مما دفع بالاهتمام الكبير بمقالات د. رحيل غرايبة، القيادي الإخواني المعروف، في الزميلة العرب اليوم، أنّها حملت للمرة الأولى نقداً حادّاً مباشراً لقيادة الجماعة من قيادي إخواني مرموق، وفي الصحافة، على خلفية لقاء زكي بني ارشيد ووائل السقا بمدير المخابرات العامة، وما أثير - إعلامياً- من حديث عن وساطة حماس بين الإخوان والدولة لحث الجماعة على المشاركة في الانتخابات.
ثمة سياق متسلسل لعودة الأزمة الداخلية إلى السطح، إذ سبقها إعادة انتخاب المكتب التنفيذي وسيطرة التيار الموسوم بالمتشدد (بزعامة زكي بني ارشيد) عليه، مع استنكاف التيار الآخر ورفضه المشاركة بالمواقع التنفيذية، وفي الوقت نفسه نجح التيار الأول بإفشال انتخاب د. رحيل غرايبة في مجلس الشورى، من ضمن الأسماء التي يرشحها المجلس نفسه، وفق النظام الأساسي للجماعة.
خلال الأشهر الماضية تعزّزت الانطباعات بأنّ الأزمة في طور الاشتعال، مرّة أخرى، عبر الأنباء التي تسرّبت عن اجتماع عقد في منزل القيادي الإخواني د. نمر العسّاف، ودعا فيه عددا من شباب التيار الموسوم بالإصلاحي إلى الانفصال عن التيار الآخر.
ثم جاءت مقالات د. رحيل غرايبة الأخيرة لتؤكّد على أنّ الأزمة الداخلية عادت إلى السخونة، وأنّ الاستقطاب الداخلي ارتفعت وتيرته، وما أثار حفيظة غرايبة أنّ مقالته سُحبت بعد ساعات قليلة من الموقع الالكتروني، البوصلة،المقرب من الجماعة!
ما يقف وراء انتقادات د. غرايبة شعور بالقلق أنّ مجموعتهم الإصلاحية وقعت ضحية اللعبة المتبادلة بين الموقف الرسمي المتشدد من الجماعة والتيار الإخواني الآخر، الذي كان يتبنى خطاباً تصعيدياً داخل الجماعة ضد تساهل المعتدلين، فيما يبدو الطرفان (الرسمي والمتشددون) مستعدين لعقد صفقة سياسية، خارج سياق المشروع الإصلاحي الواضح للتيار المعتدل وسقوفه المعلنة.
ما أثار هذه الهواجس وأجّجها، تلك الأخبار التي تسربت عن وساطة حماس وتوقيت الزيارة وطبيعتها، وما نُسب إلى خالد مشعل من أقوال عن تشدد المعتدلين ضد المشاركة، وهي أخبار لم يكن تسريبها بهذه الطريقة عفوياً، بل كان مقصوداً، فضلاً عن أنّها غير صحيحة.
برغم ذلك فإنّ الخوف من الصفقة يبدو اليوم بعيداً، فحماس عادت إلى "مطبخ القرار" الرسمي بجواب واضح من قيادة الإخوان، برفض المشاركة على قاعدة الصوت الواحد، مع الاستعداد لتقديم تطمينات فيما يخص مسألة الأغلبية، في المقابل فإنّ الطرف الرسمي ما يزال مصراً اليوم على الصوت الواحد، وهو ما يعني أنّ "مسرب" الصفقة المفترض بات شبه مغلق!
على الطرف الآخر، فإنّ التيار الذي يمسك بالقيادة، أصيب بالقلق من عبارة غرايبة (مشرط الطبيب) التي توحي بخطوات استثنائية قادمة، بعد أن تولّدت للقيادة قناعة بأنّ الدولة تسعى إلى شق صف الجماعة، كما فعلت في أجواء مقاطعة الإخوان لانتخابات 1997، وخرجت حينها مجموعة الوسط، وهو السيناريو الذي حذّر من تكراره مؤخراً سياسي كبير، لأنّه ثبت أنّه عقيم.
هذا السيناريو تستبعده جميع قيادات التيار المعتدل اليوم، وتؤكّد أن مقالة الغرايبة ليس لها ما بعدها، وأنّها مجرد تقديم الحقائق للرأي العام، وأن خيار الانشقاق ليس مطروحاً لدى هذا التيار، بقدر ما إنه يقوم في الآونة الأخيرة بدور "المعارضة داخل المعارضة"، بعد أن قرّر ترك القيادة التنفيذية للتيار الآخر.
مع ذلك؛ فإنّ العلاقة بين التيارين وصلت اليوم إلى مفترق طرق حسّاس، مع محدودية الخيارات البديلة، والمفارقة أنّ سيناريو الانقسام لا يخدم أيا من الطرفين، ولا بقاء الوضع الراهن، فيما تبدو تجربة الائتلاف في المكتب التنفيذي التي تمت تجربتها في السنوات الماضية غير مشجّعة، وللحديث بقية..
الغد