منذ سنة ونصف تقريبا أدخلُ في نقاشات شبه يومية مع “الإصلاحيين” والذين يمثلون فئات سياسية واجتماعية مختلفة ومتباينة في توجهاتها الفكرية والاقتصادية وبشكل يثير الارتباك أحيانا من كثرة هذه الآراء والتوجهات.
أكتب في صحيفة الدستور منذ العام 2000 وقبل ذلك بعشر سنوات في صحف ومواقع إعلامية مختلفة وموقفي كان دائما ثابتا وهو المطالبة بالديمقراطية الحقيقية التي تتضمن انتخاب ممثلي الشعب من خلال انتخابات نيابية نزيهة بقوائم وبرامج حزبية وتشكيل حكومات نيابية ذات تمثيل واسع ومكافحة الفساد وتعزيز قيم النزاهة والدولة المدنية والوحدة الوطنية ورفض كافة أنواع التعصب الديني والأيديولوجي وفرض الرأي الأوحد على المجتمع.
اكتشفت خلال السنة ونصف الماضية أن هنالك أبطالا جددا ظهروا على ساحة الإصلاح في الأردن، بعضهم كانوا إعلاميين مطبلين للحكومات وبعضهم مسؤولين سابقين وبعضهم من الحزبيين المخضرمين، وبعضهم شبان متحمسون ظهروا في فترة الربيع العربي.. من إسلاميين وسلفيين وشيوعيين وقوميين وليبراليين ووطنيين وإقليميين، بغطاء يساري ودعاة فوضى دون اي غطاء وغيرهم الكثير من التيارات والمواقف ملأت الساحة السياسية والإعلامية في الأردن. وجدت نفسي في مقابل هذه القوى المعارضة الجذرية الصاعدة أحمل موقفا محافظا بل ربما رجعيا طالما أنني لا أدعو إلى محاكمات غير قانونية للمشتبه بفسادهم، ولا أدعو إلى إسقاط النظام وأستمر في احترام ودعم النظام الملكي الهاشمي ولا أؤيد التجاوزات في الطروحات ولا الفوضى في التعبير، لأن كل من يريد أن يثبت أنه معارض فعال في زمن الربيع العربي يجب أن يرفع سقف كلامه.
يختلف هؤلاء في عدة اشياء ولكنهم يتفقون في أمر واحد فقط وهو رفض الرأي الآخر والاستهزاء به وتوجيه الاتهامات الجاهزة لصاحبه. تماما كما يقوم سدنة الإعلام المحافظ بتشويه سمعة الأفراد والجماعات في الحراك الشعبي يقوم الحراك بنفس الطريقة بتشويه سمعة كل من يختلف معهم بالرأي ولا يوجد اسهل من كلمة “عميل للأجهزة الأمنية” أو “فاسد” أو “سحيج” لوصف من ينتقد سلوك وشعارات نشطاء الحراك الشعبي وخاصة الجدد منهم. حتى المؤسسات الحزبية الكبيرة وبخاصة الإسلاميين تجد صعوبة في تقبل الرأي الآخر وتعمم الاتهامات على من يقدم رأيا مخالفا أو حتى انتقادا منطقيا لطروحاتها.
اي إصلاح سيحدث في ظل هذه الدكتاتورية واحتكار الحقيقة والتي تشترك بها قوى “الإصلاحيين” مع قوى الشد العكسي؟ هل المسألة هي فقط استبدال مواقع وأشخاص مع الحفاظ على نفس العقلية من التعصب وعدم قبول الاختلاف؟ لا يمكن أن يحدث اي إصلاح ذي معنى في الأردن بدون وجود تحول نوعي في الثقافة السياسية تجعل احترام الرأي الآخر والقبول به هو القاعدة لا الاستثناء الذين يمارسه بعض المتنورين من حملة الأفكار المختلفة ولا يمكن الثقة باي تيار “إصلاحي” أو حراك لا يتمتع بخاصية احترام وقبول الراي الآخر لأنه يمثل دكتاتورية جديدة قيد النمو.
ليس من السهل أبدا التحلي بالقدرة على احترام الرأي الآخر لأن لكل منا شياطينه الخاصة والتي يرفضها ولا يستطيع التعايش بالنسبة لي شخصيا من الصعب قبول المواقف التي تدعم الصوت الواحد أو تحمي الفساد وتساعد في التهرب من عواقبه أو تبرر قتل وإيذاء الناس باسم الدين أو تدعم النظام السوري المجرم أو تبرر ارتكاب جرائم الشرف أو تدعم تضليل البرنامج النووي الأردني وغيرها من القضايا، ولكن في نهاية الأمر لا بد من قبول الرأي الآخر.
كثير من المؤمنين بالديمقراطية وحرية التعبير والإصلاح المنظم في الأردن هم الآن في موقف الرهينة ما بين تيار قوي من نخبة سياسية لا تريد إحداث اي انفتاح ديمقراطي وبين تيارات صاعدة من المعارضة الساخطة المتعصبة والتي لا تقبل الموقف المخالف ومن غير المعقول أن يبقى مصير البلد والمجتمع مقتصرا على النزاع ما بين طبقتين تختلفان في كل شيء وتتفقان على عدم احترام الثقافة الديمقراطية الحقيقية.
batirw@yahoo.com
الدستور