حرية الصحافة تثير أسئلة بلا إجابات
عادل درويش
04-11-2007 02:00 AM
ثلاث قضايا أثارت أسئلة حول حرية الصحافة وأخلاقياتها، وحقوق الأفراد، في تناقضات متطابقة رغم مسافة زمنية لعشرة أعوام، وجغرافية بين أوروبا وأفريقيا.
سأنهي كل قضية بأسئلة تضعنا في مأزق أخلاقي مثاره تناقضات حرية الصحافة، وربما يكون المزيد من حرية الصحافة هو المخرج.وصف شاهد عيان، أثناء التحقيق في حادث مصرع ديانا أميرة ويلز، ودودي الفايد في باريس، كيف وجه المصورون كاميراتهم نحو ضحية تلفظ أنفاسها الأخيرة، بدلا من التدخل لإنقاذها، بينما اتصل بعضهم بالصحف لتحديد ثمن الانفراد بنشر صور أميرة في صراعها الأخير مع الموت.
وأثارت الليدي ماكارتني، (هيذر ميللز قبل زواجها من المغني المحبوب السير بول ماكارتني) إشكالية علاقة الصحافة بالمشاهير، في مقابلة تلفزيونية، قلدت فيها الراحلة ديانا في ذرف الدموع «كضحية» لمخالب الصحافة التي ترحم.
اتهمت الليدي ماكارتني الصحافة بتشويه سمعتها وتقديمها «كصائدة أموال» تحاول الحصول على نفقة طلاق تبلغ ملايين الجنيهات من السير بول، ذي الشعبية الواسعة؛ بعد أن نبشت الصحافة قبر ماضيها عندما كانت «موديلا» (مانيكان)، لأشياء غير الأزياء، تصلح لمشاهدة الكبار فقط. وقالت دامعة إنها فكرت في الانتحار هربا من عدسات المصورين المستقلين self-employed غير الملحقين بصحف معينة، ويعرفون بالباباراتزي، كالذين طاردوا ديانا حتى الموت، ليطرحوا الصور في مزاد بين الصحف.
المقابلة جددت حملة المطالبين بقانون حماية الخصوصية لتقييد حرية الصحافة.
الرواية الثالثة من قارة أفريقيا، أبطالها: الادعاء، والقضاء، والصحافة المصرية، وشيخ الأزهر.
وجد القضاء صحفيين مصريين مذنبين بتهمة «ترويج شائعات» حول صحة رئيس الدولة.
لا أخفي استغرابي من وصول الأمر للقضاء في زمن بلوغ «حرية الصحافة» المصرية حد اللامسؤولية والتجريح الشخصي.
وكان دبلوماسي غربي كبير قد أطلعني في القاهرة على مقالات في صحف معارضة لو نشرتها صحيفة بريطانية لتلقت إنذارا على يد محامي الشخص المعني وخسرت قضية بغرامة وتعويض قد يؤدي لإفلاسها وتضطر لنشر اعتذار علني.
لكن ما يعنيني هنا تدخل شيخ الأزهر، في حكاية قانونية/ صحفية، لم يثر فيها، سواء فيما نشر ـ أو أثناء نظرها، من بعيد أو قريب، ما يتعلق بالإسلام، أو بأية ديانة أخرى، سماوية، أو روحانية فلسفية.
قال فضيلة شيخ الأزهر أن الصحفيين المعنيين ارتكبوا مخالفة دينية تستحق تطبيق الحد وهو ثمانون جلدة.
السؤال الأول: إذا تجرأ صحفي (في مقالته) أو محام (في مرافعته القانونية)، حاشا لله، وأدلى برأيه في مسألة دينية أو في نوعية مناهج التدريس في جامعة الأزهر وكتبها ككتاب شيخ الأزهر الدكتور سيد طنطاوي الأخير، فماذا ترى سيكون رأي فضيلته في اجتهاد الصحفي أو المحامي؟
ومن أفريقيا نعود إلى أوروبا والقضايا الأخلاقية التي يثيرها تحقيق مصرع ديانا، خاصة أقوال شهود تصوير الصحفيين ديانا ودودي يعانيان سكرات الموت، وشهادة مدير تحرير «الصان» عن مكالمته مع مصور يعرض بيع صوره من موقع الحادث في نفق (ألما).
ورغم القبض على المصورين الموجودين في النفق والتحقيق معهم بتهمة «عدم مساعدة ضحايا حادث مرور»، فقد أفرج عنهم بسرعة، لغياب قانون محدد، في فرنسا حيث وقع الحادث، أو هنا في بريطانيا، يمنع مصورا من التقاط الصور أثناء حادث.
