أسد الاردن / قصة ملك (الحلقة الحادية عشرة) ـ «البيان العاشر» دفع الملك حسين نحو فك الارتباط بالضفة الغربية
01-11-2007 02:00 AM
الانتفاضة الفلسطينية تحولت إلى تأكيد لتأييد منظمة التحرير واتخذت بسرعة بعدا مناوئا للأردنعمون - لندن:عن «الشرق الأوسط»
اصبح الاردن، نتيجة للانتفاضة الفلسطينية والنتائج التي ترتبت عليها في إسرائيل، مضطرا لإعادة النظر في وضعه في الضفة الغربية ودوره في عملية السلام في الشرق الأوسط. فنفوذ الأردن في الأراضي المحتلة ظل في تدهور مستمر خلال العقدين اللذين سبقا اندلاع الانتفاضة، وشكل هذا التصاعد المفاجئ للحس الوطني الفلسطيني انتكاسة أخرى للأردن، بل انه رجح كفة منظمة التحرير الفلسطينية في الصراع على السلطة بينها والنظام الملكي الأردني. وكانت البيانات تؤكد بصورة واضحة أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الوحيد للفلسطينيين وأن الملك حسين لم يكن لديه تفويض للتحدث باسمهم. ومن ضمن النتائج الأخرى للأوضاع التي استجدت في ذلك الحين في الضفة الغربية زيادة التأييد في أوساط اليمين الإسرائيلي لفكرة خطيرة مؤداها تحويل الأردن إلى وطن بديل للشعب الفلسطيني. وفي حلقة اليوم من كتاب «أسد الاردن» الذي تنفرد «الشرق الأوسط» بنشر حلقات منه قبل نزوله الى الاسواق باللغة الانجليزية بالاتفاق مع دار نشر «بنغوين» ومؤلفه المؤرخ والبروفسور في جامعة اكسفورد آفي شليم، الأجواء التي سبقت وصاحبت قرار الاردن بفك الارتباط مع الضفة الغربية عام 1988 وقمة الجزائر التي وجد فيها الاردن نفسه في موقف دفاع.
أشعلت شرارة الانتفاضة الفلسطينية حادثة متعمدة فيما يبدو قتل فيها سائق شاحنة إسرائيلي في 9 ديسمبر (كانون الأول) أربعة فلسطينيين من سكان مخيم جباليا، اكبر مخيمات اللاجئين بقطاع غزة. تسببت الحادثة في اندلاع احتجاجات في مخيم جباليا وبقية قطاع غزة وانتقلت إلى الضفة الغربية. وخلال بضعة أيام فقط اجتاحت شوارع مدن الأراضي المحتلة مظاهرات احتجاج وإضرابات على مستوى غير مسبوق، كان حجم المشاركة الشعبية فيها بصورة لم يسبق لها مثيل، فقد شارك في تلك المظاهرات آلاف المدنيين، بمن في ذلك النساء والأطفال. واستخدمت القوات الإسرائيلية من جانبها كل وسائل تفريق التجمعات من هراوات وغازات مسيلة للدموع وخراطيم المياه والأعيرة المطاطية والذخيرة الحية، إلا ان الاحتجاجات اكتسبت زخما متزايدا. اندلعت الانتفاضة بصورة تلقائية تماما، ولم يكن هناك تحضير أو تخطيط لها بواسطة النخبة الفلسطينية المحلية أو منظمة التحرير الفلسطينية، التي سارعت إلى الانضمام إلى موجة الاحتجاجات الشعبية ضد الحكم الإسرائيلي والى لعب دور قيادي إلى جانب «القيادة الوطنية الموحدة» التي تشكلت حديثا في ذلك الوقت. ولكن في نفس الوقت لم تكن الانتفاضة قد اندلعت بدون أسباب أو انطلقت من فراغ. فقد كانت مخيمات اللاجئين تعاني من الفقر وبؤس الأوضاع المعيشية، بالإضافة إلى كره الاحتلال، وأكثر من ذلك، الذل الذي كان يعانيه الفلسطينيون خلال فترة العقدين السابقين للانتفاضة. أهداف الانتفاضة لم تعلن منذ البداية، لكنها ظهرت خلال سير الأحداث والتطورات، وكان في مقدمتها تقرير المصير وتأسيس دولة فلسطينية مستقلة. وفي هذا السياق يمكن النظر إلى الانتفاضة كونها حرب تحرير. كانت للانتفاضة الفلسطينية آثار واسعة ومتعددة على الأردن. فقد بدأت كتمرد ضد الحكم الإسرائيلي، لكنها تحولت إلى تأكيد لتأييد منظمة التحرير الفلسطينية واتخذت على وجه السرعة بعدا مناوئا للأردن. وعلى الرغم من ان أمن الأردن لم يتأثر بصورة مباشرة، فقد كان هناك خطر واضح من احتمال اتساع