الحمد لله أن جاءت الرسالة الملكية لتوقظ النيام من سباتهم , هؤلاء جميعا" في المؤسسات الرسمية و شبه الرسمية والتطوعية و الخاصة , وفي المجالس العليا أو المتوسطة و التي تعتمد على بقاءها واستمرارها على بريق العلاقات العامة وحتى في طاقم كوادرها .
لقد أحدثت هذه الغضبة القرشية فينا أثرا" بالغا" وكانت انحيازا" للحق والعدل , وسلطت الضوء على واقع سلبي كنا نود أن لا نراه أو نسمع عنه في وطن نفخر به .
وكأن ما حصل في مركز الكرامة في نهاية الثمانيات و مؤسسة الحسين الاجتماعية في أوائل التسعينيات و فزعة المغفور له جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال طيب الله ثراه لإنقاذهم و تأمين الرعاية لهم بأحسن صورها , وما تبعه من تشكيل اللجان الملكية للإصلاح , كل ذلك طواه النسيان وغطى عليه بريق الكرسي , فتعكرت صفاء النفوس بالكسب المادي والوصولية , و طمست القدرة على تحريك الضمير الإنساني وأصبحت الشلليه و مجموعات السيطرة والنفوذ تدفع إلى قيادة هذا القطاع الإنساني لمن هم ليسو منه أو ممن ليس لديهم القدرة على فهمه و تطويره , فتوالت السنين على واقع أصبح من التاريخ وافرز الحاضر الذي نراه بكل ما فيه , كل ذلك كان بسبب الخلل بالنهج الإداري الذي يمكن قراءة بعضه في المراحل التاريخية التالية :
أولا" :
انه في معظم الأحيان كانت تعطى المسؤولية العليا بهذا القطاع الحيوي لمن ليس لهم علاقة به و تسند إليهم تلك المسؤولية على سبيل الترضية و إلا لماذا لم يحاول احدهم مثلا" الوقوف على هذا الواقع المرير طيلة تلك السنين الطويلة الماضية , باستقصاء تام و بوضع الخطط التنفيذية المطلوبة لتطويره و معالجة الخلل به و متابعة كل ذلك للتحقق من الفاعلية والالتزام المنهجي التام بذلك قبل أن تسلط الضوء عليه مشكورة الإذاعة البريطانية , هذا بالإضافة إلى أن بعض ذوي الشأن يتربعون على رأس المسؤولية منذ سنين أو يعادون إليه لكونهم من الندرة و لا يمكن أن يتم استبدالهم وكأن للإنسان طاقة لا تنضب و تتجدد تلقائيا" .
ثانيا" :
يأتي بعد ذلك شريك القطاع العام في رعاية شؤون المعوقين بما سمي بالمجلس الأعلى و لا ادري والله لماذا سمي بالأعلى , هل هنالك مجالس أخرى دونه بالمسؤولية أو بالتسلسل الإداري , أم انه يتميز بكون خدماته ذات مرجعيه متميزة وان برامجه وخططه هي البلسم الشافي , و إن كان كذلك فلماذا لما كانت النتائج والتوصيات الصادرة عن اللجنة المكلفة بالتحقيق تضع المسؤولية المشتركة على المجلس و القطاع العام بما تم اكتشافه من سوء الحال و حتى قلة السؤال والمتابعة عن أحوال هؤلاء المساكين , وحيث أن الإذاعة البريطانية لا تزال تقدم برنامجا" منظما" في معظم الليالي السابقة عن ذلك الواقع المؤلم لتدق ناقوس الخطر في أذن كل مسؤول مهما يكن مستوى السمع لديها , وأرجو بهذه المسألة بالذات أن تكون قد تضمنت توصيات لجنة التحقيق مساءلة كل مقصر أو من له علاقة إدارية عليا أو متوسطه بتلك المراكز من الطرفين الذين أدانهما تقرير اللجنة لأننا لم نسمع لغاية ألان عن احد استقال أو أقيل
ثالثا" :
أن العمل على تفعيل صناعة القرار السليم والبعد كل البعد عن التخبط الإداري هو حق أساسي من حقوق الوطن والمواطن , فترى التخبط باستحداث وإلغاء الوزارات والمديريات والهيئات , ففي عام 1976 تم تشكيل حكومة جديدة ولم يكن من بين وزرائها وزارة للشؤون الاجتماعية, مما دفع المعنيون للخروج من تلك المشكلة بتحويل هذه الوزارة لدائرة ترتبط بوزير العمل و تتخذ من قانون وزارة الشؤون الاجتماعية قانونا" لها , و في عدة مراحل تاريخيه أخرى لم تسند حقيبة وزارة التنمية الاجتماعية لوزير مستقل مما أدى بالتالي إلى إسنادها مرة لوزير الصحة و مرة أخرى لوزير العمل .
رابعا" :
في عام 1979 تم تأسيس دائرة للمرأة و من ثم تم إلغاؤها لأنه لا لزوم لوجود تلك الدائرة كون المرأة تمارس نشاطاتها بكل مناحي حياة المجتمع و مؤسساته و أصبحت شريكا" أساسيا" وفاعلا" بإنجازات تستحق الاحترام والتقدير , ونرى بعد ذلك بعقود من الزمن انه يتم استحداث تلك الدائرة مرة أخرى و ربطها بوزارة التمنية بمسمى وزارة التنمية و شؤون المرأة , وبعد عام و نصف يتم فصلها باستحداث منصب وزير دوله لشؤون المرأة , وعليه وبناء" على سرد تلك الوقائع التاريخية و على عجالة والتي تبين أن الأساس المهم لأسباب التردي هو الخلل في النهج الإداري الذي يؤدي إلى عدم وجود خطط و برامج محدده ومنضبطة و الذي يجعل بالمحصلة مسألة إحداث نقله نوعيه إلى الأفضل بواقع الخدمات متعثرا", و بدلا" من يتم اخذ المبادرة كي تكون الخدمات المقدمة بصوره لائقة محددة الأهداف و يجرى تطويرها ضمن مراحل متناسقة يتم في بعض الأحيان نفخ الإطار الهيكلي القائم ليستوعب مزيدا" من الموظفين والمسميات الوظيفية , كأن يتم تعيين لقسم أو لدائرة أمين عام من دون أن الانتباه لقيمة ذلك القسم أو تلك الدائرة وبالتالي ليس لهذا الاسم من فائدة على المجتمع سوى أنها تشكل مزيدا" من العبء المالي .
وفي الختام , أرجو أن تكون الرسالة الملكية و ما تضمنته من مبادئ و رؤى هاديا" أساسيا كي نتعلم الدرس و لا نضيع فائدته , وليتم النهوض من هذه الكبوة وإزالة المعالم التي تشوه المسيرة , اخذين بعين الاعتبار أن واقع قطاع العمل الاجتماعي هو الذي يعكس صورة أي تنمية شامله , وهذا الواقع يجب أن يشمل كافة الفئات تحت مظلة القطاع العام والتطوعي والخاص بالإضافة لفئات الاحتياجات الخاصة .
المحـــــــــــامي خلــــيل الفــــــــــاعـوري
مدير عام صندوق المعونة الوطنية الأسبق