لا نملك رسالة أكثر وضوحاً ونصاعةً على خطيئة الصوت الواحد والدوائر الفرعية، أو ما يسميه "كهنة الحرس القديم" بـ"الحقوق المكتسبة"، ولا نجد وصفاً لقبح جريمة الصوت الواحد.. أفضل مما شاهدناه بالأمس من بلطجة واعتداءات تمت ممارستها ضد النائب جميل النمري؛ فمشروع قانون الانتخاب المقدّم اليوم سيعيد إنتاج هذه "الظواهر" الديمقراطية المدهشة!
قبل أن تبدأ الجلسة، كان من الواضح أنّ هنالك ترتيبا مسبقا، وأمرا مبيّتا لجميل النمري الذي يقود جبهة من النواب الذين يرفضون الصمت لتمرير مثل هذا القانون، بدءاً بالاعتداءات اللفظية وصولاً إلى الجسدية. وهو –بالمناسبة- أصبح موقفاً طبيعياً وأمراً اعتيادياً، لكن الفرق أنّ هذا "السلوك الحضاري" الذي تتم ممارسته ضد "أعداء الوطن"-الإصلاحيين، انتقل من الشارع إلى مجلس النواب، وإلى شخصيات وطنية إصلاحية معتدلة، مثل جميل النمري وعبدالله النسور ووفاء بني مصطفى وغيرهم، فهؤلاء النواب، الأقلية، يجب أن يعاقبوا على مواقفهم المستقلة!
المطلوب في المرحلة الحالية، أيها السادة، أن نكون جميعاً "كتفاً سلاح"، لتمرير هذا القانون العظيم، وألا نسمح، لا في مجلس النواب ولا في الإعلام، بصدور أصوات ومواقف تحذّر صانع القرار والمجتمع من خطورة هذا القانون على الاستقرار السياسي، وعلى مستقبل البلاد، وعلى حلمنا بزمن ديمقراطي، وكل من يقوم بمثل هذا النقد يصنّف اليوم في خانة "الخصومة للدولة"، وعدم الانتماء، أو في أحسن الأحوال بعدم الواقعية السياسية!
إذا كنا لم نعد نحتمل أصواتاً عقلانية، مثل جميل النمري وعبدالله النسور، فماذا نقول عن وزيري التنمية السياسية والداخلية السابقين، موسى المعايطة ومازن الساكت، اللذين أعلنا على فضائية "رؤيا"، أول من أمس، أنّهما يقفان ضد هذا القانون، لأنه يفتقد الحد الأدنى من التوافق؟ فإذا كان هؤلاء بما هم عليه من درجة مرنة جداً جداً.. إلخ، يرفضون القانون، فهل سيتم التعامل معهم كما حدث بالأمس مع جميل النمري؟!
إذا كان هنالك من يستطيع أن يجيب عن هذا السؤال، سأكون له من الشاكرين؛ مهما كانت الذرائع والفرضيات التي وقفت وراء "الردة الحالية" عن الإصلاح. إذا كنا قد نجحنا في تمرير تعديلات دستورية، يمكن أن تصل إلى الحدّ الأدنى المطلوب، وقانون محكمة دستورية، ونقابة للمعلمين، وقانون للاجتماعات العامة، وبحد أدنى من التعامل السلمي مع الحراك (باستثناءات معروفة مؤلمة!)، فلماذا عندما نصل إلى الخطوة الأخيرة في هذه العملية لنحضّر البلاد إلى أجواء انتخابات نيابية محترمة وفق قانون توافقي، وهنالك سيناريوهات وصيغ متعددة وممكنة، نقوم بنقض كل ما صنعناه خلال المرحلة السابقة، ونأخذ مساراً معاكساً تماماً لذلك، عبر قانون انتخاب يعيد إنتاج "صورة" مجلس نواب تثبت كل استطلاعات الرأي، وآخرها الأخير الذي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية، أنّه لا يحظى بأدنى درجات المصداقية أو الثقة الشعبية؟!
شخصياً، أنا ضد أي فزّاعات أو محددات على العملية الديمقراطية. لكن حتى ضمن الهواجس العليا لصانع القرار، كان يمكن إدارة العملية والوصول إلى سيناريوهات أفضل بكثير مما نشاهده حالياً، ومما يتم تصديره من رسائل سلبية إلى الداخل والخارج!
إذا كانت النخبة السياسية العقلانية القريبة من الدولة وخطها السياسي لا يحتملها من يقودون دفة الأمور اليوم، وإذا كنا لا نحتمل أن نقرأ أو نسمع صوتاً خارج السرب، في زمن أصبح الطفل الصغير له وعي سياسي جديد في العالم العربي، إذا كان الأمر إلى هذا المستوى من القراءة؛ فإننا نعتذر؛ افعلوا ما تريدون!
m.aburumman@alghad.jo
الغد