المقـر الانتخابي؛ وسيلة مهمة نسيء استخدامها!
خالد سلمان القضاة /قطر
02-11-2007 02:00 AM
المقر الانتخابي في الأردن هو في غالب الأحوال خيمة واسعة، تنتشر على أطرافها صفوف من الكراسي، ويعمد المترشح إلى ترتيب عدد من كراسيها المميزة (وقد تكون مجموعة من الكَنَب)، استعدادا لاستقبال شخصيات مميزة من وجهاء العشيرة أو المنطقة. وفي كثير من الأحوال أيضا، يظن المترشح أن كل القادمين إلى مقره الانتخابي هم مؤيدون ومؤازرون، وبالتالي ناخبون محتملون.ويبقى المترشح يأمل على الدوام أن تبقى الخيمة ممتلئة بالناس، فيبقى بذلك متفائلا بأن خيمته العامرة ستجعل منه وجيها بين ليلة وضحاها، على اعتباره أن وجاهته ستتحقق من خلال أصوات هؤلاء (الناخبين المحتملين). وقد درجت العادة الاجتماعية أن يزين المترشح خيمته الانتخابية ببعض الصور الوطنية (من الداخل)، وببعض المصابيح الكهربائية الملونة، وأنماط مختلفة من أشكال الزينة؛ وقد يختار غالبية الألوان من ألوان العلم الأردني، للدلالة على الوطنية، وحب الوطن الذي يأمل (أو يحلم) في أن يكون من نوابه. أما عماد الضيافة فيتمثل في القهوة العربية، التي قلّما نراها هذه الأيام بدِلالها النحاسية، بحيث استُبدلت ب (برادات/ سخانات) مختلفة الألوان والأشكال، لأنها جاءت من مصادر مختلفة، وغالبيتها تكون مساهمة ً من (العَنايا) ومن الجيران.
كثير من المترشحين يعتقد أن الصوت الانتخابي صوت حقيقي- أي بالفم واللسان والحنجرة! فتراه ينفق كل مدخراته أو معظمها، أو يستدين من الأصدقاء والأقارب، لكي يقدّم (للمعازيم- الناخبين المحتملين إياهم) عددا شبه يومي من المناسف بشتى أنواع اللحوم، المزركشة بالصنوبر واللوز، أو بالفستق الحلبي إذا كان بين الناخبين المحتملين أحد وجهاء المنطقة. وبهذه المناسف، يطعم الأفواه ويرطب الحناجر، لكنه يعرف أن اللسان لم يأخذ حقه، فتراه يتبع المناسف بمناسف؟! (سدور) أخرى من الحلوى- والكنافة بشكل خاص. وهذه العادة الاجتماعية عادة ذات قيمة أصيلة وجميلة، وتدل على الكرم والشهامة وإكرام الضيف وإطعام الجوعى؛ لكنها في الحملات الانتخابية لا تكون كذلك أبدا، بل قد تسيء إلى فاعلها أكثر مما قد تفيده. وعلى المترشح أن يدرك أن الصوت الانتخابي هو قناعة ومرآة للضمير والفؤاد، وشكل من أشكال الأمانة، وأنه حق من حقوق الوطن - لا يمكن ولا يجوز ترويضه بوجبة دسمة أو بمذاق السمنة البلدية. والمترشح المتفكر، هو الذي يخصص هذه الآلاف من الدنانير لصيانة مدرسة أو مساعدة الطلبة المحتاجين والأسر المتعففة، لأن هذه أعمّ خيراً وأكثر نفعاً – بحول الله.
ما أفهمه عن المقر الانتخابي، أو الواجب فيه، هو أن يكون ملتقىً لمناقشة رؤى وبرنامج المترشح، ومكانا لتبادل الأفكار المؤدية إلى خير المنطقة والوطن. وعلى مثل هذه المقرات– خاصة في الأرياف والبوادي، أن لا تتحول إلى (تعليلة) يقضيها القادم إليها في تجريح الخصوم الانتخابيين، أو في كيل المديح (الزائف) للمترشح، أو في استعراض أجهزة الهاتف الخلوي بتقليعات نغماتها. وكم أتمنى أن يتزود المقر الانتخابي بلجنة للعلاقات العامة، تعمل فقط على استقبال المقترحات وعرضها على المترشح- بدل أن تقتصر مهمتها على تكرار الكلام المعسول ترحيبا بكل من يلقي السلام بصوت مرتفع – بعد أن (يتنحنح)! وكم أتمنى أن يتحول المقر الانتخابي إلى منتدى خطابي مصغر، يُدلي فيه أصحاب الرأي بآرائهم ورؤاهم بنقاط محددة. وقد أتمنى أكثر، بأن يتقدم المترشح بعد ذلك إلى مكان مناسب في المقر الانتخابي، ليزوّد الحضور بتعقيب على آرائهم. أما الأمنية الحقيقية، فهي أن يقف المترشح ذات يوم ليقول: أيها الأخوة والأحبة، إن في آرائكم كل الصواب، وإنه ليس في مقدوري أن أحقق إلا القليل القليل منها؛ لذلك، وبعد التوكل على الله، قررت الانسحاب لصالح أي مترشح آخر يكون أكفأ مني لهذه المهمة في هذه المرحلة. وعندئذ، ستتحقق الرؤية التي أؤمن بها، وهي أن التقدير والعرفان يجب أن يكونا (من النائب للناخب)، وليس (من الناخب للنائب)!