عمون - عامر السبايلة - ترتفع وتيرة التسريع نحو تدخل عسكري في سوريا و هذا يرشح الاردن لمزيد من الضغوط للدخول في المواجهة.
تتوارد الأنباء عن الاستعدادات الأمريكية العسكرية للاطاحة بسوريا. و المعلومات تشير الى دور أمريكي قيادي و تنفيذ تركي-أردني. النظام الأردني سيحصل بلا شك على ضمانات و مغريات دولية و اقليمية للدخول في حلف المواجهة, الا ان الضمانات لن تتجاوز الشهور المعدودة, بعدها لابد ان يواجه النظام الحقيقة بعد الخديعة.
اذاً موقف اليوم يجب أن تحدده التبعات الناجمة عنه غداً, لهذا, فالسؤال الأهم ماذا بعد التسوية في سوريا؟
بغض النظر عن شكل التسوية في سوريا, لا يمكن للوضع في سوريا ان ينتهي دون تأثير مباشر على الداخل الأردني. يصر بعض المسؤولين الأردنيين على أن الأردن لم يتعرض لتهديد مباشر في الحرب على العراق. بالرغم من التحفظ على وجهة النظر هذه, مع اختلاف المشهدين تبقى سوريا 2012 تختلف كلياً عن العراق 2003.
بعد سنوات من انتهاء حرب العراق 2003, لم يكن يخفى على أحد الدور الذي لعبه الأردن في اسقاط النظام العراقي, و تحدثت عنه وثائق الويكليكس بصراحة, الا أن السؤال الحقيقي و الأكبر اليوم هو من الذي استفاد من اسقاط النظام و من الذي دفع الثمن الأكبر بعد مرور ما يقارب العشر سنوات؟
النظام الأردني سقط في فخ المتعة المؤقتة و على المدى البعيد خسر الأردن و الأردنيون الخسارة الأكبر, و كسبت فئة صغيرة من عملاء الامبريالية و تجار الحروب عقود الخدمات المتعددة للجيش الامريكي. اذاً ما هوالمعيار الأردني الذي استخدم في اتخاذ الموقف الأردني؟ هل كانت المصلحة الاستراتيجية الأردنية بعيدة الأمد؟ الجواب يدركه الصغير قبل الكبير اليوم, خسرنا كثيراً, أخلاقياً و مادياً, استراتيجياً و حتى أمنياً.
في 1990, اختلف الموقف الأردني تماماٌ في رؤيته للحرب على العراق, و لم يكن الأردنيون يأبهون بتهديدات التخويف و التجويع, بل أثبتوا انهم مستعدون للجوع و جاهزون لمواجهة كل لأنواع التحديات ضمن مواقف مشرفة. سواء كان الموقف صائباً ام خاطئاً آنذاك, الا ان الأهم كان خلق حالة اللحمة الوطنية و التضامن الشعبي الذي يفتقده كثير الأردنيون اليوم.
لهذا من الأجدر على الدولة الأردنية اليوم بناء حالة من التكاثف و التعاضد الوطني, و استيعاب حجم الأخطار المحدقة في الداخل الأردني قبل الدخول في أي سيناريوهات اقليمية. و من الضروري عدم الاعتقاد ان الهاء الناس بالحديث عن الحالة المعيشية اليومية سيحول أنظارهم عن مطالبهم السياسية, لأنه هذه الحالة قد تؤسس لا قدر الله لحالة من الفوضى التي يصعب التعامل معها. لا تصنف هذه السياسات الا ضمن خانة واحدة هي: "الانتحار السياسي بعيد الأمد" في أحسن الأحوال و "العقم الفكري المستمر" في أسوأها.
يستحق الأردنيون ان يشعروا لو لمرة ان هناك من يأبه بهم و يفهمهم لا من يستهتر بهم و بمستقبل اولادهم, من يقدر معاناتهم و يتفهم ظروفهم لا من يزيد من ضنك عيشهم و يطاردهم في قوتهم , من يؤمن بأنهم برغم الضيق مازالوا يبحثون عن طرق الأمل. من يستوعب حالهم و يحترم حاجاتهم, لا من يعاقبهم لأجل فئة من الفئات. فمثلاً تعديل ضريبة البنوك و اقرار نظام ضريبي يستوفي ضريبة ال 16% المترامكة و غير الشرعية كانت اجدى من الهجوم و التغول على حياة الأردنيين البسطاء. فمن لا يقوى على مواجهة فئة قليلة متمردة و ضرب مصالحها الفاسدة, لا يمكن له أن يؤتمن على مستقبل الفئة الكبيرة صاحبة الشرعية. و ان كان الحذر من اللئيم اذا شبع واجب فصولة الكريم الجائع أوجب للحذر.
الأجواء العامة تشير الى اتساع دائرة السخط العام لهذا لابد من التعامل مع التطورات بحنكة و حذر و عدم الاستهتار في السياسات التي قد تجلب الويلات, فان ُصمت الآذان لم يعد للكلام من مكان.
في اي بعد اقليمي او داخلي و قبل الدخول في تحالفات مؤامراتية , لابد من التذكير أن النظام الحكيم يراهن على الشعب و التاريخ. و لايمكن المراهنة على شعب ساخط يشعر بالغبن, كذلك لايمكن للتاريخ ان ينصف المواقف الانتهازية غير المشرفة. الثمن الأخلاقي للمواقف مهم جداً, و بعيداً عن الأخلاق و قريباً من البراغماتية, من الغباء بعد أن أُكل الثور الأبيض و الأسود ألا يدرك الثور الأحمر أن دوره قد حان.