حديث الملك والحاجة لسيادة القانون وصدق الحكومات
د.مهند مبيضين
03-07-2012 04:22 AM
بالتفكير والتدبر المعني بإرادة الناس وآمالهم، كانت معاني كلام الملك في مقابلته أول أمس، كلام أظهر ملكا لا يعيش في برج عاجي أو قصر من قصور الاستبداد العربي المنتشر، لا بل هو ملك يسمع الناس ويساهر الليل وهو يرى غضبهم على عدم وصول المياه وارتفاع الأسعار وبذات الوقت يرى بإيجابية الحراك الذي ما فتئ يكرر الدعوة للإصلاح.
ظهر الملك في حديثه للضمير الوطني الجمعي من إخوان مسلمين ويسار اجتماعي وحراك شعبي وشبابي وأحزاب، أكثر إصرارا على بلوغ ما يتوق إليه الناس، وهم الناس الذين لا يرضون بغير فلسفة الحكم الهاشمي مرجعا ونهج حكم، وهم الذين يتوقون للمساواة وإلغاء المزايا بينهم على اعتبارات باتت لا تنتمي للدولة المعاصرة.
وفي ذلك كان الملك يتحدث عن الشرعية، دونما إغراق بالتاريخ، فشرعية الديمقراطية مهمة اليوم وللمستقبل، وهي تجعله يظهر كل مرة أكثر إصرارا على المضي مع الأردنيين نحو برلمان أفضل وحكومة برلمانية، ووطن يسوده القانون وليس قوة المصالح.
فتح الملك الباب للجميع ودعا الكل لركوب قطار الديمقراطية، ولم يغب عنه ما يدور من عنف اجتماعي وتطرف في الإشاعات، وظن بأن هيبة الدولة هي إلى أفول، لا بل الدولة أقوى مما نظن وأقوى مما تظهر عليه، وهنا كان الكلام عن قوة التسامح التي لا تعني كما يحب البعض أن يراها انسحابا أو ابتعادا عن تطبيق القانون.
في ظلال هذا الكلام، نحن نحتاج إلى مسؤولين يرتقون إلى تلك الرؤى، ويعرفون منطق الدولة المعاصرة التي تشكل الحرية ضمانة قوة لها، ونحتاج إلى اعلام حر لا يرتهن للإشاعات أو كلام السوق، نحتاج إلى دور رقابي من قبل المؤسسات التي تعنى بالرقابة، وإلى دور مشترك بين القطاعين العام والخاص كي نبرأ من جروحنا دون أن ننحني لعواصف القروض والمعونات، فهذا الوطن ظل وسيبقى سامقا، لكن البقاء والصمود يحتاج لرجال يحمونه ولا ينتظرون الملك كي يحل مشاكل مؤسساتهم.
للأسف افرز الفساد قوىً تساعده، وترعاه وتدافع عنه، وترى التنفع من الموقع جرأة ورجولة، لأنه نهش مباح، للأسف أفرز غياب القانون أبطالا يسرقون الماء من حلق الناس العطاش، وهم لم يكتفوا بسرقة الماء لشربهم وشرب ماشيتهم وسقي زرعهم، بل إنما يبيعون ماء الدولة للعطاش.
افرز عدم الوعي وتقدير مصلحة الوطن رجال نجدهم يغضبون حين يحالون على نهاية الخدمة، فيلجأ البعض منهم لتحريك منطقته والاحتماء بها، كي يعود أو يعوض بموقع جديد، وافرز الإعلام البعيد عن المهنية والموضوعية قلة من الأقلام التي تباع وتنتقل من كتف لكتف، فترى الفاسد بطلا وترى رجل الأعمال الذي يشتري الأصوات صاحب نظرة عميقة ومنجز.
لذلك كله، نحتاج إلى العودة للقيم الوطنية العليا، وإلى الإعلام الحر المهني وإلى تعظيم القانون ورفض الإشاعات التي أفرطت في التأويل والبشاعة. نحتاج لرقابة المواطن على كل منجز تعبنا من أجله، ولا نريد هبات من الحكومة كي تشعرنا بوجودها، فتطبيق القانون يحتاج إلى مسار ومصداقية كاملة لا تعترف بالواسطة والنفوذ، فالقانون يجب أن يطبق على الباشا وابنه وعلى المعلم والتاجر وعامل الوطن فالكل سواسية، لا أن نفصل للأصحاب النفوذ رعاية خاصة، علما أن مقامهم العالي ووجاهتهم ليس فيها إلا مظهرها الزائف، وحين نصل لحكم القانون نستعيد الثقة مع المواطن ونزداد تقدما.
Mohannad974@yahoo.com
الدستور