رب كلمة قالت لصاحبها دعني، هي كلمة قالها مساعد رئيس الجمهورية ونائب رئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان نافع علي نافع فأصبحت عنوانا لجمعة انتفاضية ثورية في السودان، حينما بدأت حركة الشارع السوداني الاحتجاجية على رفع الأسعار الجنوني، قال نافع عن الثوار المحتجين: من الأسهل عليهم أن يلحسوا أكواعهم من أن ينجحوا في إسقاط النظام، ولم يكذب الشباب خبرا، فنشروا صورا على الفيس بوك لبنت صغيرة وهي تلحس كوعها، تحمل عبارة كتب عليها: لحسنا الكوع وما في رجوع .. ثورة ثورة حتى النصر!
أذكر منذ سنوات عديدة، حينما قامت «ثورة الإنقاذ» أيام كان اسمها ثورة، كيف هرعنا إلى الخرطوم زرافات ووحدانا، لنحتضن الثوار الجدد، ونصفق لهم، قبل أن تفرقهم السياسة والأطماع والخلافات، وأذكر كيف أجهشنا بالبكاء أنا وصديقي حسن التل - رحمه الله - ونحن نستمع إلى خطاب «مؤثر» للبشير، وهو وسط رجاله وعلى رأسهم الدكتور حسن الترابي، كان الرجل يتحدث مثلنا، بلغتنا، فأثار شجوننا، إذ لم نكن معتادين على سماع قادة العرب وهم يتحدثون بلغة شعوبهم، ومرت السنوات، ودخل السودان في مئة نفق، وتخاصم الإخوة، وسجن بعضهم بعضا، وفرط من بقي منهم في سدة الحكم بنصف البلد، فيما النصف الآخر على كف عفريت، وها نحن نرى شباب السودان وهم يلتحقون بربيع العرب، فيما يتصدى لهم رجال أمنهم بالغاز المسيل للدموع، والهراوات، ويتحداهم مساعد رئيسهم بأن يلحسوا أكواعهم إن استطاعوا، وقد بدأوا يفعلون!
لم يقف الأمر عند هذا التحدي الرسمي، فوصف البشير شبابه بأنهم شذاذ آفاق، ولا علاقة لهم بالشعب السوداني، ولا يعبرون عن هذا الشعب، وهو موقف مألوف، بدأه بن علي بصرخته الشهيرة: أنا فهمتكم!! ثم أتبعها القذافي بسؤاله «الفلسفي»: من أنتم؟ ثم جاء علي صالح ليصرخ بالشباب: لقد فاتكم القطار، أما «السجين» حسني مبارك فكرر بعد فوات الأوان أنه «لم يكن ينوي الترشح لفترة رئاسية ثانية» بعد أن ربض على صدور شعبه نحو ثلاثة عقود كاملة، وها هو بشار يتحدى هو الآخر قائلا: إن سوريا «غير» تونس ومصر وليبيا، وأنه ماض في «الإصلاحات» بقتل ما لا يقل عن خمسين من أبناء شعبه كل يوم!
المشكلة أن لا أحد يعتبر، ولا أحد يصدق، وكل من شبت النيران في ثوبه، أسمعنا كلاما مشابها، وإن بعبارات مختلفة، أحد الظرفاء علق على تويتر قائلا: جمعة «لحس الكوع» في السودان = جمعة «بلط البحر» في سورية = جمعة «لما تشوف حلمة ودنك» في مصر!
في السودان تململ، ربما يتحول إلى انتفاضة، فثورة، وربما تخبو هذه النار ولو مؤقتا، ولكن الجمر يبقى تحت الرماد، ليس في السودان فقط، بل في بلاد العرب أوطاني، فمن يعترف ومن يشعر بهذه النار، التي ستمتد إلى أبعد بقعة في هذه الثياب البالية التي يتدثر بها الطغاة؟؟
hilmias@gmail.com
الدستور