رقعتها بامتداد شرارتها من الضفة الغربية لنهر الأردن إلى ضفته الشرقية. نفوذ الأردن في الأراضي المحتلة ظل في تدهور مستمر خلال العقدين اللذين سبقا اندلاع الانتفاضة، وشكل هذا التصاعد المفاجئ للحس الوطني الفلسطيني انتكاسة أخرى للأردن، بل انه رجح كفة منظمة التحرير الفلسطينية في الصراع على السلطة بينها والنظام الملكي الأردني. فعقب حرب لبنان خسرت منظمة التحرير الفلسطينية في مواجهة الأردن، إلا أن الانتفاضة قلبت هذا الوضع. الملك حسين كان يرى من جانبه ان قيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي تم فرضها بقرار اتخذته جامعة الدول العربية على الفلسطينيين، خلافا لرغبتهم، أمر لم يعد بالإمكان استمراره. إلا ان البيانات نصت بصورة واضحة على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الوحيد للفلسطينيين وأن الملك حسين لم يكن لديه تفويض للتحدث باسمهم. ومن ضمن النتائج الأخرى للأوضاع التي استجدت في ذلك الحين في الضفة الغربية زيادة التأييد في أوساط اليمين الإسرائيلي لفكرة خطيرة مؤداها تحويل الأردن إلى وطن بديل للشعب الفلسطيني. ويمكن القول إنه نتيجة للانتفاضة والنتائج التي ترتبت عليها في إسرائيل، بات الأردن مضطرا لإعادة النظر في وضعه في الضفة الغربية ودوره في عملية السلام في الشرق الأوسط. أسفرت الانتفاضة أيضا عن إعادة واشنطن تقييم سياستها تجاه النزاع العربي ـ الإسرائيلي، واعترفت واشنطن في نهاية عام 1988 بمنظمة التحرير الفلسطينية طرفا شرعيا في محادثات السلام، وظهر في ذلك الوقت تحول ملحوظ على كل المستويات في أوساط الرأي العام الأميركي من تأييده التقليدي لإسرائيل إلى التعاطف مع الفلسطينيين. وللمرة الأولى، منذ حرب لبنان، دفع ذلك التحول قادة أميركيين يهودا لطرح تساؤلات حول الحكمة وراء سياسات إسرائيل والجانب الأخلاقي للوسائل التي تستخدمها. وعلى صعيد الدوائر الحكومية كانت هناك مخاوف من ان تترتب على ارتباط الولايات المتحدة الوثيق بإسرائيل نتائج سلبية تنعكس على المصالح الأميركية في مختلف مناطق الشرق الأوسط. يضاف إلى كل ذلك ان خطة الملك حسين وبيريس الخاصة بعقد مؤتمر دولي تعثرت بسبب معارضة حزب الليكود من جهة وبسبب سلبية الولايات المتحدة من الجهة الأخرى. وبتزايد الزخم الذي أوجدته الانتفاضة الفلسطينية تدخل جورج شولتز بصورة شخصية، وظهرت نتيجة ذلك أول مساع أميركية رئيسية لحل النزاع العربي ـ الإسرائيلي لأول مرة منذ خطة الرئيس ريغان عام 1982. وطرح شولتز علنا في 4 مارس 1988 ما بات يطلق عليه «مبادرة شولتز» التي نادت بحكم ذاتي فلسطيني على غرار اتفاقيات كامب ديفيد، لكنها تضمنت ضرورة ان يكون هناك قيد زمني. ثمة عنصر جديد في تلك المبادرة تلخص في المطالبة بالربط بين المحادثات حول الفترة الانتقالية للحكم الذاتي والمحادثات حول الوضع النهائي. وكان الغرض من ذلك إعطاء ضمانات للفلسطينيين في مواجهة المماطلة من الجانب الإسرائيلي على أمل إحراز تقدم سريع على أساس أربعة جوانب مهمة. أولا، دعوة الأمين العام للأمم المتحدة لجميع أطراف النزاع العربي ـ الإسرائيلي، بالإضافة إلى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، لعقد مؤتمر دولي، على ألا تكون لذلك المؤتمر سلطة في فرض الحلول على أطراف النزاع أو الاعتراض على اتفاق تتوصل إليه هذه الأطراف. ثانيا، بدء المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والأردني ـ الفلسطيني في أول مايو (أيار) وانتهائها في أول نوفمبر (تشرين الثاني). ثالثا، بدء الفترة الانتقالية بعد ثلاثة أشهر واستمرارها ثلاث سنوات. رابعا، بدء المفاوضات حول