النفاق و التلون السياسي!!!
د.عبداللطيف الرعود
02-11-2007 02:00 AM
كثيراً ما تتصف صفات الإنسان بالحيوان سواءً كان ذكاءً أو غباءً ، مكراً أو دهاءً ، إلا أن أسوأ هذه الصفات هي التلون عند الإنسان عندما يشبه بالحيوان في تغيير اللون تحديداً فالحرباء التي تغير لونها حسب الطبيعة التي تحيط بها و الهدف من ذلك الحفاظ على نفسها من المخاطر تحت أي ظرف و بأية طريقة و ما يترافق مع تغيير اللون طول اللسان !!! إذ تستخدم اللسان في اصطياد الفرائس و هو دبق و أطول من جسمها و مبروم لداخل الفم و في طرفه عظمة (مكبس) تساعد على دمغ الفريسة بقوة و بسرعة .هذه الصفات جعلت من الحرباء رمزاً لوصف إنسان ما بالانتهازية و الخيانة و النفاق و ما يترافق من كيل الاتهامات و الشتائم بكافة أصنافها... و تكون معطوفة على بعض مخلوقات الله سبحانه كالإنسان و حية الكابواس التي تغير لون جلدها كالحرباء و لكن ما يميزها عنها أن لدغتها قاتلة كذلك حية التبن التي يتشابه لونها بلون التبن التي تؤذي خفية دون أن يراها أو يشعر بها أحد ، و كإنسان ثعلب و غير ذلك من الصفات .......
و في معرض حديثنا عن الناس و مواقفهم فإنهم صنفان
صنف متقلب متغير يتلون مع الظروف و يتكيف مع الأوضاع
و صنف ثابت راسخ و ذو مواقف ثابتة .
الصنف الأول من الناس نفاقاً و تلوناً و تغييراً لمواقفهم و لهجات خطابهم باستمرار هم ( السياسيون ) الذين يطلون علينا بألوانهم الحزبية و المذهبية و العرقية بخطاباتهم الاستهلاكية التعبوية فهم صنف يظهر في كلامه الأكاذيب و يراوغ ليمررها على الناس و هو يعلم أن كلامه مجرد نفاق سياسي !!
و منهم من يكون في كلامه أكثر حذراً لتلافي الانزلاق و التورط الذي يحسب عليه .
و في الصنف المراوغ عادةً ما يبكي و إذا بكى فهي كدموع التماسيح الخادعة و لا تعبر عن عاطفة أو حزن أو ألم و إنما تكون عادةً لطلب مصلحة أو الهروب من مأزق ، و لونه يتغير في المواقف و الأحداث إلى ألوان و دينه إلى أديان بحسب ما تقتضي المصلحة فهو في الإنسانية إنسان و في الحيوانية حيوان يميل كميل الأشجار مع هبوب الرياح
" لا خير في ود امرئٍ متلونٍ إذا الريح مالت مال حيث تميل "
و في أغلب الأحوال من هذا الصنف من لا يثبت على رأي .... و تظهر شريحة أخرى منفصمة في أقوالها تحاول أن تثبت على رأي و هكذا يختلط الحابل بالنابل عند اختلاط الرأي و تعم الفوضى بحيث أنك لم تعد تميز احداً من غيره و تعم ظاهرة ضرب الأخماس بالأسداس عند ظهور اللبس و الحيرة و ما يرافقها من مكر و خديعة و لا يعرف من يصدق عندما يعم مبدأ الكيل بمكيالين "والمعايير المزدوجة" عند هذا الصنف من الساسة المبنية سياستهم على أقوال و ليست مقرونة بالأفعال !!! و ينعكس ذلك على جميع مناحي الحياة في الحب و الصداقة و السياسة و عند الكبار قبل الصغار و في أقرب الأقربين و رجال الدين و رجال الدولة ، لتشكل ثقافة النفاق السياسي انتشاراً واضحاً في المجتمعات المتخلفة بدءً بالسلطة التنفيذية و مروراً بطبقة الساسة و انتهاءً بالجمهور لتعطي في المصلحة لوناً داكناً للثقافة السائدة في المجتمع و بمرافقة هذه الأمراض المستعصية لها .
و مع تفشي هذه الظاهرة في أي مجتمع من المجتمعات تقرأ الفاتحة على روحه و تكبر عليه التكبيرات الأربع ، و إن كانت الأجساد تتحرك فيه فهي حركة بلا روح ، إلا روح الانتهازية و التزلف و التملق و التخلص من المواقف الحرجة من أساليب نفاق السياسيين الذين يتقلبون دائماً بين المواقف و الخطابات !!!
و قد جاء وصفهم بقوله تعالى " مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء " و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب و إذا وعد أخلف و إذا ائتمن خان " ، و يستفاد من ذلك أن صفة التردد و الذبذبة غالبة عليهم و أن صفة الكذب راسخة فيهم و ذلك بإظهارهم الانتساب الزائف إلى الحق إذا خافوا من الخسران المادي و الأذى الجسدي أو نقصان الجاه و السلطان و في الانتخابات الحالية للبرلمان لا تخلو الشعارات الانتخابية من النفاق السياسي و سيطرة رأس المال السياسي عليها مع غياب الانتماءات الحزبية و الفكرية و بروز الشعارات الوطنية و الدينية و النزاعات القبلية ، و الانتخابات لا تجري على أساس الأفكار و البرامج السياسية التي تعالج الشأن العام عليه من خلال وسائل إعلام هادفة و صحافة حرة ، و ليس على أساس الأشخاص و أداء الخدمات و المصالح الشخصية لتنحرف معها وظيفة النائب إلى أشكال أخرى من الوظائف كنائب للخدمات و التسهيلات بمجرد وصوله البرلمان ، و قد يتمنى بعض المرشحين أن لو كانت الانتخابات في شهر نيسان لتصبح معها الوعود " كذبة نيسان " !!!
أما مسألة الشعارات أصبحت كأنها لغز محير خاصة الشعارات المتعلقة بالوطن و الوطنية و كأنها جاءت لزيل تهمة ما على فئة ما و يلفها الغموض إلا شعار "الإسلام هو الحل " للإخوان المسلمين الذي أفاد نائب المرشد العام بأنه يمثل مرجعية أساسية للأمة و يتفق مع المادة الثانية من الدستور و أصدرت محكمة القضاء الإداري حكماً بإقرار هذا الشعار و بالتالي فلا تعارض بينه و بين الدستور ، غير أن هذا الشعار أصبح استهلاكياً إذ أن من استعمله في الانتخابات البلدية من خارج الأخوان المسلمين و من أشخاص غير ملتزمين دينياً .
و من هذه الشعارات يظهر النفاق على مستوى وطني !!
و الملاحظ اختفاء الشعارات القومية التي تعتمد على دغدغة المشاعر مثل
" تحرير فلسطين من البحر إلى النهر" و قد مل الناس من تكرار هذا الشعار لأنه دونما إنجاز و استبدل بشعار
" دعم الدولة الفلسطينية "
و " دعم وحدة العراق و انسحاب القوات الأمريكية منه " و هي شعارات استهلاكية على المستوى القومي .
و باختصار فإنه يلزم لعلاج هذه الأمراض الفتاكة التي تدمر المجتمع و لا تبقي منه و لا تذر تنوير الوعي الثقافي و السياسي لدى الناس و من ثم العمل على تقوى الله بالقول و العمل و محاربة النفاق و المنافقين بكل ألوانهم على المستوى الرسمي و الشعبي و لا يتم ذلك إلا بالوعي ليس إلا ...
dr.roud@yahoo.com