التعديلات المتواضعة المدخلة على قانون الانتخاب العام، ليست مفاجأة إلا للواهمين. ذلك أنها، ببساطة، خلاصة لموازين القوى في السياسة الأردنية. وهذه لا تسمح بأكثر من ثلاثة تغييرات: دائرة وطنية محدودة المقاعد، وهيئة مستقلة للانتخابات، وامكانية النزاهة.
ما تداولته التيارات والشخصيات واللجان، طوال ما يقرب السنتين، حول قانون الانتخاب المأمول، هو مجرد اقتراحات وطموحات لم تتبلور في مشروع سياسي يحظى بالإجماع وبقوة الدفع الكافية لفرضه.
لقد ساجلنا منذ وقت طويل بأن إصلاح النظام الانتخابي جذريا في بلدنا، يتطلب أولا، وقبل كل اقتراح أو طموح، الإجماع على حسم ملف الكيان والهوية الوطنية والمواطنة والتحديد القانوني للهيئة الناخبة. وذلك من خلال دسترة وقوننة فك الارتباط مع الضفة الغربية واصدار قانون جديد للجنسية ينهي الفوضى والغموض الحاليين في هذا المجال.
إلا أن الموالاة والمعارضة معا، تجاهلتا هذه المقدمة التي لا غنى عنها للتغيير الديموقراطي في البلاد. والسبب في ذلك أن الموالاة لا تريد ذلك التغيير للحفاظ على امتيازاتها القائمة، أما المعارضة وعلى رأسها " الإخوان"، فتريد تغييرا "ديموقراطيا" يعطيها الامتيازات وفق أجندة غير أردنية.
لقد قلنا مرارا وتكرارا إن حسم ملف القضية الوطنية، سوف يخلق بيئة سياسية جديدة نوعيا، تسمح بتخليق الإجماع الشعبي على نظام انتخابي وطني وديموقراطي في آن معا، ويؤدي إلى الاندماج المجتمعي وتوحيد المجال السياسي في البلاد.
تبيّن الآن أن طروحتنا تلك ليست مجرد اقتراح، بل الأرضية الضرورية لأي اقتراح تقدمي في مجال الإصلاح السياسي، سواء لجهة تعميق التعديلات الدستورية أم لجهة التحوّل الديموقراطي. وهذه المعادلة لا تزال ماثلة. ومن دونها ستظل القوة السياسية الرئيسية في بلدنا، المتمثلة في جماهير المحافظات، محشورة بين خيارين سيئين، (1) خيار الفئات الحاكمة التي لا تريد لهذه الجماهير أن تستقل سياسيا وأن تكوّن نخبتها البديلة، و(2) خيار "الإخوان" المفضي إلى خلخلة المعادلة الديموغرافية السياسية للتكوين الوطني الأردني.
بين سندان الحكم ومطرقة " الإخوان"، تعددت الاقتراحات الخاصة بتعديل النظام الانتخابي، لكنها، جميعها، لم تحظ بالدعم الاجتماعي السياسي الكافي، بما يحوّلها إلى مشروع سياسي فعلي. وهكذا انتهينا إلى نظام انتخابي يكرّس العلاقات السياسية القديمة في الدوائر المحلية، بينما يسمح للتيارات والشخصيات العامة بالمنافسة على كعكة صغيرة للغاية. لكن الجديد المتوقع في انتخابات 2012 هو النزاهة. وأنا لا اتحدث، هنا، عن نوايا المسؤولين، ولكن عن موازين قوى لم تعد تسمح بالتزوير. ويبدو لي أن اختيار شخصية سياسية وازنة مثل عبدالإله الخطيب لرئاسة الهيئة المستقلة للانتخابات هو مؤشر على الاعتراف بضرورة التخلّص من إرث التزوير. وأنا أعرف، ككل المعنيين، أن الخطيب لن يستمر في منصبه لحظة واحدة إذا كان هناك قرار، على أي مستوى، بتزوير الانتخابات.
طالما أن المسألة الوطنية الأردنية لم تُحلّ، فليس للحراك الشعبي مصلحة في دعم الاعتراض الإخواني أو مقاطعة الانتخابات. بالعكس، على الوطنيين الأردنيين وقيادات الحراك، خوض المعركة الانتخابية بقوة وجرأة، واستخدامها كميدان للدعاية لمطالب الإطاحة بالفساد والخصخصة واستعادة القطاع العام وإعادة توزيع الثروة من خلال نظام ضريبي تصاعدي وشامل، كما من خلال التنمية واستنهاض التعاونيات في المحافظات.
وليست لدينا أوهام حول امكانية إحداث تغيير جذري في بنية البرلمان القادم، لكن فرص الفوز وتكوين كتلة برلمانية تمثل الحراك الشعبي ليست ضعيفة. وبالأساس، تعرف قيادات الحراك الشعبي في المحافظات، أكثر من سواها، أن قواعدها الاجتماعية لن تقاطع الانتخابات النيابية المقبلة، مما يجعل قرار المقاطعة، هنا، نخبويا ومعزولا وساذجا .
ynoon1@yahoo.com
العرب اليوم