كانت السينما العربية فيما مضى ، أيام الأبيض والأسود تحديدا ، تعرض بعض جوانب الحياة الخاصة بين المرأة والرجل بشيء من «الهبل» إن جاز التعبير ، حيث كان التركيز على إظهار بعض المشاهد المثيرة ، مثل فقرة الرقص الشرقي ، أو زيارة البطل للإسكندرية لعرض بعض المايوهات ، ومع هذا كان هناك الكثير من «المحافظة» على مشاعر المشاهدين ، ولو بشكل نسبي ، ثم تلت ذلك حقبة من الأفلام الملونة التي استمرت على هذا النهج ، ولكن مع دخول التلفزيون إلى عالم المشاهدة ، صارت الأفلام أكثر تحفظا في عرض المشاهد الحساسة ، بما في ذلك القبلة ، ولكن ما حدث مؤخرا قلب الطاولة على رأس الجميع؟.
صحيح أن غالبية الملتزمين دينيا يعفون عن مشاهدة الأفلام ، لكن ثقافة السينما - والفن عموما - طغت في جبروتها على كثير من الثقافات البديلة ، وجعلتها تتغول على ثقافة البيت والمدرسة وربما المسجد ، لذا يصبح أي تغيير في أخلاقيات السينما عاملا مؤثرا في حياة المشاهد ، ملتزما كان أم غير ملتزم ، ومن هنا نتوقف مليا أمام ما شهدته السينما المصرية في الآونة الأخيرة من جنوح لافت إلى عرض المشاهد الجنسية بشكل فج مثير للغرائز ، دون مراعاة قيم او عادات او دين ، إلى الدرجة التي لاقت فيها تلك الأفلام انتقادات لاذعة من جانب النقاد او المشاهدين ، الذين رأوا فيما يعرض من افلام بالسينما المصرية حاليا دليلا على «المراهقة الفنية» والافلاس الفني بل والاخطر من ذلك انه يدخل في إطار تشويه صورة السيدات المصريات وهو تشويه ليس في محله ، بل إن بعض هذه الأفلام بلا سيناريو وبلا رؤية اخراجية ولا تقرأ قضايا المجتمع بشكل صحيح وانما تخاطب الفئات الجاهلة وغير المثقفة من عامة الناس وتحرك فيهم غرائزهم تحت مسمى الواقعية وهي لا تحوي غير العري والانحلال، (مثلا، حينما تزور مصر، كم سيدة تراها تلبس الشورت؟!).
الطريف في الموضوع ، أن الصحافة الإسرائيلية أشادت بهذا المنحى في السينما المصرية باعتباره طريقا إلى العالمية.
مسؤولية مقاومة هذا التدفق غير الإخلاقي في السينما والتلفزيون تقع على عاتق البرجوازية الإسلامية ، إن جاز التعبير التي تستثمر أموالها في كل شيء يدر ربحا ، تاركة المجال في الاستثمار الفني لذوي الأفكار الهدامة ، اللاهثين وراء تثوير الغرائز جنيا للأرباح ، واستدرارا لمزيد من المتزاحمين على شبابيك التذاكر ، أما فيما يتعلق بالداخلين الجدد إلى سوق التلفزة ، من الإسلاميين والمشايخ ، فجهدهم مبارك في تكثير القنوات الإسلامية ، ولكنها قنوات جامدة ساكنة تعتمد على الوعظ المباشر ، وتمترس «الشيخ» عبر القناة والكلام متمايلا ومتأثرا ، باكيا أو متذللا بالدعاء ، ولكن هذا كله لا يكفي لجلب المشاهد ، ولا لصرفه عن مراقبة القنوات الأخرى ، نحن بحاجة لتثوير حقيقي في الإعلام والفن الإسلاميين كي ننقذ أجيالنا الصاعدة من غول السينما والفن والهابطين، عدد من الشباب المسلم في مصر لم ينتظر كثيرا، فقرروا أن يطرحوا تجربتهم الخاصة - التي يعبرون من خلالها عن رؤيتهم للفن الراقي - ويقومون بدخول عالم الفن السابع، حيث عنونوا هذه التجربة بـ»سينما الإخوان.. للفن الراقي عنوان»، في محاولة لخلق نوع جديد من الفن الهادف، الذي يعبر عن هموم المواطن المصري، بطريقة غير مبتذلة. حيث طرح شباب الإخوان فيلم وحدة مكافحة الزندقة أحد أفلام فريق «سينما الإخوان»، ردًا على كثرة الشائعات التي تواجه جماعة الإخوان المسلمين بالتعصب والتطرف. ويظهر في فيلم «وحدة مكافحة الزندقة» الموجود على موقع «يوتيوب» شاب يشاهد مباراة لكرة القدم، سمع صوت طرق على الباب فخرج ليجد رجلاً ملتحيًا يلبس جلبابًا واسعًا، فسأله الشاب عن سبب طرقه الباب، فيرد: «جئت من وحدة مكافحة الزندقة لقياس مدى زندقتك». ونشر الشباب على النسخة الإنجليزية لصفحة «سينما الإخوان» فيديو لشابين لحظة صدمتهما سيارة، ليستعيدا بذاكرتهما شريط الحياة التي قضياها بين السهرات الليلية وأمام شاشة الكمبيوتر، ويتمنيان في نهاية الفيديو عودة حياتهما لأداء الصلاة التي أهملاها.
المعايير التي وضعها فريق سينما الإخوان للمشاركة فى إنتاج عدة أفلام، كان أهمها العمل لتحقيق نهضة البلاد، والحفاظ على المبادئ والأخلاق والعادات والتقاليد الأصيلة للشعب المصري، بالإضافة إلى ضرورة وجود موهبة فنية.
تجربة الشباب مجرد بذرة تحتاج إلى رعاية، المال الإسلامي كثير، فلم لا يدخل هذا المعترك الخطير، وهو أصلا مربح، وله «زبائن» بالملايين؟.
hilmias@gmail.cim
الدستور