ليس الموضوع هو إبداع من نسج الخيال ، بقدر ما هو التماس للحقيقة و الواقع ، فكل شيئ خلق لغاية ، و سخرت لخدمة بني الإنسان قبل سواه، إذا أحسن استخدامها بالموضع الصحيح ، حتى الجماد قد يبث فيه روح المنفعة التي لا تقدر بثمن ، حين لا يكون له بديل يؤدي الغاية و يقضي الحاجة .
الشاهد في ذلك قصة مروية ، بقصيدة شعرية ، على لسان الشاعر إيليا أبو ماضي، حين تخيل سماع صوت أنين ، في عتمة من الليل اشتد حزنه وزاد الألم ، كان ذاك الصوت يخاطب العاطفة و يحرك الإنسانية ، يشحذ الهمة ويطلب الإنقاذ من ذوي القلوب الرحيمة .
بعد التحري تم التعرف ، على حجر صغير يقبع في زاوية ، من سد مياه عملاق ، تعلوه حجارة ضخمة متلاصقة متراصة ، يصدر من تحتها الأنين ، لشدة ما أرست عليه من ثقل الأوزان .
ببراعة و حنكة و مهارة استخرج الحجر ، استغاثة لإجابة النداء ، وتجاوب مع الألم وانعكاس للرسالة الانسانية التي أودعها الخالق رحمة في قلوب عباده ، و ما لبث ان انهارت الحجارة تباعا، فسقط السد و فاض الماء ، و غمرت الارض واغرق الزرع واتلف الحرث و النسل .
كل شيئ في الوطن ينفع الوطن ، و يسخر لخدمته كبر أم صغر دون احتقار لهذا أو تعظيم لذاك ، مع قلة ما نشهد من الموارد ، وما وصلنا إليه من سوء الحال ، لسنا في حالة من الترف و رغد العيش ، ماؤنا شحيح ، وأرضنا جدباء ، و إنساننا مكافح مجد ، فتوفير قطرة الماء تغيثنا ، ونصف الشبع افضل من التخمة .
الترشيد في الكهرباء ، و في استهلاك الوقود ، و الحفاظ على الطرق ، والتدبير في حفلات الأعراس و إقامة الولائم ، كلها زوايا تحفظ الاقتصاد من الانهيار ، تماما كحجر الزاوية في سد المياه.
مكافحة الفساد و درء الفاسدين وانتزاع ما سلبوه حق محتوم للسائل و المحروم لأنه سرق من سيل دمائهم و عرق جباههم ، و نخر اقتصادهم و ضيق عيشهم و متع غيرهم في غفلة من الزمن ، سها بها المسؤول أو كان متعمدا فالحال سواء ، فعدالة السماء و الارض تلح وبإصرار ، أن يعود المال المنهوب .
التكافل و التضامن و المساواة و التراحم من عقيدتنا السمحة ، و من عاداتنا وقيمنا الموروثة ، تحمينا من الأنين و الحسرات ، و تشيع بنا الهناء و الخير ، لا نتخلى عنها و إن عصفت بنا رياح العصرنة و محدثاتها ، وإن كانت مهمة ان نتقنها ونسمو في معرفتها و لكن ليس على حساب القيم .
abeer.alzaben@gmail.com
الدستور