مؤتمر اسطنبول الذي يعقد اليوم السبت إن لم يكن قد التأم أمس الجمعة، هو بمثابة مؤتمر إقليمي ودولي، وليس مجرد مؤتمر دول جوار العراق كما حال نحو عشر مؤتمرات سابقة عقدت خلال السنوات الأربع الماضية. فالدول دائمة العضوية في مجلس الأمن سوف تحضره، مع حضور بان كي مون وكونداليزا رايس.ومع أن المؤتمر يحتفظ بعنوانه كلقاء لدعم العراق، وقد عقد مؤتمر شبيه له في شرم الشيخ في مايو/أيار الماضي، إلا أن التوتر التركي الكردستاني سوف يطغى عليه. وهذا مؤشر إضافي إلى مدى تشعب وتعقيد المعضلة العراقية.كان يٌفترض أن لا شأن للعراق والعراقيين بالأزمة الكردية التركية، غير أن تواجد قوات لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق (إقليم كردستان ) وانطلاق عمليات له من هناك باتجاه الأراضي التركية، أشعل فتيل الأزمة وهو أمر يصعب الدفاع عنه، سواء احتسب حزب العمال إرهابياً أم لا.
في ظل احتدام الأزمة الكبيرة مع الاجتياح الأميركي للعراق رفضت تركيا الانضمام للحرب،وهو موقف رفع من أسهمها لدى العرب ولدى شرائح كبيرة من العراقيين علاوة على الأتراك أنفسهم، ولعل ذلك الموقف كان أحد أسباب صعود حزب العدالة والتنمية الذي جنب بلاده وشعبه ويلات حرب كان يمكن تفاديها وقد تفاداها بالفعل.
الآن تغير الوضع مع اشتداد التوتر الكردي التركي. علماً بأن وجود حزب العمال في كردستان ليس جديداً.غير أنه رفع من وتيرة عملياته خلال العام الجاري.كما بدا أن السلطات في إقليم كردستان تمنحه حرية الحركة لأسباب قومية مفهومة ومعروفة.
واشنطن اللاعب الأكبر تريد حل الأزمة سياسياً، بما لا يضعف ولا يتسبب بالحرج لحلفائها في شمال العراق.حكومة المالكي ترغب في الأمر نفسه. وهو أمر صعب المنال، مع رفض أنقرة التفاوض مع حزب العمال والاعتراف به على أي وجه من الوجوه.فيما سلطات إقليم كردستان العراق بزعامة البرازاني، ترغب باستخدام هذه الأزمة كمدخل لفتح ملف الحقوق القومية للأكراد في تركيا وربما في إيران وسوريا وأيضاً، مع احتساب الإقليم في شمال العراق كموئل لجميع الأكراد، وتعبيراً قومياً ودولتياً لنحو ثلاثين مليون كردي في المنطقة وفي العالم.
لن يكون بوسع سلطات كردستان العراق أن تحصد الكثير من مؤتمر استانبول.. يكفي أن يعقد في حاضرة أمجاد تركية تاريخية، من أجل استبعاد هذا الاحتمال. وغاية المأمول لتلك السلطات أن تنجح واشنطن بحضور الوزيرة رايس في نزع فتيل الأزمة، وتحويل الوجود المسلح لحزب العمال في كردستان، إلى مجرد وجود سياسي وإعلامي في الحد الأعلى.
مع ذلك فهناك نجاح حققه إقليم كردستان بالضغط من أجل تفادي اجتياح تركي يتسبب في أضرار جسيمة : مادية وسياسية للكيان الناشىء في شمال العراق. واشنطن نفسها تقف مع هذا الخيار. أما تركيا فقد نجحت بدورها نجاحاً مشهوداً، في إلقاء ضوء كاشف على مخاطر الوضع القائم، ودفعت أطرافاً إقليمية ودولية عديدة في العالم لاحتساب حزب العمال منظمة إرهابية (الجامعة العربية ذهبت في هذا الاتجاه في اجتماع عقده المندوبون في القاهرة أمس الأول الخميس).