اتجاهات تتحكم بقانون الانتخاب ..
د. اسامة تليلان
17-06-2012 02:43 PM
على الأقل هناك اتجاهان واضحان وقويان يحاولان التحكم بصيغة قانون ونظام الانتخاب، وتحاول كل جهة ان تكون صيغة القانون والنظام الانتخابي تخدم اهدافها، فما هي هذه الاتجاهات وأين تكمن أهدافها:
الإتجاه الأول يمكن ان يطلق عليه الجانب الرسمي الحكومي، وهذا الاتجاه يميل الى الوصول الى صيغة لا تخرج كثيرا عن القانون السابق وبنفس الوقت يحظى بقبول فئة واسعة من الشعب من خلال ادخال بعض التعديلات الجديدة، بمعنى ان يتم ابعاد البرلمان عن امكانية سيطرة طيف ايدلوجي او ديمغرافي عليهن اي الحفاظ على التوزيع الديمغرافي للنواب داخل المجلس بالطريقة ذاتها مع فروق بسيطة ليست ذات معنى حقيقي، وان يستمر اختيار النواب وفق الطريقة المباشرة والفردية السابقة التي لا تعتمد على الاحزاب السياسية وانما على المؤسسات التقليدية العشائرية والمناطقية وغيرها التي لا يتنج عنها أي ضوابط مؤسسية على أداء النواب ولا توفر أي اسناد لمواقفهم في البرلمان، ولا تؤدي الى قيام كتل برلمانية مستقرة تستند الى احزاب او اتجاهات سياسية، مما يسهل من عملية التحكم في مواقفهم كلما دعت الحاجة التشريعية والرقابية، وبالتالي اضعاف السلطة التشريعية مقابل السلطة التفيذية.
ولذلك يميل هذا الاتجاه الى الصيغة المطروحة حاليا التي تعطي افضلية واكثرية لنظام الانتخاب الفردي والدوائر الضيقة ونظام القائمة الوطنية قليلة العدد وابقاء الاحزاب السياسية بعيدة قدر الامكان عن البرلمان.
وهذا التيار بالطبع قوي وممثل بعدد من المؤسسات ( الديوان والحكومة والمخابرات) و يقترب منها الى حد كبير مجلس النواب فاعضاء مجلس النواب حسب الصيغة وحسب جردة حسابهم لمصالحهم يتقارب موقفهم من صيغة القانون والنظام الانتخابي مع المؤسسات الرسمية الثلاثة الاخرى.
الإتجاه الثاني: ويمثلها بعض الاحزاب السياسية وقوى المعارضة وفي مقدمتها جبهة العمل الإسلامي حيث تميل الجبهة الى صيغة تعظم من فرصها في الحصول على اكبر عدد من المقاعد البرلمانية سواء للجبهة بشكل منفرد او من خلال ائتلافها مع بعض الاحزاب والقوى الاجتماعية، فالمتغير الاهم بالنسبة للجبهة لم يعد الحصول على نسبة تفوق الثلث في البرلمان فهي ترى ان الظروف المحيطة بالمنطقة وصعود التيار الاسلامي في عدد من الدول العربية يشكل فرصة مناسبة لها للعمل على الحصول على اغلبية المقاعد من خلال التحالف مع القوى الاخرى في اطار القائمة النسبية المفتوحة ، واذا ما وصلت الى ما يفوق حاجز الثلثين فان عملية تعديل جديدة على الدستور تصبح ممكنة، ولذلك تميل الجبهة الى صيغة النظام المختلط الذي تتجاوز فيه نسبة القائمة النسبية الوطنية حاجز الخمسين بالمئة وبدون اي شروط او محددات فهذا القائمة تتيح امكانية انتاج تحالف الجبهة الاسلامية مع قوى تقليدية اخرى، وهذا قد يفسر رفض الجبهة لفكرة القائمة الوطنية الحزبية المغلقة.
وهذا الاتجاه قوي أيضا ويحاول كسب حراك الشارع الى موقفه وقد نجح في اختبار اقرار الصيغة الأولى لقانون الانتخاب التي طرحت في عهد حكومة عون الخصاونة وكانت تلك الصيغة افضل من الصيغة الجديدة واستطاع ان يوسع دائرة الرافضين له، اضافة الى قدرته على التشكيك بشرعية العملية الانتخابية القادمة ان تمت مقاطعة الانتخابات في اطار جبهة واسعة من القوى في ظل وجود قانون انتخاب ضعيف ومليئ بنقاط الانتقاد.
الواضح ان كلى الاتجاهين لن يفضي الى صيغة تسهم في عملية اصلاح النظام السياسي وفي تعزيز فاعلية السلطة التشريعية ، واذا كان مبررا موقف الاتجاه الثاني الطامح لتعظيم مكاسبه فان موقف التيار الاول لا يمكن تبريره اصلاحياً لان المطلوب هو طرح اتجاه ثالث تقوده الدولة يتجاوز هذه المحددات من خلال مرحلة انتقالية تبرر وجود بعض القيود المؤقتة في القانون بجيث تجرى خلالها الانتخابات وفق قانون يحظى بقبول اوسع طيف ويهدف الى قيام سلطة تشريعية قوية وفاعلة وتستند الى كتل واحزاب سياسية وقادرة على استعادة ثقة الناس بها وقادرة على جذب كافة اشكال التنافس السياسي الى اطارها، ووجود حالة من التعددية السياسية الفاعلة تقوم على وجود ثلاث أو أربع تيارات سياسية متوازنة وفاعلة قادرة على استقطاب الناشطين سياسيا واجتماعيا الى اطارها وتقليص اعداد من يشعرون بالتهميش السياسي، أي بناء حياة سياسية تنافسية جديدة وحقيقية يتولد من خلالها كافة التفاعلات الاساسية التي من خلالها أيضا تحدث عملية تغيير جذرية لعمليات التجنيد والاختيار السياسي وبالتالي اصلاح النظام السياسي.
ولتحقيق ماسبق فان القانون لا بدا وان يتضمن في المرحلة الانتقالية المبادئ التالية وهي النظام المختلط الذي يقوم على الانتخاب الفردي عبر دوائر جغرافية واسعة وعلى القائمة الحزبية النسبية المغلقة على المستوى الوطني وبنسبة لا تقل عن 30% من عدد مقاعد المجلس النيابي، وبحيث لا تتجاوز حصة الحزب الواحد من المقاعد النيابية ثلث عدد مقاعد القائمة الحزبية. وان يشترط في قانون الانتخابات العضوية في حزب سياسي لقبول الترشح، وتحسين ميزان الدوائر الإنتخابية نسبة الى عدد سكان الدائرة مع عدد المقاعد الانتخابية.
الحالة الراهنة تحتاج الى قانون انتخاب يسهم في اصلاح النظام السياسي وتوسيع قاعدة المشاركين في العملية السياسية واعادة الفاعلية الى السلطة التشريعية، هذه المرحلة لاتحتاج الى مغالبة او مكاسرة او طرح قوانين شكلية لا تصب في تعزيز فرص الاصلاح السياسي.
د. اسامة تليلان