ما حدث في مصر بانتخاب محمد مرسي رئيساً هو انتصار للثورة، بغض النظر عن موقفنا السياسي من جماعة الإخوان المسلمين، وموقف الجماعة ذاتها من الثورة المصرية في أيامها الأولى؛ إذ بقيت تراقب المشهد في ميدان التحرير من بعيد، فيما شباب الثورة يقدمون أرواحهم فداء التغيير. وبقيت الجماعة على هذا الموقف حتى تحسم خياراتها التي كانت بالانضمام متأخرا للثورة. والجماعة ذاتها هي التي فتحت حوارا مع المجلس العسكري بعد تنحي مبارك، رغم أن شباب الثورة والقوى السياسية الأخرى كانوا أعلنوا موقفهم من العسكر والحوار معهم.
لكن ما حدث في مصر يعتبر تحولا كبيرا ومهما في مستقبل النظام السياسي المصري، والنظام السياسي العربي بأسره، من البيان رقم واحد من على ظهر الدبابة، إلى صندوق الاقتراع المباشر، لتحدد الجماهير من يمثلها يعد التحول الأكبر في مستقبل الديمقراطية وإرادة الشعوب في أن تقول كلمتها. وقياسا على تلك الكلمة، فرحنا واحترمنا إرادة الشعب المصري في اختيار رئيسه محمد مرسي. ومن حق الشعوب أن تقول كلمتها، وأن تقدم لسدة الحكم من يمثلها، حتى لو اختلفنا سياسيا معه، لأن جدل الديمقراطية يقتضي أن نؤمن بإرادة الأغلبية، خصوصا أن طبيعة المنافسة كانت في مواجهة النظام السابق الذي خرجت الجماهير عليه وأسقطت رأس الهرم فيه، والذي تمثل بالمرشح أحمد شفيق.
لذلك، لم ينس المصريون مدى تغول هذا النظام على الجماهير المصرية وعلى مقدرات مصر، والحالة الاقتصادية والاجتماعية البائسة التي أوصل إليها مصر. فكان الرد الطبيعي بانتخاب محمد مرسي الذي يمتلك تنظيما سياسيا يمتلك أدوات تنظيمية تاريخية، ساعدته على التوغل في مختلف فئات المجتمع المصري بشكل تنظيمي عجزت عنه القوى السياسية اليسارية والقومية والليبرالية، وبالتالي إيجاد قواعد شعبية لمثل هذه اللحظة التاريخية التي حسم فيها تنظيم الإخوان المسلمين رئاسة مصر، في حين ظلت باقي القوى السياسية متشرذمة وغير موحدة في إيقاعها التنظيمي، ما أضعف فرص هذه القوى في تحقيق نصر على أي من المعسكرين؛ ممثلين بأنصار النظام السابق وجماعة الإخوان المسلمين التي استطاعت كسب الشارع لصالحها، وتحقيق فوزها التاريخي الذي تم أيضا بإرادة الشعب المصري الذي رفض عودة رجال النظام السابق، فكان البديل محمد مرسي.
وقادم الأيام سوف يرسم شكل النظام السياسي المصري الذي لم يألف هذا النوع من الحكم المرتبط بحركة دينية. ولعل الملامح العامة في خطاب الرئيس المصري المنتخب قد حددت سلفا شكل تعامل الجماعة مع الخارج من خلال التطمينات التي قدمها الرئيس للعالم. لكن يبقى سؤال الداخل وهمه الذي حرك الجماهير الشعبية للثورة هو السؤال الأكثر حيرة على صعيد الإجابة عنه في ظل الواقع الاقتصادي المنهك، وغياب الحدود الدنيا من العدالة الاجتماعية نتيجة سياسات النظام السابق. لكن رغم هذا كله فرحنا بمرسي بصفته رئيسا منتخبا، وللمرة الأولى، في العالم العربي.
jihad.almheisen@alghad.jo
الغد