خارطة طريق جديدة .. ولكن .. لـ (كردستان) هذه المرة!!
محمد خروب
01-11-2007 02:00 AM
يواصل رجب طيب اردوغان، بثبات ودأب، وفي اطار خطة واضحة (على نحو يدعو للاعجاب بمعناه الاجرائي وليس السياسي بالطبع)، ادارة الازمة المتجددة مع حزب العمال الكردستاني (PKK), مراكماً اكثر من نقطة لصالح حكومته، على النحو الذي نشهده الان، وبعد اسبوعين على قراره تحريك قطعات الجيش التركي باتجاه الحدود الجنوبية مع العراق، مطلقاً في الآن ذاته سلسلة من التهديدات باجتياح واجتثاث ودعوات الى تسليم مطلوبين اكراد، من بينهم ابن مسعود برزاني، تحت طائلة اصدار الاوامر للجيش بالبدء بعمليات عسكرية، ستكون مختلفة هذه المرة، عن كل الاجتياحات السابقة (خمسة عشر توغلاً)، لم تسفر كلها عن نتيجة تذكر في لجم حزب العمال الكردستاني، وليس في الحاق الهزيمة به واجتثاثه..جدية التهديدات التركية، يمكن رصدها في التصعيد الاعلامي والسياسي الذي تمارسه حكومة اردوغان، ضد حليفتها الاستراتيجية (الولايات المتحدة)، والذي وصل مداه (التصعيد) يوم اول من امس، عندما حث اردوغان، واشنطن على اتخاذ اجراءات عاجلة وملموسة، ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني.. وإذ هو لم يكتف بذلك وطالب ادارة بوش بوضع خريطة طريق لهذه الازمة، فإنه وفي وضوح يحسد عليه عربيا.. حذر واشنطن بأن مستقبل العلاقة بين البلدين، رهن بموقف الادارة الاميركية من هذه المسألة..
أين من هنا؟.
يدرك اردوغان، الذاهب الى واشنطن في الاسبوع المقبل، حيث سيلتقي بوش يوم الاثنين (5/11) ان لقاءه بكوندليزا رايس يوم غد الجمعة (على هامش مؤتمر دول جوار العراق) لن يكون حاسما، كما أنه لا يستطيع المضي قدماً في توتير العلاقات مع ادارة مأزومة على نحو يمكن ان يفضي الى قطيعة، رغم السحب الكثيفة التي تغطي اجواء العلاقات الثنائية لم تكن ازمة "PKK" إلا إحدى تجلياتها وسبقها الى ذلك حدثان مهمان، الاول رفض البرلمان التركي (بأغلبيته المكونة من حزب العدالة والتنمية) السماح بفتح جبهة شمالية ضد نظام صدام حسين عندما قررت ادارة بوش غزو العراق، والثاني الذي اثار حفيظة الاتراك اكثر من أي شيء آخر، وهو مشروع القرار الذي صوت عليه مجلس الشيوخ باعتبار ما جرى في بدايات القرن الماضي إبادة جماعية تركية ضد الارمن.
هذا لا يعني ارتباك موقف أنقرة بل ربما يمكن النظر الى الازمة الراهنة بأنه فرصة مناسبة سيندم اردوغان اذا ما اهدرها رغم ما عليه ان يبديه من حرص في التعامل مع الاوراق العديدة التي يتوفر عليها، وخصوصاً في شأن عدم السماح باعادة الوهج وتجديد الدور المهيمن الذي لعبته المؤسسة العسكرية التركية، طوال العقود السابقة، والذي قد يدفع ثمنه اردوغان شخصياً سواء من خلال تمرد حزبي داخلي أم من خلال اغتنام الجيش للفرصة (ذاتها) وعدم ارجاع دباباته الى ثكناتها والقيام بانقلاب عسكري خامس قد تجد فيه ادارة بوش (الانقلاب) حلاّ للارتباك الذي هي عليه الان، وعدم رغبتها في حسم خياراتها (كما تطالب انقرة) لان الورقة الكردية لدى واشنطن اثمن وأغلى من ان يتم التفريط بها الان.
قلنا انها ثمينة؟.
نعم، فمستقبل العراق لم يحسم بعد، وكثير من الملفات لم تغلق أيضاً والاحتمالات مفتوحة على كل شيء، رغم محدودية الخيارات، والذي يبرز من خلالها خيار الحرب الاميركية على ايران، الذي طلبت واشنطن من كل من يعنيهم الأمر ان لا يقلقوا ازاءه لأنه ليس مطروحاً الآن على اجندة بوش..
لن تضحي ادارة بوش بالورقة الكردية سواء في شقها العراقي حيث اقليم كردستان هو احد خياراتها الاستراتيجية في الابقاء على وجود عسكري دائم قد يكون ذات يوم (ليس بعيداً) بديلاً من قاعدة انجرليك التركية اذا ما تصدعت العلاقات الاميركية التركية، وايضاً في شقها التركي حيث يحتمل ان يتحول "PKK" ايضاً الى سوط اميركي مسلط على تركيا، كما هي حال مجاهدي خلق بالنسبة لايران حيث لم تقم القيادة العسكرية الاميركية بترحيلهم من العراق، بعد ان كانت اعتبرتهم منظمة ارهابية مدعومة من نظام ديكتاتوري وعندما جاء اصدقاء ايران الى الحكم بعد الحرب لم يستطيعوا التأثير في القرار الاميركي ازاء هذه المنظمة المعادية لطهران حتى الآن..
ثمة مؤشر آخر، على نجاح الضغوط التركية المصحوبة بتهديدات وتحريك دبابات ومئات الاف الجنود نحو اقليم كردستان وليس فقط جبال قنديل حيث التواجد الفعلي لحزب العمال الكردستاني، وهو جنوح حكومة اقليم كردستان الى التهدئة، عندما قال الحزبان الرئيسيان فيها ان حكومة الاقليم لم ولن تكون طرفاً في المشكلة السياسية والعسكرية في تركيا، ما يعني في قراءة اخرى انهما سيعملان على قطع الطريق امام أي استغلال لمنطقة كردستان ضد دول الجوار وهي رسالة واضحة تقول ان المظلة الكردية سترفع عن PKK ميدانياً وليس سياسياً او قومياً فقط..
سواء اعتبره مراقبون انه مجرد تكتيك، ام قرأ فيه اخرون انه تراجع، فان من الواضح الآن ان اكراد العراق يأخذون التهديدات التركية بجدية اكبر وهم في غير وارد التضحية بالمكاسب التي حققوها طوال ستة عشر عاماً وخصوصاً الاعوام الاربعة الاخيرة من اجل عيون حزب العمال الكردستاني التركي وايضاً لأن ذاكرتهم ما تزال حية حول الخذلان الاميركي، لهم في اكثر من مناسبة ومنعطف ومساومة.
فهل تقبل ادارة بوش بوضع خريطة طريق للأزمة هذه؟.
الجواب.. سيعرف بعد قمة بوش اردوغان الوشيكة.
kharroub@jpf.com.jo