ما أقره مجلس النواب يوم الاثنين الماضي فيما يخص النظام الانتخابي في مشروع قانون الانتخاب هو "وصفة تأزيم" جديدة. فهي، كيفما قلبتها، إعادة إنتاج للصوت الواحد، تعيد البلاد والعباد إلى المربع الأول، بعد أن اعتقدنا أننا في طريقنا إلى الخروج منه نحو "مطارح" أوسع وأرحب، تدخلنا في عملية إصلاح حقيقية، وتؤسس لمرحلة ديمقراطية مشرقة، أساسها دولة مدنية، عمادها سيادة القانون والمواطنة.
بكل المقاييس، ومهما جمّلنا ما تفتق عنه الذهن الجمعي للنواب، فالخلاصة هي أن ما تم إنجازه عودة إلى الصوت الواحد. ولا يجوز إيهام المواطن والناخب بأن قوة الصوت الثاني، الذي "تكرم" النواب بمنحه للقائمة الوطنية (17 نائبا)، ستكون بقوة الصوت الواحد الذي سيفرز 123 نائبا، هم مجموع 108 نواب في 45 دائرة انتخابية و15 نائبا للكوتا النسائية.
قد يحاجج البعض بالقول إن المجلس الحالي مهد الطريق لقوانين إصلاح حقيقية، مستذكرين إنجاز قوانين الاجتماعات العامة، والمحكمة الدستورية، والهيئة المستقلة، والأحزاب، ونقابة المعلمين، وكذا التعديلات الدستورية. بيد أن هؤلاء يتناسون أن تاج الإصلاح هو قانون الانتخاب الذي فشل مجلس النواب في التعامل معه، وفشل في تكريس كل ما قيل عن مفاهيم الإصلاح ضمن مواده. فلا يجوز استذكار كل تلك القوانين المنجزة ونحن نقر قانون انتخاب يعيدنا أميالا إلى الوراء، ويعجز عن فتح آفاق إصلاح حقيقي، ينتج برلمانا حزبيا قادرا مستقبلا على تشكيل الحكومات ومقارعة السلطة التنفيذية.
ليس من الحكمة بناء التشريع على أساس إقصاء هذا الطرف أو ذاك، ولا بناؤه على مصالح مناطقية أو جغرافية، أو ما بات يعرف تحت قبة البرلمان بـ"الحقوق المكتسبة". ولا أفهم مصطلح "الحقوق المكتسبة"، وترديد النواب له بشكل لافت أثناء مناقشتهم لمشروع قانون الانتخاب، فتثبيت ما هو قائم، رغم تشوهه، لا يعفينا من إصلاحه.
كنا نشتكي دوما الصوت الواحد، باعتباره قسم المحافظات إلى أجزاء، والألوية إلى حارات، والحارة إلى أزقة.. وكل تلك التفرعات نتج عنها مقاعد إضافية، فبتنا كأننا نشرع لقانون بلديات، وليس لقانون انتخاب.
لماذا لا نكبر بحجم الوطن؟ أو على أقل تقدير بحجم المحافظة؟ لماذا نصر دوما على تقسيم محافظاتنا وألويتنا ووطننا إلى دوائر وتجمعات، وتقزيم قوة النائب بحيث يصبح نائب لواء أو حارة أو قرية؟ لماذا لا نمنح النائب قوة حضور وطنية أوسع، ونمنحه حق أن يكون نائب محافظة كشريحة أوسع على أقل تقدير؟
وجود 17 مقعدا لقائمة وطنية لا يفي بغرض توسيع التمثيل، ولا يوسع من قوة حضور النائب تشريعيا ورقابيا، ولا يضللنا لأن نهلل بأننا خرجنا من الصوت الواحد.
لا نريد ان نبقى ندور في الدائرة ذاتها، وأن تبقى مجالس نوابنا ساحات معارك جانبية لكل من يريد فرد عضلاته. بل لا يليق لقبتنا أن تبقى تستقبل نوابا هدفهم الأول التحشيد لمقترح حكومي دون أدنى معرفة أو اطلاع أو استشراف لما يدور حولنا وفي منطقتنا من متغيرات يجب تلمسها والتعامل معها سريعا.
الأمل لم ينقطع للآن، وعقل الدولة عليه أن يعيد مراجعة خياراته، آخذا بعين الاعتبار المتغيرات التي حصلت في المحيط، وعلى مقربة منا على وجه التحديد؛ فمن يقول إن ما يحدث في مصر لا يهمنا واهم، وعليه مراجعة خياراته.
النواب أقروا النظام الانتخابي، والكرة في مرمى الأعيان الذين عليهم قراءة المستجدات بشكل أوسع وأكثر استشرافا، وبناء وجهة نظرهم وفقا لذلك.
تلك ليست دعوة لإغراء قوة حزبية (الإخوان المسلمون) بالمشاركة في الانتخابات، وتقديم تنازلات مؤلمة لهم، ولكنها دعوة لإخراج تشريع توافقي، لا يوسع قاعدة المقاطعة المتوقعة لأي انتخابات مقبلة في حال بقاء قانون الانتخاب بالشكل الحالي، وتقديم منتج يوفر نسبة مقبولة من الإصلاح المنشود، ووقتها فالمقاطعة لن تكون مقنعة ولن تجد من يصفق لها أو يدعمها.
نريد لمواطننا الأفضل، ولتشريعاتنا الأحسن، ولإصلاحنا قوة الحضور والمشاركة الفاعلة، والمكان الأبهى. وعليه، فإن من حقنا أن نسأل أولئك الذين يريدون أن نبقى نراوح في مكاننا عند الصوت الواحد: "وين رايحين بالبلد؟".
jihad.mansi@alghad.jo
الغد