اذكر أن مهرجان جرش للثقافة والفنون حين انطلق وكانت تشرف عليه جامعة اليرموك في البداية كان ينطوي على مجموعة من الفعاليات الثقافية كالشعر والقصة والمسرح والمعارض المتنوعة للكتب والتراث ,وكان يضم المهرجان كثير من الشعراء والأدباء والمفكرين في أمسيات ثقافية وشعرية, وكان نصيب هذه الفعاليات من الزوار والحضور دائما قليلا وكان من ضمن فعالياته العروض الراقصة والغناء العربي والمحلي والأجنبي والمسرحيات المختلفة, ثم أمسى المهرجان يأخذ منحى غنائي وأصبح يركز كثيرا على الغناء ورموز الغناء من الفنانين المشهورين وغير المشهورين, بل وإشهار المغمورين منهم وأصبح مهرجان جرش رمزا للغناء والطرب واللهو , يتضح ذلك من خلال المسارح التي تغص بالآلاف من المتمايلين والمتمايلات طربا ونشوة, وليس رمزا للثقافة وإشهار المثقفين.

كان من الممكن التركيز على البعد الثقافي وأن يصبح المهرجان حدث ثقافيا عالميا كما يحصل في قرية (هايHAY) الويلزية التي لا يزيد عدد سكانها عن ألف وخمسماية نسمة, والتي يؤمها سنويا مئات الالآف من المثقفين والأدباء والمشاهير والجماهير العالمية لتشارك في تظاهرة عالمية ثقافية لشراء الكتب المستعملة وعرضها وكذلك عرض الفعاليات الثقافية والفنية.

لقد تحولت قرية (هايHAY) الإنجليزية الى معلم حضاري ورمز بعد أن كانت قرية عادية ( كسوم وزحر وفقوع والمزار) ولكن إبداع أحد أبنائها في شراء الكتب القديمة وعرضها في مستودعات خاصة داخل القرية جعل منها مرجعا ثقافيا لطلاب العلم والباحثين وأساتذة الجامعات ,حيث الكتب القديمة المراجع الثمينة , مما عاد عليها بفوائد مادية وشهرة سياحية من مهرجانها العالمي تقدر بالملايين حيث الفنادق والأسواق تزدحم بالزوار في موسمها الثقافي وتنشط الحياة الاقتصادية والتسويقية في القرية.

لواردات الجهات المسؤولة والمتقلبة على إدارة المهرجان أن يصبح مهرجانا ثقافيا إبداعيا عالميا لكان كما أرادوا وبشكل دائم حيث يرتاده الناس والزوار طوال العام ولأصبحت جرش مزارا عالميا, ليس فقط لأسبوعين غنائيين حيث يؤمها المغنون والمستمعون ويحتشد الجميع على موسيقى صاخبة أو مطرب ماجن وجمهور فارغ إلا من الغناء وكلمات فارغة من المحتوى والمضمون .., كان يمكن أن تصبح جرش أكثر شهرة من قرية (هايHAY) الويلزية وأكثر عائدا ماليا .

واتسائل هل سينعقد مهرجان جرش هذا العام بنفس البرنامج السنوي ويرقص الجميع لاهيا وصاخبا ضاربا الثقافة بعرض الحائط .. ومزدريا المثقفين والمفكرين والنازفين والثكالى والمحزونين .. في حين الأمة العربية تنزف ألما وحزنا وجراحها تسيل والحراكات الشعبية تتصاعد والثكالى يبكين أبنائهن وأزواجهن والجنازات تشيع كل يوم على مرمى حجر غربا وشرقا وشمالا من جرش؟؟؟ فهل نرقص هذا العام في جرش على جراح هؤلاء ونثمل طربا وننتشي فرحا على أنغام مطرب ساخر ومنسلخ عن نفسه وأمته ؟؟

ام سنقتصر مهرجان جرش هذا العام على الشعائر الثقافية والأدبية وحسب ؟؟ ونؤجل الغناء والرقص الى موعد آخر لحين الانتهاء من مجازر الدم واللحم وليس لحين تحرير القدس مثلا ؟؟

أم سنقف دقيقة صمت في بداية كل حفل راقص على أرواح الشهداء ثم يبدأ المجون واللهو وتناسي الأحزان عن قضايا الأمة ووجع الآخرين وأنات المقهورين والمنبوذين والفقراء والجائعين؟؟ أما آن لنا أن نؤجل الفرح الى مواسم الفرح وأن نلتفت لجراح الأمة ومحنتها .... ولو الى حين ؟؟