حتى تكون السخرية في مكانها الصحيح
جميل النمري
02-11-2007 02:00 AM
تبدو الحملات الانتخابية مناسبة سهلة للسخرية من المرشحين وشعاراتهم، يحدث هذا مع كل موسم انتخابي بما في ذلك انتخابات التحول الديمقراطي عام 89 مع أنها كانت الأكثر سخونة وإثارة وجدّية وتسييسا.هناك أسباب وجيهة للسخرية طبعا، وينطبق على كثير من الشعارات الوصف القائل: "شرّ البلية ما يضحك" فلا هذه الشعارات ولا أصحابها يتمتعون بأدنى حدّ من الثقافة واللياقة للتنطح لهذا الدور، لكن الكثير من التعليقات والكتابات الساخرة هي نفسها تفتقر ويفتقر اصحابها للثقافة والعمق والالتزام في هذه القضية. واذكر انني كتبت مقالا غاضبا اثناء انتخابات عام 89 أي بداية التحول الديمقراطي من الكتابات الساخرة من شعارات وبرامج المرشحين لأن كثيرا منها في الواقع كان يخلط المفاهيم -عن قصد أو جهل- لتسفيه العملية الديمقراطية ذاتها.
الموضة هي السخرية من وعود المرشحين، لكن هناك باستمرار خلطا واضحا بين "الوعود" و"المطالب" اذ يطلق تعبير "وعود المرشحين" على مجمل ما يطرح من شعارات مع أن أكثر الشعارات ليست وعودا من المرشحين للناخبين بل مطالب من المرشحين لأصحاب القرار يفترض انها تمثل رغبات وطموحات ناخبيهم, ومضمون البرامج ينتسب كله تقريبا الى المطالب وليس الوعود، فالمرشح يعد مثلا بالبقاء على صلة مع قاعدته الانتخابية، أو أن يكون جريئا لا تأخذه في الحق لومة لائم. لكنه لا يقدم وعودا بتخفيض الضرائب أو توفير التعليم المجّاني أو تحرير فلسطين فهو يطالب مع جمهوره المفترض السلطةَ التنفيذية بما سبق، وعليه يمكن انتقاده بسبب "مطالب" غير واقعية وليس "وعودا" غير واقعية. لكن السيد الكاتب اذا فعل ذلك ينقلب مضمون مقاله الى الدفاع عن السلطة التنفيذية والاصطفاف معها بينما هو لا يريد دفع هذا الثمن بل يريد التفكه المجّاني فقط على حساب المرشحين.
والشعارات العامّة ذات المضمون الايجابي المنحاز للجمهور ظاهرة مفهومة في الانتخابات, ولو ان الكاتب الذي يسخر كان مكان المرشح لما خرج عن ذاك السياق، فالمرشح ملزم أولا بطرح شعارات، وهو لأسباب انتخابية يطرح عبارات ايجابية ويتجنب وجهات النظر الخلافية.
ويندر ان تجد مرشحا يقترب بوضوح وحسم من القضايا الخلافية أو التحديدات الدقيقة الا اذا كان مرشحا يملك خلفية عقائدية أو سياسية محددة، ثم إن المرشحين عندنا -مع الاستثناء العتيد الدائم والمعروف- هم افراد وليسوا احزابا كبرى تستطيع ان تقول اذا حصلت على الأكثرية واستلمت الحكم سأفعل كذا وكذا، أفراد يطرحون مطالب ووجهات نظر فقط.
هناك ما يستحق السخرية ورسومات زميلنا المبدع عماد حجاج على هذه الصفحة، هي نموذج لرؤية نقدية ذكية وثاقبة تحمل رسالة وتعرف ما تريد. نحن نرى مع كل جولة انتخابية زيادة نسبة المرشحين الذين يفتقرون الى الحدّ الأدنى من السويّة الضرورية، وينعكس ذلك في شعاراتهم التي لا تبالغ في الوعود بل تغرق في السذاجة والانشاء والسطحية لكن الكتابات الساخرة المجّانية لا تلتقط معنى الظاهرة ولا توجه سهامها حيث يجب فهي نفسها تفتقر الى قضيّة ورؤية.