الوضع النهائي قبل بدء الفترة الانتقالية واستكمالها خلال فترة عام. بمعنى آخر، بدء المفاوضات حول الحل النهائي بغض النظر عن نتيجة المرحلة الأولى من المفاوضات. أيد بيريس «مبادرة شولتز» وأعلن ذلك رسميا، وكذلك فعل الرئيس حسني مبارك، وكرر الفلسطينيون مطالبتهم بأن الجهة الوحيدة المعنية بأي أمر يهم الفلسطينيين هي منظمة التحرير الفلسطينية في تونس. رفض اسحق شامير فكرة المؤتمر الدولي ورفض الربط بين الفترة الانتقالية للحكم الذاتي للفلسطينيين والمحادثات حول الوضع النهائي، وقال أيضا إنه على استعداد للتفاوض حول السلام مع الملك حسين وأي فلسطينيين يصطحبهم معه، لكنه أكد انه غير مستعد للتنازل عن أي أراض مقابل السلام. تقبل الملك حسين مبادرة شولتز بعقل منفتح ووافق على المبدأ العام، الأمر الذي زاد من أمل وزارة الخارجية الأميركية في اقتناعه بالمساهمة في الخطة. إلا ان رد فعل المسؤولين في دوائر صناعة القرار في الأردن كان فاترا، ورأوا في واقع الأمر ان المبادرة لا تعدو ان تكون تجسيدا معدلا للمبادئ التي أعلن عنها في نصوص اتفاقيات كامب ديفيد. وعلى الرغم من ان المبادرة لم تلب متطلباتهم، فإنهم لم يرفضوها تماما وإنما رحبوا بمشاركة إدارة الرئيس ريغان مرة أخرى في العملية الدبلوماسية لكنهم كانوا يعتقدون في نفس الوقت ان الأحداث قد تجاوزتها. الجانب الأميركي كان يدرك جيدا ان الأوضاع قد تغيرت جذريا بفعل الانتفاضة، لكنه فشل في إدراك أبعادها وتبعاتها، وتبعا لذلك استمرت مبادرة شولتز في الترويج للدور الأردني في المفاوضات مع استبعاد منظمة التحرير الفلسطينية. إلا ان تفكير الجانب الأردني كان قد تغير في جانبين مهمين. أولا، بدأ الأردن في التأكيد على ان أي تسوية للنزاع مع إسرائيل يجب ان تمنح الفلسطينيين حق تقرير المصير. ثانيا، أكد الأردن أيضا على الحاجة إلى مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية في مؤتمر دولي وتوضيح ان الأردن لا يمكن ان يصبح محاورا بديلا. عندما زار شولتز عمان في فبراير (شباط) 1988 ابلغه كبار المسؤولين الأردنيين انهم يشعرون بالارتياح تجاه أفكاره إلا ان القضية، كما أكدوا له، أمر يهم منظمة التحرير الفلسطينية. والتقى شولتز الملك حسين في اليوم الأول من مارس (آذار) في منزله في لندن واطلع على مبادرته بالتفصيل في حضوره وطرح قضيتين هما ضرورة ان تلعب منظمة التحرير الفلسطينية دورا رئيسيا وأن تجرى المفاوضات المباشرة في إطار مؤتمر دولي يتناول المسائل الجوهرية في النزاع. لم يصرح الملك حسين بموافقة مباشرة أو رفض مباشر للمبادرة، وبالتالي لم يشعر شولتز بأي مؤشرات مشجعة من خلال تعليقات الملك حسين حول مبادرته. وبصورة عامة، لم يدرك شولتز التغييرات على الأرض التي كانت وراء موقف الملك حسين. ولعل التحليل الأقرب إلى الواقع للوضع في ذلك الوقت هو ان عدم إلمام شولتز الكامل بالعوامل المحلية التي كانت سائدة آنذاك كان بمثابة واحد من الأسباب وراء فشل مبادرته. أعلنت «القيادة الوطنية الموحدة» للانتفاضة تأييدها منذ البداية لمنظمة التحرير الفلسطينية وهاجمت مفهوم وفكرة الوحدة بين ضفتي نهر الأردن واتهمت النظام الأردني بالتعاون مع الحكومة الإسرائيلية في استمرار الاحتلال. وكانت القيادة الموحدة تصدر من حين إلى آخر بيانات تتضمن إرشادات وتعليمات لأتباعها. ففي 11 مارس 1988 أصدرت بيانها العاشر الذي ناشدت فيه الفلسطينيين بـ«تصعيد الضغط الشعبي ضد جيش الاحتلال والمستوطنين وضد المتعاونين وأفراد النظام الأردني»، وناشد البيان أيضا ممثلي الضفة الغربية في البرلمان الأردني بـ«الاستقالة والوقوف إلى جانب الشعب».
