سنوات عجاف تمر بنا وبمجلس النواب القائم وربما القادم، في ضوء المعطيات التي ترشح عن قانون الانتخاب الجديد. فالمجلس يمسك بزمام الأمور المتعلقة بمستقبلنا الإصلاحي، وقد قرر سلفاً تعطيل الإصلاح ومحاربة الفساد. ولم يكن هذا التعطيل وحده من تركات هذا المجلس، رغم ثقله على نفوسنا وعلى مسيرتنا الديمقراطية، والعودة بنا إلى الوراء وتأجيج الشارع؛ بل أصبح المجلس ينهش كل من يحاول أن يكون إصلاحيا، أو يسعى إلى مكافحة الفساد.
نحن الصحفيين كنا من أول ضحايا المجلس، إذ شن أعضاء فيه حملة شعواء علينا لا لشيء إلا أننا ننشد الحقيقة، ونسعى إلى مستقبل أفضل لبلدنا الأردن، ونحاول أن نؤصل لسلطة رقابية تكون رديفة للسلطة التشريعية. ولكن، سبق السيف العذل، ولقينا من بعض أعضاء المجلس ما لقيناه من تعسف في استخدام الحق المعطى لهم دستوريا، وذلك عندما ضربوا كل فرص الإصلاح ومحاربة الفساد، واستعادة شركاتنا الوطنية، وعلى رأسها شركة الفوسفات بعد اتفاقية الإذعان التي ضيعت الشركة.
ما يحدث يسير وفق منهج ليس وليد الفراغ أو الصدفة، بل هو مخطط له بعناية شديدة، يتداخل فيه الشخصي الآني مع المستقبلي حول الوعودات والتطمينات التي تصل بعض الأعضاء بأنهم سيعودون مرة ثانية إلى المجلس في حال تمرير هذا الموضوع أو ذاك، أو تعطيله ولفلفته.
انشغل المجلس في قضايا جانبية، وتناسى عن قصد الخوض في القضايا المصيرية. ولم يكتف بهذا القدر من التنصل من مسؤولياته التاريخية، بل بدأ البعض يأكل زملاءه تحت القبة، من الذين يحملون وجهة نظر مغايرة لوجهة نظر البقية. وشهدنا ديمقراطية جديدة وفريدة من نوعها، يسجل لمجلس النواب فيها الإبداع المنقطع النظير، في سلوك جديد يستحق أن يحمل مصطلح "ديمقراطية الأحذية"!
وكنا نحسب أن ما حدث هو تصرف فردي من نائب غير مسؤول، لنكتشف على الشاشات أن ما حدث مخطط له من قبل طيف رئيسي في مجلس النواب، وأن الاعتداء الذي تعرض له الصديق والزميل النائب جميل النمري يؤكد أنه كانت هناك نية مبيتة للاعتداء. وستبقى هذه النية المبيتة موجودة وموجهة إلى كل فرد أو تيار ديمقراطي يحاول أن يسعى إلى الخلاص من حالة البؤس التي وضعنا فيها مجلس النواب الذي يناقش قانون الانتخابات المقبلة، والذي لن يخرج منه ما يلبي الحد الأدنى من الطموح، فهو مجلس نتاج مرحلة الجميع يعرف مخرجاتها، ولذلك ستكون المخرجات القادمة بنفس العقلية والطريقة.
قبل فترة وجيزة، كان رئيس مجلس النواب يتندر مع رئيس الحكومة، من خلال الرسائل المتبادلة بينهما تحت قبة المجلس، والتي لا تقيم وزناً لأي وجهة نظر أخرى تختلف معهما؛ فكان كل من الدكتور خالد الكلالدة وموسى المعايطة وجميل النمري، ممن يحملون أفكارا يسارية وديمقراطية ويحظون برصيد شعبي واحترام لوجهات نظرهم من قبل طيف واسع من شرائح المجتمع على اختلاف مشاربها، مادة للتندر رغم كل رصيدهم السياسي والشعبي، فهل نتوقع أن يخرج من المجلس شيء سوى البؤس؟!
jihad.almheisen@alghad.jo
الغد