عصام عريضة .. همسات لن تغيب
د.حسين الخزاعي
01-11-2007 02:00 AM
ليس لنا ان نعترض على ارادة الله تعالى ، انه الموت.. اقسى حقائق الحياة واشدها ايلاما على النفس وخاصة عندما يكون الفقيد عزيزا ، وصاحب مواقف مقرونة باخلاق عالية ، رحل عنا دنيانا المرحوم عصام عريضه واختطفه الموت وهو في قمة عطاءة بعد مسيرة ثرية من العمل والانجاز والعطاء . وهب المرحوم نفسه وجل وقته للعمل الحكومي ، فلقد عمل في مؤسسة رعاية الشباب في بداية تأسيسها في منتصف الستينات ، وتدرج بكفاءته وجديته واخلاصه في العمل وتقلد العديد من المناصب الادارية فعمل مديرا لمدينة الحسين للشباب ، مديرا للمركز الثقافي الملكي ، مديرا للأذاعة الأردنية ، مستشارا في رئاسة الوزراء ، مدير عام المؤسسة المدنية ، رئيسا لتحرير جريدة الشعب ، رئيس تحرير مجلة الشباب ، امين عام وزارة الشباب . اما عن معرفتي الوثيقة بالمرحوم فلقد تجاوزت الثلاثين عاما ، وعرفته في كل المواقع والمناصب ، لم تغيره المناصب الكثيرة والكراسي الوثيرة ، ولم تغريه المواقع والمكاتب ، ولم تكن عائقا امام الصداقة ، فلقد كان ابو عدي قريبا من النفس والقلب ولدية قدرة غير عادية على التعامل والتفاهم والانسجام مع الجميع وفي مختلف مواقع العمل ، ولا اذكر في حياتي ان زرته في مكتبه وكان عدد الجالسين في مكتبه يقل عن عدد الكراسي مما كان يدفع احد الجالسين للاسئتذان ليفسح المجال للجلوس لضيف آخر ، وكانت هديه المعروفه لمحبية وزواره نسخة من " كتاب جديد قام بتأليفه " ، كان مثالا للأدب والصدق ومحبة الناس وحب الخير والتسامح ورجاحة الرأي وجلها صفات عز ان تجدها هذه الايام .
عرفته جاراً وفيا ، ومن خلال جيرته عرفت معان كثيره ترسخها مقولة " الجار للجار " حيث كان صادقا ومخلصا دائم السؤال والمتابعة والاطمئنان عن الجميع ، وفي جميع المحطات كان نعم الاخ الوفي الصادق ، عرفته الوطني الذي يعتز بتراب الاردن العزيز الطهور ، عرفته الكاتب الهاديء الذي ينحت من الحروف الجمل المفيدة والنصائح السديدة ، ومن المواقف والدروس الكثيرة الموجوده في مذخوري اذكر انني زرته في مكتبة في عام 1988 عندما تسلم رئيس تحرير جريدة الشعب ، وكان من النشاطات الموجودة على اجندته في ذلك الوقت " اجتماع مع العاملين في الصحيفة ، واعتذرت طالبا الخروج والمغادرة فطلب مني ان احضر الاجتماع قائلا " انا اجتماعاتي لا تأخذ اكثر من دقيقة واحدة " ، وبالفعل حضرت الاجتماع ولعل الكلمات التي قالها للصحفيين والاداريين العاملين في الصحفية ترسخ منهاج عمله في الحياه وهي العمل بروح الفريق الواحد والتعاون والمحبة والانسجام وتوفير الجو الهاديء المريح للعمل ولعله اختصر عوامل النجاح في العمل بكلماته الثلاث المشهورة " حبوا بعضكم بتنجحوا " ثم غادر الاجتماع ليرسخ منهجية العمل المؤسسي وان الفريق الواحد اساس النجاح . ومن المواقف التي لن انساها ما حييت والتي تدل على مدى وطنية وشهامة هذا الرجل الذي بعد تقاعده لم يتغير في حبه وانتمائة للوطن ، فلقد كنت برفقته لزيارة احدى الدوائر الحكومية وعندما لم يشاهد في الدائرة صورة لجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين ذهب واشترى ثلاث صور كبيرة واهداها الى مدير الدائرة قائلا توضع صورة في مكتبك وواحده في مكتب الموظفين واخرى في قاعة الزوار ، ولم يغادر الدائرة الا بعد ان شاهد الصور تعلق في المديرية .
اما على الصعيد الشخصي فمواقفه كثيرة ومحبته كبيرة ، وكان نعم الاخ الناصح والموجه والامين على النصيحه ، ولعل ما يزيد فخرنا بالمرحوم انه كان دائم الكتابة والبحث والتمحيص ، فلقد اهداني قبل اسبوعين فقط كتابه الاخير " المجموعة الثامنة همسات " والذي كتبه وهو على ابواب السبعين من العمر ، اختطفه الموت والقلم الذي رافقه لسنوات طويله لم يزل بيده وحبره لم يجف ، ان غاب ابو عدي فأن اعماله وكتبه وعطاءه ومواقفه وسيرته ستظل خالدة لا تموت .
رحم الله الفقيد والهم محبية واهله الصبر والسلوان . وانا لله وانا اليه راجعون .
ohok_90@yahoo.com