الملك حسين وصف من جانبه ذلك البيان بأنه مؤشر على نكران الجميل وأكد ان استراتيجيته للشراكة مع منظمة التحرير الفلسطينية كبديل للشراكة مع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة قد فشلت. كما ان كل مساعيه للعمل مع الفلسطينيين من أجل التوصل إلى تسوية سلمية مع إسرائيل انتهت إلى لا شيء، وظل هناك هاجس رئيسي هو ان يصبح الأردن وطنا بديلا للفلسطينيين. كان هناك قسم من الأردنيين ظل ينتقد باستمرار محاولات الملك حسين الخاصة بالعمل مع الفلسطينيين وكانوا يرون ان الأردن سيكون أكثر أمنا بدون الضفة الغربية وبدون الفلسطينيين. وكانت أي هزيمة واجهها الملك حسين في مسألة الشراكة مع الفلسطينيين مصدر ارتياح بالنسبة لهؤلاء. عقب قراءته للبيان العاشر للقيادة الموحدة للانتفاضة بدأ الملك حسين نفسه ينظر بصورة جدية في أمر فك الارتباط بالضفة الغربية. وفي 11 مارس تحدث الملك حسين معبرا عن استيائه حول البيان العاشر مع مستشاره السياسي عدنان أبو عودة، وهو أصلا فلسطيني من نابلس. تلخص رأي أبو عودة تجاه البيان في انه لا يجب ان ينظر إليه ببساطة كونه دليلا على نكران الجميل من جانب فلسطينيي الضفة الغربية وإنما في سياق كونه مؤشرا على النضج السياسي. فلأول مرة منذ عام 1967 نهض الفلسطينيون لمقاومة الاحتلال والتأكيد على استقلالهم وكرامتهم. لم يرفض الملك حسين أو يتحدى تحليل أبو عودة، بل شجعه على الاستمرار في الحديث. ويتذكر أبو عودة ذلك الحديث مع الملك حسين قائلا: «سألت الملك حسين: هل تستطيع التوصل إلى سلام مع إسرائيل بدون استعادة الضفة الغربية بكاملها؟ أجاب الملك حسين بالنفي. ثم سألته: هل ستتوصل إلى سلام مع إسرائيل بدون استعادة القدس الشرقية؟ وأجاب الملك حسين مرة أخرى بالنفي. سألته أيضا: هل تعتقد ان الإسرائيليين سيتوصلون إلى سلام معك على إعادة الضفة الغربية بكاملها والقدس الشرقية؟ فكر الملك قليلا ثم رد بالنفي أيضا. قلت له عند ذلك يجب في هذه الحالة ان نكون صريحين واننا إذا فعلنا ذلك لن نتوصل إلى سلام مع إسرائيل. لم يعلق الملك حسين. واصلت الحديث وقلت له ان إسرائيل وأميركا والغرب يعتقدون انك الشخص الذي بإمكانه التوصل إلى سلام مع إسرائيل، واننا اتفقنا على انك لا يمكن ان تتوصل إلى سلام مع إسرائيل. هذا الوضع لن يؤدي سوى إلى المزيد من المعاناة على الفلسطينيين. قلت له أيضا ان هذا الوضع سيؤدي فقط إلى استمرار الاحتلال والمزيد من العذاب على الفلسطينيين. ظل الملك حسين صامتا لبعض الوقت، ثم قلت له: ألا تعتقد ان الوقت قد حان للنظر في فك الارتباط مع الضفة الغربية؟ أجاب قائلا: ولكن نترك الضفة الغربية لمن؟ قلت له: لن تتركها لأحد، ستتركها لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقلت له كذلك إن العالم العربي بكامله اعترف في قمة الرباط بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا وحيدا للشعب الفلسطيني، وان المنظمة ظلت تصارعنا على مدى سنوات لتأكيد هذا الدور. أكدت له أيضا اننا بفك الارتباط سنستجيب للعالم العربي وللفلسطينيين على حد سواء. الفلسطينيون في الضفة الغربية لا يتحدون المنظمة، والطرفان الوحيدان اللذان لا يعتبران المنظمة ممثلا للشعب الفلسطيني هما إسرائيل والغرب. بفكنا للارتباط لن نساعد الفلسطينيين فحسب، بل سنساعد أنفسنا أيضا. عند نهاية الحديث خرج الملك حسين من المكتب».
