاولتهم التصدي لمهمة وطنية غاية في الصعوبة وتتطلب شروطا ومواصفات ليست متوفرة عند نسبة لا بأس بها من المرشحين، ان مهمة النائب هي واحدة من اخطر المهام الوطنية اذ حتى تكون قادرا على ممارسة دور الرقيب من موقعك تحت قبة البرلمان، فإن اول ما يتطلبه الامر هو ان تكون في غير ما حاجة لعون رسمي وفي غير ما حاجة لكل وعي لا علاقة له بالثقافة والفكر والقدرة على الاسهام، كما ان مسؤولية النائب في ممارسة مقدرته على التشريع ليست بالمسؤولية السهلة، لان مثل هذه المقدرة تنهض على شروط كثيرة ليس من بينها ان العشيرة اجمعت على ترشيحه او ان دوره في العشيرة هو عائد له لانه ينتسب للفخذ الذي قررت العشيرة بالاتفاق فيما بينها على ان يكون المقعد النيابي هذه المرة لهذا الفخذ ولمن يختاره لتمثيله، فما علاقة القدرة على المحاسبة والمراقبة والقدرة على التشريع والنظر فيما يعرض على النواب من مشاريع قوانين او اعادة النظر في بعض مواد قانون ساري المفعول.
ثم هذه الشعارات بالالوان التي ازدحمت بها الشوارع وواجهات المباني والصحف، مما يبدو النظر الى غالبيتها مثيرا لتساؤلات كثيرة تتعلق بوعي المرشح او بمحاولته خداع الناخب، ومع ان هذه الشعارات تم اختصارها وشطب كل ما هو مصيري متعلق بها تحت وهم اقتصار الاهتمام على القضايا المحلية كأن وطننا ليس جزءا من الوطن العربي الكبير، وكأن شعبنا ليس جزءا من هذه الامة العظيمة، وكأن فلسطين تحررت والعراق طرد المحتلين وبدأ نهوضه ولبنان تجاوز كل خلافات واختلافات ابنائه دون أي تدخل خارجي وكأن السودان بلد افريقي لا تربطنا به رابطة وكأن.. وكأن.. وكأن.
قلت منذ البداية ان الصحافة في غالبية الوطن العربي والعالم الاسلامي والعالم الثالث صحافة لا ترى ولا تسمع ولا تصرخ ولا تحتج ولا تتوقف عن الصدور والحديث عن دورها التنويري الكبير.
.kmahadin@hotmail.com