صلاح الدين الأيوبي .. الروح التي لا تغيب
ماهر ابو طير
31-10-2007 02:00 AM
لم يحج صلاح الدين الايوبي ، ودع ذات مرة احدى قوافل الحجاج ، قبل وفاته بأسابيع ، والدموع تغرق عينيه ، فلم تكن كلفة الحج ، بحوزته ، ومثل صلاح الدين الايوبي ، العفيف ، الشريف ، لم يقبل ان يأخذ مال المسلمين ، ليحج به ، ولم يجد سوى دموعه ليودع قافلة حجاج المسلمين ، وهي تغادر نحو مكة المكرمة.
كل موسم حج اتذكر هذه القصة ، المحزنة والمؤثرة ، على حد سواء ، واسأل نفسي ، لماذا لا يتم برّه من ملايين المسلمين الذين يحجون كل عام ، ولماذا لا يتذكر هؤلاء ، كثيرا من الرموز التي رحلت ، والتي قدمت الكثير لامة المسلمين ، فكيف والحال بقائد من طراز صلاح الدين الايوبي الذي رحل ، وفي قلبه حرقة ، ربما ، سرها ، انه كان يتمنى ان يحج ، فلم يجد الوقت ولا المال ، لنفقته ونفقة من معه.
اسابيع قليلة تفصلنا عن موسم الحج ، وقد يكون بعض من حج قادرا على ان يحج عنه ، فهذا شرف عظيم ، لا يناله احد ، فبدلا من ان يحج البعض عن اناس لا يعرفونهم ، مقابل مئات الدنانير ، وهو حج تأجير للروح والعقل والجسد ، وبدلا من جعل موسم الحج موسما لشراء البطانيات والحرامات والتمر ، وبدلا من جعل موسم الحج موسما للمتاجرة بالخراف والذبائح ، فان الاصل ان يكون للحج مذاقه الخاص ، ونعمته الكبرى على المرء ، فلا يقال عندها للحاج العائد.. وما حججت ولكن حجت العير.. أي الجمال ، وهي جملة شهيرة تقال لمن ذهب للحج وعاد دون توبة او محملا بذنوب اضافية.
مثل صلاح الدين الايوبي ، كثير من القادة والعلماء والرموز ، ومثل صلاح الدين الايوبي ، ايضا قلة لم تحج ، ومن الناحية الشرعية ، يجوز الحج عنه لاي مسلم ، وما أسعده من يحج عنه ، دون ان يقول ذلك لاحد ، ممن حوله ، حتى لا يكون فعله رياء ونفاقا ، وكثير من الناس ، يحجون مثنى وثلاث ورباع ، اذا تساعدهم ظروفهم ، ورحمة الله تسبق بدعوتهم لاداء مناسك الحج ، وقد يكون منهم من يتذكر دموع صلاح الدين الايوبي التي ذرفها ذات يوم على حجاج المسلمين حين لم يرافقهم ، فيحج عنه ، ويلتزم في حجه بآداب الحج ، فلا يضيع وقته في التفاصيل ، ويتذكر عمن يحج.
رحل صلاح الدين الايوبي الذي حرر القدس ، وما زالت القدس حتى يومنا هذا تبكيه ، حجارة اسوارها العتيقة وغرفها ، تسأل عنه ، جنده الذين مروا هناك مازالت خيلهم تصهل في البلدة القديمة في القدس ، وعند منبره تتجلى روحه الطاهرة لتذرف الدموع ايضا على ضياع القدس ، وعلى هذه الاجيال التي يريدون تدميرها ، فتصبح المطربات بصورهن واسمائهن ، اكثر حفرا في الذاكرة من قادة المسلمين الذين حققوا مكانة لهذه الامة.
الى روح صلاح الدين الايوبي ، في دمشق ، نقرأ الفاتحة ، ونحن نرى ماذا حل بالقدس ، وكيف يتم هدمها ، حجرا تلو حجر ، على يد شذاذ الافاق ، والمحتالين والسراق ، الذين سرقوا القدس من العرب والمسلمين ، ويستعدون اليوم لهدم المسجد الاقصى ، واقامة هيكل سليمان ، على انقاضه ، فيما العرب مشغولون فقط بجواريهم وارقام حساباتهم ، نقرأ الفاتحة لروح صلاح الدين الايوبي ، ونعتذر له ، اننا لم نصن حقه فينا ، ولم نعطًه حقه ، ولم نجعل من سيرته سوى سطر في كتاب مدرسي ، لصالح عاصفة "الاحلال" أي احلال رموز جاذبة محل الرموز الاهم ، واحلال رموز خالعة وفاسدة بلا مبدأ ولا هدف ، محل الرموز التي تصنع مجدا لهذه الامة ، فلا نرى لصلاح الدين الايوبي كتابا ولا مسلسلا ولا فيلما ولا مكانا باسمه ، فالمهزومون لا يريدون تذكره ، حتى لا يتذكرون حالهم.