بعد حوالي أسبوعين جرى لقاء جمع بين الملك حسين ورئيس الوزراء زيد الرفاعي وزيد بن شاكر، القائد العام للقوات المسلحة الأردنية، ومراون قاسم، رئيس البلاط الملكي، وطارق علاء الدين، مدير الاستخبارات، وعدنان أبو عودة، المستشار السياسي للملك. التفت الملك حسين إلى عدنان أبو عودة وطلب منه ان يبلغ الحضور بما قاله له في لقائهما قبل حوالي أسبوعين بشأن فك الارتباط مع الضفة الغربية. واستعرض أبو عودة وجهة نظره والحجج التي ساقها في ذلك الشأن، وكان أول من علق زيد الرفاعي الذي أشاد بالفكرة ووافقه الآخرون أيضا. ويلاحظ ان كل هؤلاء من سكان الضفة الشرقية أصلا باستثناء أبو عودة. إلا ان غالبية الفلسطينيين الذين كانوا يشغلون مناصب رفيعة في الحكومة الأردنية ولم يشاركوا في ذلك اللقاء، بمن في ذلك طاهر المصري وزير الخارجية، عارضوا فكرة فك الارتباط. وبعد ثلاثة أشهر أعلن الأردن فك الارتباط مع الضفة الغربية. وواصلت مجموعة الخمسة المكونة من الرفاعي وزيد بن شاكر ومروان قاسم وطارق علاء الدين وعدنان أبو عودة لقاءاتها وإعداد أفكار ومقترحات وخطط فك الارتباط. وكانوا في كل مرحلة ينتظرون الضوء الأخضر من الملك حسين قبل الانتقال إلى المرحلة التالية.
تركزت المرحلة الأولى في توضيح موقف الأردن من مبادرة شولتز. وفي هذا السياق يمكن القول إن الأردن وافق على المبادرة لكنه أعلن عن قلقه إزاء أي خطوة تهدف إلى وقف الانتفاضة أو احتوائها. فالأردن لم تكن لديه رغبة في الظهور بمظهر من يريد إنقاذ إسرائيل والولايات المتحدة من الصعوبات التي كانت تواجههما في ذلك الوقت من خلال التعاون في ما يمكن ان يعتبره الفلسطينيون خطوة تهدف إلى إحباط تطلعاتهم الوطنية. وصل شولتز مجددا إلى منطقة الشرق الأوسط مطلع ابريل بغرض إعطاء دفعة لمبادرته، لكنه لم ير في القدس أي ميل من جانب اسحق شامير لمساعدته في مساعيه. وعرض شولتز على شامير حمل رسالة منه إلى الملك حسين، وحمّل شامير شولتز رسالة بالفعل للعاهل الأردني مكونة من فقرة حث شامير من خلالها الملك حسين على إجراء مفاوضات إسرائيلية ـ أردنية مباشرة. إلا ان ذلك على وجه التحديد أمر لم يكن الملك حسين على استعداد للموافقة عليه في ذلك المنعطف بالذات. تصاعد الزخم بفعل الانتفاضة الفلسطينية أدى إلى عقد قمة طارئة للجامعة العربية في الجزائر في 7 ـ 9 يونيو (حزيران)، وحث الملك حسين الدول المشاركة على عدم رفض مبادرة شولتز، إلا ان تأثيره في ذلك الوقت كان في تراجع مستمر، وكان جدول أعمال تلك القمة الطارئة قد تركز حول النظر في الانتفاضة وسبل دعمها ماليا. ووجد الأردن نفسه في موقع دفاع، مثلما حدث في قمة الرباط قبل 14 عاما.
