لم تكن رسالة الملك لولي العهد في عيد ميلاده الثامن عشر مجرد رسالة اعتيادية او خطاب عكس مجرد الحدث نفسه ، بل جاءت ملحمة سياسية ولوحة فكرية عبقت تساميا بمفهوم المسؤولية ورشحت بوابل من مبادىء فلسفة الحكم ، التي لم تكن في جمهورية افلاطون ولا بحكم ديمقراطيات السويد ، بل توارثت من عتق سنين طوال من عمر تاريخ الأمة حتى وصلت لسيد الخلق والبشرية هادي الأمة محمد ابن عبدالله .
رسالة الملك لولي العهد هي عهد الهاشميين لأنفسهم أمام الله أولا وأمام شعبهم وأمتهم وهي مضامين الرسالة نفسها التي حملها الجد المصطفى للبشرية والتي اساسها مخافة الله التي هي مخرج كل شيء . حيث انطلقت هذه الرسائل لتكون عناوين وشعارات الحكم الهاشمي الذي استمد مفاصله من الدين الحنيف ، فلم يكونوا غليظي القلب لينفض الناس من حولهم ،وكانوا على الدوام المسامحين الاجلاّء العافين عن الناس والمتشاورين مع كل مكونات المجتمع ، فتجمع الناس حولهم وكانوا للناس المجْمَع والقاسم المشترك الاعظم.
اوضح الملك لولي العهد واقع العلاقة بين الهاشميين وابناء الشعب والتي لم تكن مجرد علاقة حاكم ورعية، بل جاءت مجسدة لروائع الأخوة والأبوة و تمخضت عنها أسمى معاني المحبة والتقارب والتواصل ، لذلك فان وصية الملك الأب لولده وقد بلغ سن المسؤولية أن أحِبّ الناس وكُن معَهم ووقّر كبيرهم وارْحم صغيرهم واعْطِف على ضعيفِهم وساوي بين الناس في الحقوق والواجبات واصفحْ واعفُ عمّن أساء منهم، وهي سِمات ابناء الخير والأصول الذين ، لأن العفو عند المقدرة من صفات الأخيار من القوم .
لقد بين جلالة الملك في رسالة التربية والتعليم قواعد العمل والعطاء ومتطلبات المسؤولية الحقيقية التي يراها الناس في كل من يشارك في تحمل المسؤولية من الشجرة الهاشمية كامتداد لنهج العطاء الخالد الذي يتوارثه الأبناء عن الآباء . فخدمة الناس وتحمّل المسؤولية تتطلبان العمل الدؤوب وايصال الليل بالنهار والسهر على مصالح الرعية .
لقد رسم الملك في رسالة النهج المتوارث لوحة سامية عن حقيقة المواطن الاردني الواعي المنتمي والصادق الشريف الذي لم تزعزعه او تبدّله الظروف والتحديات على اعتبار ان نهج الاردنيين قائم على القناعة والثقة بالقيادة رغم كل التحديات والصعوبات التي واجهها .
ان السّمات التي تطلّعها الملك في ولي العهد هي سمات لا يمكن ان تتحق بمجملها الا عند من مارسها وتمثل بها فانعكست مباشرة على العلاقة مع الناس. فالملك يتطلع في ولي العهد ان يكون على النهج نفسه الذي سار عليه الملك أبا عن جد لينعكس ذلك على حب الوطن والانتماء إليه والتفاني من أجله والذي يعبّر عنه العمل الخالص الجاد والمنتج وهذا لا يمكن ان يتحقق الا بالإرادة والعزيمة ونكران الذات والاسترشاد بالخُلق القويم المشهود فيه عن الهاشميين .
رسالة الملك كتاب مفتوح في عِلْم الحاكمية الرشيدة التي يتصف بها النهج الهاشمي ، ودروس تعليمية لمن يريد ان يتحمل المسؤولية ، التي اساسها مخافة الله باعتبارها رأس الحكمة ، ومن يتّق الله يجعل له مخرجاً .
Ad_alzoubi@yahoo.com
العرب اليوم