لم يعد سامر عبدالسلام سائق صهريج المياه التابع لأمانة عمان الى منزله واطفاله الستة محملاً بأشياءه الصغيرة كعادته,مساء السبت . فقد ذهب دون عودة , ضحيةَ استهتارٍ سارع معنيون بتسميته قضاءاً وقدراً, ثم سارع آخرون في الأمانة للتأكيد على (زعلهم) وأن السيد الأمين أمرَ بتحمل تكاليف الدفن والعزاء .."بس خلاص..".
السائق الضحية سامر كان قد بدأ نهاره بالمُزاح مع زملائه في موقع الغباوي وهم الذين كانوا على مقربة منه حين سقط خزان المياه الضخم المحمول على أعمدة اسمنيتة عليه وسيارته..ووصفوا بحسرة كيف انتهى به الأمر بين الأنقاض قبل وصول مسؤول من الأمانة ليستكشف و"يزعل" ويحادث الأمين الذي أمر بالمبادرة (الكريمة)..
عدت لأسئلتي(الغريبة) التي كنت قد توقفت عن طرحها هكذا كيفما اتفق منذ وقت, فقد أتت حماسة مسؤولي الأمانة وهم يعلنون مكرمة رئيسهم على احتمالي ولم اقوى على تخيل قيمة البني آدم في مجتمعنا اليوم, أي انسان..؟! لم نصل بعد لطرح هذا السؤال الصعب ,كم اضحت قيمتنا في سوق الناس العاديين الذن ما زالوا يمتلكون كراماتهم وسعيهم الصباحي الطيب لالتقاط لقمة عيشهم ومحاولاتهم الدؤوبة , رغم ملايين الظروف المعاكسة,لاسعاد اولئك الذين ينتظرون اشياءهم الصغيرة, تماماً مثل الأبناء الستة الذين فُجعوا بوفاة والدهم تحت خزان مياه عملاق قبل أن يُكرَم بمصاريف عزاءه ودفنه.
بعيداُ عن أي شكل من أشكال التحقيق إن خطر في بال رؤسائه ذلك, ذهب سامر عبدالسلام ضحية أهمال مؤكد, فقد ألمحت اطراف معنية في الموقع الى ان القواعد الأسمنتية التي انهارت بحمولتها كانت آيلة للسقوط حتى بعد تأكيد مسؤول في الأمانة انها شهدت تدعيماً (جيداً) منذ فترة, ما يجعلها آمنة وغير قابلة للأنهيار وبالفعل, هذا ما حصل تماماً..!!
قيمة البشر, تكاليف الدفن والعزاء, أما الآخرين من نوع آخر من الناس فلهم ما لهم من علاج الخارج وتعويض الإستهلاك بأفضل أسعار السوق والتسهيلات والدفن والعزاء والصيوانات الفارهة ومآدب الخمس نجوم مع خدمة أيقاف السيارة مجاناً للمكتظين من المعزين.
تخيلت ماذا لو حصل هذا الأمر في بلد آخر؟!, وتذكرت ماذا فعلت حكومة ولاية فلوريدا(بعيداً عنا) عندما سقطت لوحة اعلانية ضخمة على سيارة مواطن محلي وماذا حدث في الولاية بعد وكم كانت فيمة التعويضات المقدمة لأهله , وكيف أعلنت لجنة التحقيق نتائج عملها, وكم من مسؤولي المدينة أطيح بهم, تكريماً لحياة ذلك المواطن واحترماً لقيمته ولأهمية السلامة العامة ومكافحة للإهمال والتقصير..؟!
الإهمال والتقصير..!! لم أسمع الكلمتين معاً منذ زمن تماماً مثل التوأم (نزيهة وشفافة)..!!
أتعرفون ماذا فعلت الحكومة الكندية بعد أن أكتشفت أن مسؤوليها أرتكبوا خطأً بوضع مواطن كندي (عربي) على قائمة أتهام ما..؟
دفعت عشرة ملايين دولار بعد تسوية قضاية, ثم أعتذر رئيس الوزراء الكندي للمواطن عن خطأ حكومته ونشر تعميم دولي بحٌسن صحيفة المواطن الجنائية ثم إعتذر البرلمان الكندي رسمياً في جلسة علنية واستقال رئيس الشرطة الفدرالية الكندية بعد أعترافه بالخطأ..(بس خلاص!!)
كما لم نعرف يوماً ثقافة الإعتراف بالخطأ, وثقافة الإعتذار أو التكريم, أكتشفت أيضاً أننا لانعرف أبداً ثقافة التعويض, والا لما كنا وصلنا لهذا الإسفاف والتهاون في قيمة الإنسان في مجتمعنا.
أتذكرون كيف كانت الحكومة تعوض المواطن (الفقير) بدل دفع الدعم عن مواد تموينية, كان يقضي الساعات في البنوك فيما جواز سفره يتطاير بين آلاف الجوازات المُكدسة قبل الحصول على قروش التعويض.
أسأل, ماذا عن تعويض المزارعين عن موجات الحر صيفاً والصقيع شتاءً والجفاف أبداً, وفشل سياسات التسويق والتصدير الزراعي لأسرائيل وتفجيرها للألغام على الحدود, وماذا عن تعويض الموظفين المبدعين الذي تحاك عليهم مؤامرات مؤسساتهم ويدفعون مستقبلهم ثمناً لذلك .. وعند جلاء الحقيقة لا يجدون ما يعوض عن أعمارهم, وماذا عن القرارات الحكومية الخاطئة التي تعود الحكومة عنها لكنها تأخذ في طريقها من يدفع الثمن, وماذا عن الأحكام التي يكتشف خطأها أو معاملة الشرطة للمتهمين الأبرياء أو الاخطاء الطبية,من يعوض أولئك البشر..؟!
من يعوضنا عن الأزمات النفسية التي أُصبنا بها جراء مشاهد مجلس النواب والتخبط الحكومي وتراجع الفن والأبداع, من يعوضنا عن شاشتنا الوطنية ومن يعوضنا عن أخطاء التعليم العالي وتخبط قراراته ومشاكل التوجيهي الأزلية..
لكم وللمرحوم السائق سامر ولكل الذين تضرروا جراء خطأ حكومي.. الرحمة.
أما مصاريف العزاء فلها من يتكفل بها (بس خلاص )!!