فـي الطريق الى انابوليس .. من يتذكر مؤتمر مدريد؟
محمد خروب
31-10-2007 02:00 AM
قبل ستة عشر عاما وفي مثل هذا اليوم من عام 1991، كانت انظار العالم اجمع شاخصة الى العاصمة الاسبانية مدريد.. عندما سيق العرب الى هناك، ولم يكن اختيار مدريد من قبل ادارة بوش الأب ودهاقنة السياسة والتاريخ وعلم الاجتماع في اوروبا وامثالهم في الحركة الصهيونية والمجمعات الكنسية وتلك المتصهينة، عفوياً.. بل هو استدعاء للتاريخ وتذكير للعرب والمسلمين اصحاب الذاكرة المثقوبة والانتقائية والذرائعية دائماً، بما تعنيه لهم مدريد (وقتذاك)، وما كانت عليه الاندلس قبل خمسة قرون، عندما تم طردهم وشطب كل تاريخهم، الذي بدأ ناصعاً وجميلاً ومحمولاً على مشروع حضاري يأخذ باسباب العلم والعمران والتسامح واحترام الاديان، وانتهى الى حال بائسة لم تكن مرحلة ملوك الطوائف سوى خاتمة النهاية لاحفاد، كانت الخلافات والشقاق والتآمر هي سيرتهم وسيرورتهم، فجاء من يقتلعهم من الجذور وبقيت الاندلس موجودة في مراثي العرب وبكائيات المسلمين، رغم ان بعضهم ما يزال يدعو حتى هذه اللحظة لاستعادتها من الفرنجة، تماما كما هي الدعوة لاستعادة لواء الاسكندرون والاحواز وفلسطين، ويمكن ان يكون هناك من يحلم باستعادة مالطا او اقامة الدين فيها..سيق العرب كما قلنا، الى مدريد في مثل هذا اليوم من عام 1991، بعد ان انقلب المشهد الاقليمي والدولي تماماً، اثر انهيار تحالفات ومعادلات، استقرت حينا من الدهر، ثم جاء احتلال الكويت من قبل العراق في 2 آب 1990، بعد عامين من انتهاء الحرب العراقية الايرانية في آب 1988، ليضع العالم امام معادلة اخرى جديدة ولكن مرعبة، وخطيرة لم تكن ادارة بوش الاب، المنتشية بانهيار جدار برلين وتفكك حلف وارسو وفصم عرى الكتلة الاشتراكية واقتراب موعد انهيار الاتحاد السوفياتي، الراعي الثاني للمؤتمر (بعد شهرين من انعقاد المؤتمر)، مستعدة لاضاعة مثل هذه الفرصة التاريخية، التي وفرتها مغامرة النظام العراقي البائسة..
وضع تحرير الكويت في 26 شباط 1991 نهاية لما يسمى النظام العربي، الذي كان قائماً في الاساس على التكاذب والتآمر والتهرب من تسمية الاشياء باسمائها.. والخاضع لابتزاز الانظمة التوتاليتارية التي ترطن بالشعارات القومية، وتلك التي تعتمد على خزائن عائداتها النفطية، وثالثة مارست القفز بين هذين النموذجين، املاً في الحصول على الرضى..
عقد مؤتمر مدريد على وقع العبارة التاريخية التي قالها الرئيس الاميركي جورج بوش الاب، بعد حرب الخليج الثانية الآن يمكنني القول ان اميركا دفنت عار فيتنام في الصحراء العربية..
لم يحاول احد من العرب رفض الدعوة (اقرأ امر العمليات الذي اصدره جيمس بيكر) وتحلقوا جميعاً حول الطاولة المستطيلة بكل ما يرمز اليه هذا الحضور العربي الضخم (عدديا بالطبع) والاوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا (باعتبارهما راعيين له).
وبدأت مرحلة تيه عربي جديدة، لم تنته بعد ولا يبدو ان انتهاءها يلوح في الافق بل ان فيروس مدريد ما يزال يفتك بما تبقى من عوامل صمود او ممانعة هذه الأمة ولم يكن اتفاق اوسلو سوى بعض التعبير عن هذا التيه الذي اختار الفلسطينيون فيه ان يعبروا نفقه ثمناً لاختيارهم الوقوف الى جانب الطرف الخاسر (اقرأ الجانب الخطأ كما قال بيكر).. والمسيرة الفلسطينية المتعثرة ما تزال مستمرة على رغم كل الشعارات والخطابات والتصريحات والوعود التي بذلت وخصوصا تلك التي بشرت بقرب قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
حيث كان اسحق رابين حسم المسائل في جملة مثقلة بالدلالات والمعاني التي حاول الفلسطينيون قبل غيرهم من العرب تجاهلها او عدم فهم ما انطوت عليه من رسائل اسرائيلية ايديولوجية وسياسية وخصوصا لغة القوة.. لا قداسة للمواعيد عند اسرائيل سوى الأمن.
في الطريق إلى انابوليس..
كل من في اسرائيل يردد عبارة رابين هذه بلا تردد او تلعثم، واول من يقدم الامن (بالمفهوم الاسرائيلي)، على أي سلام مع الفلسطينيين او غيرهم، هو ايهود باراك الابن المدلل لاسحق رابين حيث الاخير هو الذي رعاه سياسيا، عندما خلع بزته العسكرية بعد ان حصد الامجاد والاوسمة، ومكّنه من الوصول الى مواقع متقدمة في قيادة حزب العمل كان يحتاج الى سنوات طوال كي يصل اليها بل انه بعد سنتين من اغتيال رابين في مثل هذه الايام (4/11/1995) اصبح رئيسا لحزب العمل ثم رئيسا للوزراء قبل ان يهزمه ارئيل شارون في 6 شباط 2001 ويجبره على اعتزال العمل السياسي والحزبي، قبل ان يعود مجددا في ايار الماضي الى زعامة الحزب وتسلم وزارة الدفاع خلفا لعمير بيرتس الذي دفع ثمن جهله السياسي والعسكري في حرب تموز 2006 الفاشلة على لبنان.
في الطريق الى انابوليس..
مياه كثيرة بل دماء غزيرة تدفقت تحت جسور السياسة والجغرافيا العربية والفلسطينية، والذهاب العربي الى هناك رغم احتفالية اللقاء المتواضع هذا، والاستهتار الاميركي الاسرائيلي بحجم التوقعات المبالغ فيها من قبل الفلسطينيين والعرب عليه، انما هو تعبير عن مدى العجز العربي وانعدام القدرة على تحديد الاولويات او الاتفاق على الحد الادنى من التنسيق او التشاور.
من مدريد الى انابوليس يتواصل التيه العربي وخصوصا الفلسطيني والامر الباعث على الاسى والغضب هو ان بعض الفلسطينيين ما يزال يواصل القول اننا اقرب من أي وقت مضى الى نيل حقوقنا.
تذكروا مدريد ولا تنسوا مصير أوسلو.. رجاء.
kharroub@jpf.com.jo