النائب البرايسة : الفنانون .. بُناة وطن حقوقهم مهضومة
16-06-2012 10:23 PM
عمون - كتب: النائب محمد البرايسه - يقول الأديب المصري الكبير عباس العقاد " إذا حصلنا على الخبز فأقصى ما نبلغه في تحصيله هو أن نتساوى وسائر الأحياء في إشباع الجسد وصيانة الوظائف الحيوية، ونحن إذا حصّلنا الفنون، فما نحن بأحياء وحسب، ولا بأفراد وحسب، بل نحن أناس ممتازون نعيش في أمة ممتازة، تحسّ ما حولها وتُحسن النعبير عن إحساسها".
ويؤكد المفكرون بأن الطبيعة في ذاتها شأنها شأن أي موضوع آخر، ليست جميلة ولا قبيحة، ولكنها تتحول بالتعبير الفني الى شيء جميل يتذوقه الإنسان في لوحة أو في لحن موسيقي أو في قصيدة من الشعر أو في مقطوعة غنائية أو في مشاهد تمثيلية. فهناك دور وجداني تثيره الفنون في نفوس الناس، إذ أنها تُذكي المشاعر الجميلة وتغدو وسيلة فعّالة لإثراء الثقافة وتساعد على إكتساب القيم الروحية والفكرية السامية التي يجدر بالإنسان التحلي بها.
من هنا كان الفن - بكافة فروعه وتشعباته- مؤثراً قوياً في حياة الإنسان ككل، فهو يؤثر على العقل والقناعات والوجدان والشعور.. وهو حتما ليس للترفيه –وإن كان الترفيه ضرورة في بعض الأحيان- إنما هو مقياس لمدى نهضة الشعوب وتقدّمها. فالفن هو مهنة البحث عن الجمال، حتى لو كان هذا الجمال متوارياً ومختبئاً بين أشياء وعناصر اعتدنا على رؤيتها، ولا نرى فيها أي نوع من الجاذبية. حتى أن كثيراً من الإنفعالات التي تجري بباطن نفوسنا قد لا نلتفت إليها لولا أن فجرتها فينا الأعمال الفنية. وحين يُجسّدها الفن عنئذ فقط نتعرف على طبيعة أنفسنا ونرى الأشياء بشكل أوضح وأشد تأثيراً.
ومن هنا نؤكد حاجتنا الماسة الى عينٍ لا تفوتها الرؤية والى بديهة تستند الى الإدراك وخيال لا يغفل عن تركيب وضم الأجزاء المتفرقة وجمعها لتؤلف مصنوعاً جديدا.. نحن بحاجة ماسة الى مَلَكَة الإحساس والتخيل التي لا يقدر على ترجمتها الى واقع محسوس ولا يتقنها سوى المصوّر والشاعر والملّحن والموسيقي والمُغني والسينارسيت والمخرج والممثل وغيرهم من أهل الفنون. فالنان يتلقى المؤثرات الجمالية من حوله ثم يعمد الى تخزينها في نفسه ويقيم بينها علاقات جديدة، وهو هنا أشبه ما يكون بخلية النحل التي يقوم جميع اعضاؤها بجمع الرحيق من هنا وهناك لإنتاج مركذب جديد هو العسل.
ربما أكون قد أطلتُ في سوق مقدمة لما أريد أن أصل إليه، لكنها إطالة ضرورية في ظل ما نشهده ما حراك تشهده الحركة الفنية الأردنية لأول مرة في تاريخها.. ولا أدري لصالح مَن يتم تهميش الفن في الاردن.. وكيف للدولة أن تنكر جهود رواد الفن الأردني وتدير ظهرها للذين أدوا في حقبة من تاريخ هذا البلد دوراً لا يقلّ أهمية عن دور الجيوش.. حيث كانت الأغنية والدراما الأردنية خير سفير على امتداد رقعة الوطن العربي.. وظهرت عبر مختلف المراحل انتاجات وطنية بعضها تغنى بحب الأردن وبشهامة أهله وشعبه في المطلق وبعضها الآخر كان وليد أحداث طبعت التاريخ الحديث للوطن. ولم تكن تلك الانتاجات تعبيرة فنية غنائية موسيقية أو مسلسلات لها "وقعها" على الأذن والعين والعقل والوجدان فقط وإنما أيضا هي ضرورة وطنية وثقافية وحضارية.
إننا نأسف للحال الذي يعيشه الفنانون الأردنيون الذين يلوّنون وجداننا بالقيم والأخلاق والقيم. ونأسف لتجاهل واقعهم الذي يعانون. هؤلاء الذين كظموا غيضهم وتحملوا أقسى الظروف خشية منهم أن يكونوا مدعاة تأزيم.. وآثروا أن يبقوا على ديدنهم.. يحملون على عاتقهم أداء رسالة عظيمة موجهة للانسانية جمعهاء دون تفريق أو تمييز.. فكان الرد على جميلهم الإهمال والتهميش والنكران لكل حقوقهم.
الفنانون بناة وطن وحضارة.. ودُعاة محبة وسلام.. ومشعل ينير الدروب ويؤلف القلوب.. وضمير الأمة..
ولسان الوطن الناطق بحضارته وناقلها على امتداد رقعة المعمورة.. وهم يستحقون أن نكون معهم والى جانبهم وفي خندقهم.. نؤكد بأن مطالبهم مشروعة.. لا بل هي ليست مطالب وإنما حقوق مهضومة وجب العمل على تنفيذها دونما أي تأخير.