الاتهام الوحيد الذي يمكن توجيهه، (كتهمة مدنية لا تخضع للوائح الجرائم) في انجلترا وإمارة ويلز فقط، يكون من رجال الإسعاف، أو المطافئ أو البوليس للمصور «باعتراض طريق موظف مسؤول أثناء أداء واجبه بشكل عرقل مهمته».
والتهمة يصعب إثباتها أمام المحلفين بأدلة لا يرقى إليها الشك. فهل التقاط الصورة من مسافة حيث لم يتواجد المصور جسديا بين رجل الإسعاف وبين الضحية، عرقله عن أداء واجبه؟
ومن ثم تعود المسألة إلى تقدير المصور نفسه، وما يسمح به ضميره من التزامات أخلاقية في إطار الذوق الإنساني العام المقبول للناس: هل التقاط الصور، ناهيك عن محاولة بيعها، لشخص يصارع الموت، مقبول ذوقيا، أم يضعه ضمن «حثالة البشر» في وصف رجل دين بريطاني؟
السؤال الثاني، موجه «للناس المحترمين» المتقززين من «انتهازية» المصورين: كم منهم أشاح بوجهه عن هذه الصور، أو امتنع عن شراء الصحف الشعبية عقابا على نشرها صورا تنافي الذوق التقطها مصورون انتهازيون جشعون في نفق (ألما)؟
كم من «الناس المحترمين» بعث ببريد الكتروني، للقنوات التلفزيونية، ولمواقع الانترنت، التي نشرت صور الأميرة تلفظ أنفاسها الأخيرة (بالمناسبة رفضت جميع الصحف البريطانية بدون استثناء نشرها اختياريا فلا يوجد قانون يمنعها) يحتج على بث هذه الصور؟
السؤال الثالث: كيف تلوم المصور الحر Freelance /Self-employed الذي نادرا ما تسنح له فرصة صورة تباع بما يكفي لسداد ديون تراكمت من إطعامه أولاده ودفع مصاريف دراستهم؛ فلا وسيلة لإطعام أسرته إذا مرض أو انكسرت ساقه، بعكس الموظف بصحيفة المتمتع بإجازات مرضية، وإجازات عامة؟ وربما ترفض أن تزوج ابنتك «لحانوتي» يغسل الجثث، أو لحفار قبور يدفنها، لكن هل تسبب الرجلان في الموت في المقام الأول؟
وكنت استشرت مجلس نظر الشكاوى من الصحف Press complaints commission عما إذا كانت الليدي ماكارتني اشتكت للمجلس، ولو مرة، من مصور أو من صحيفة نشرت خبرا غير لائق عنها؟ وكانت الإجابة لا. بل إن المجلس نفسه، وهو هيئة مستقلة عمادها رؤساء تحرير الصحف، ومحامون متخصصون في النشر، تطوع بالتحقيق في صورة نشرتها صحيفة للسيدة المذكورة على البلاج وبجانبها ساقها الصناعية (كانت قد فقدت ساقها في حادث مرور)، حيث قد يجدها البعض منافية للذوق، ففوجئ المحقق بأن وكيل دعاية السيدة هو الذي وزع الصورة على الصحف، ربما، لاستدرار عطف القراء في «معركتها» القضائية ضد زوجها للحصول على نفقة تبلغ الملايين.
السؤال الرابع أوجهه لأصحاب الحملة التي تستغل أحداثا كشكوى الليدي ماكارتني، للدعوة لإصدار قانون خصوصية الأفراد للحد من حرية الصحافة: ماذا لو تجاهلت الصحافة أخبارها وشخصيات كنجوم السينما والغناء، والساسة: هل كانوا سيصبحون من المشاهير، فيطالبون بتعويضات ونفقة طلاق تلائم حياة المشاهير الباهظة النفقات، وتصبح الصحافة منبرا لترويج أفلامهم وأغانيهم وبرنامجهم السياسي لزيادة شعبيتهم وأصواتهم الانتخابية؟ وهل يصبحون مشاهير، بدون نشر صورهم وأخبارهم أصلا؟
ربما يتطوع القراء الأعزاء بالإجابات.
السؤال الخامس: هل يعتبر من يدينون بشهرتهم للصحافة، الخبر الايجابي دعما لحرية الصحافة، بينما أخبار يحاولون إخفاءها كارتكاب مخالفة، أو زيارة مستشفى، أو قضية طلاق تعتبر تدخلا في الحياة الخاصة تستحق عقوبات تتراوح بين الفضح والاتهامات في المقابلات التلفزيونية، وبين السجن، مرورا بالغرامة والجلد بالسياط؟