في خطابه أمام القمة الطارئة حاول الملك حسين تبديد الشكوك في ان الأردن لا يزال يأمل في استعادة الضفة الغربية وانه لا يزال ينافس منظمة التحرير الفلسطينية، إلا ان كلماته قوبلت بتشكك. الهدف الثاني للملك حسين كان الدفاع عن دور الأردن كقناة لمساعدات العرب للأراضي المحتلة بالتعاون مع منظمة التحرير الفلسطينية. كما سلط الضوء في معرض الكلمة التي ألقاها أمام القمة على تذكير المشاركين بأن القانون الأردني لا يزال ساريا في الضفة الغربية وان جوازات السفر الأردنية وعملته لا تزال مستخدمة هناك وأن الأردن لا يزال يدفع رواتب 18000 موظف في الضفة الغربية و6000 آخرين في قطاع غزة. أشار الملك حسين أيضا في نفس السياق إلى ان بعض دول الخليج لم تف بالالتزامات المالية التي وعدت بها في قمة بغداد عام 1978، الأمر الذي ترتب عليه تراكم ديون كبيرة على الأردن، وحذر من انه في حال عدم تلقي الأردن دعما في هذا الجانب فإنه ربما يضطر لإنهاء دوره في الأراضي المحتلة. لم يكن لكلمة الملك حسين أي تأثير، بل ان قرارات قمة الجزائر الطارئة تجاهلت الأردن وأكدت على العمل العربي لحق الفلسطينيين في إقامة دولة فلسطينية مستقلة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية. شرع الأردن غداة قمة الجزائر في اتخاذ خطوات عملية باتجاه فك الارتباط بالضفة الغربية. ففي مطلع يوليو (تموز) جرى حل وزارة شؤون الأرضي المحتلة وتم تحويل أعبائها إلى إدارة الشؤون الفلسطينية المرتبطة بوزارة الخارجية الأردنية. تلك الخطوة أثارت قلق زعيم حزب العمل الإسرائيلي، شيمعون بيريس، لأن تخلي الأردن عن مسؤوليته تجاه الضفة الغربية لصالح منظمة التحرير الفلسطينية كان يعني في نظر بيريس احتمال ان تضطر إسرائيل للتعامل مع منظمة لا تعترف أصلا بوجودها. مضت قدما إجراءات الأردن الخاصة بفك الارتباط مع الضفة الغربية، وباتت خطوة لم يعد التراجع عنها ممكنا. وفي 28 يوليو (تموز) أعلنت الحكومة الأردنية إلغاء الخطة الخمسية لتنمية الضفة الغربية بدعوى السماح لمنظمة التحرير الفلسطينية بالاضطلاع بالمزيد من المسؤوليات في هذا الجانب. وبعد يومين صدر مرسوم ملكي حل بموجبه مجلس النواب، وبالتالي ألغي تمثيل الضفة الغربية في الهيئة التشريعية. وفي 31 من نفس الشهر أعلن الملك حسين رسميا في خطاب نقله التلفزيون قطع الأردن ارتباطه القانوني والإداري بالضفة الغربية. لقي قرار الأردن بفض الارتباط مع الضفة الغربية ترحيبا من سكان الضفة الشرقية، ولكن ليس من الفلسطينيين الذين يقطنون الضفة الشرقية. وشعر بعض ساسة الضفة الشرقية انهم في نهاية الأمر لم يجدوا شيئا سوى نكران الجميل تجاه جهودهم في مساعدة الفلسطينيين وان الوقت حان للتقليل من الخسائر في هذا الجانب. رحب هؤلاء أيضا بفرصة جعل الضفة الشرقية أولوية في قائمة اهتماماتهم والتخلي عن أي مسؤولية تجاه الضفة الغربية وسكانها. الملك حسين نفسه شعر بأن الأردن يخوض معركة خاسرة في الدفاع عن مواقع ومواقف كانت قد آلت مسبقا لمنظمة التحرير الفلسطينية، وشعر أيضا بأن الوقت حان للتأكيد على ان الضفة الشرقية ليست فلسطين، وان الأمر متروك للفلسطينيين ليقرروا ما يريدون بشأن الضفة الغربية والتعامل مع إسرائيل بصورة مباشرة بشأن مستقبل الضفة الغربية. يقول الشعار الهاشمي القديم ان «الأردن هو فلسطين، وفلسطين هي الأردن»، إلا ان ذلك الشعار حل محله فيما يبدو شعار جديد: «الأردن هو الأردن، وفلسطين هي فلسطين».
* غدا: روايتان، ملكية وجمهورية، لملابسات غزو العراق للكويت