راية الثورة العربية الكبرى الأصلية : المعنى والرسالة
14-06-2012 05:09 PM
قبل سنوات قرأنا خبر الراية الأصلية للثورة العربية الكبرى التي كشف عنها الديوان الملكي الهاشمي حينها ، وهي راية كانت قد وصلت إلى ضابط على سفينة من الأسطول البريطاني ، ولعلنا بالعودة إلى مراسلات الشريف الحسين بن علي مع السر مكماهون في الفترة ما بين تموز 1915م وآذار 1916م يتضح مستوى التنسيق العسكري لتأمين الإمدادات المختلفة لقوات الثورة ، وفي مراسلات الأمير فيصل بن الحسين ورد في إحدى الرسائل انه سيتم إبلاغ بريطانيا بتفاصيل الراية العربية الجديدة بعد تصميمها و التي سيتم رفعها على السفن لتحقيق التعارف بين القوات الصديقة.
وخلال احتفال العام الحالي بيوم الثورة العربية الكبرى ويوم الجيش يقدم جلالة القائد الأعلى هذه الراية الأصلية إلى القوات المسلحة الأردنية /الجيش العربي حامل لواء الثورة العربية الكبرى، هذا الجيش الذي نواته الأولى إنما هي الجيش الشرقي الذي قاده الملك المؤسس عبدالله بن الحسين خلال الثورة العربية الكبرى ، وكان التوجيه بأن توضع الراية في صرح الشهيد ليتسنى للجميع مشاهدتها والاطلاع عليها طالما يتحدث هذا الصرح عن مفاصل تاريخية هامة من الثورة إلى الاستقلال ومسيرة الجيش العربي الأردني ،
ولعلنا هنا نقف عند بعض من كلمات الشاعر الأردني الكبير حيدر محمود حين قال بين يدي جلالة القائد الأعلى في احتفال يوم الثورة والجيش في 10 حزيران 2012 والذي فيه قدم جلالة القائد الأعلى راية الثورة العربية الأصلية للقوات المسلحة حيث انشد : :
و"الشريفُ الحسينُ",يشرق شمسا في عيونِ الأبناءِ,والأحفادِ
وينادي:سلمتً يا قرةَ العيــنِ الذي صان رايةَ الأجـــــدادِ
هيَ أمُ الراياتِ, أعطت وتعطي كل حــرٍ"شهـــادةَ الميــلادِ"
***
سيدي,سيدَ الرجالِ,وعيدُ الجيشِ أحلى وأكرمُ الأعيادِ
سوفَ تبقى "هذه الهديةُ" للفرسانِ مزروعةٌ بكلِ فؤادِ
فهيَِ أغلى من كل غالٍ,وأعلى من نخيلِ الدنيا,نخيلُ بلادي
فأقيمي ,يا من يقيمُ "أبو الثوارِ" فيها الصــلاةَ فــي الميـعــادِ
قادمٌ جيشكِ الذي تشهدُ "الصخرةُ", كم في الرحابِ من أكبادِ
انهُ قادمٌ , فقولي لأبوابكِ أن نلتقي ببابِ الوادِ
وصرح الشهيد الذي يتحدث عن مراحل التاريخ الأردني مع جناح خاص للثورة العربية الكبرى يمثل سفرا مفتوحا يتيح للجميع قراءة هذا التاريخ بالكلمة والصورة وبالتراث والمواد الأصلية القديمة ، وتأتي هدية القائد الأعلى لتضيف قيمة جديدة وبعدا جديدا لمفهوم الزيارة لهذا المتحف التاريخي ، ولعل الوقوف أمام الراية تجعلنا نستحضر خفقانها في تلك الأوان والعرب يبحثون عن الدولة والاستقلال والسيادة ، ويتجهون نحو الحرية والحياة الأفضل ، وكأن الراية تدعونا إلى تجديد شهادة ميلادنا قبل أن نفقد بعض عناوينها حاليا لتكون شهادة ميلاد المواطنة التي لا تقبل القسمة على اثنين وترفض النيل من حرف من حروفها مثلما سلمت الراية من أن يُدَنَسَ خيط من خيوطها ،
أراد جلالة الملك عبدالله الثاني أن يقدم لنا هدية تصل إلى مفهوم المواطنة التي تستند إلى التاريخ واستذكار الرجال الذين حملوا هذه الراية وقاتلوا في ظلالها لا يبغون إلا الحق والحرية والعدل ، وتحملوا المصاعب والتحديات وتعرضوا لكل أشكال الانقلاب والخديعة وصمدوا وهم يسيرون نحو الهدف وما تراجعوا وما اعتصموا إلا بحبل الله وما كانت جمعة صلاتهم إلا من اجل المستقبل وبناء الأمة الفاضلة .
راية الثورة العربية الكبرى تستقر في صرح الشهيد الذي لا زالت مشاريع تطويره وتأهيله تراوح مكانها بانتظار أكثر من حلم لتطوير مفهوم وهدف الزيارة لان تكتمل قصة التاريخ ليكون هذا الصرح مدرسة امة وأجيال ومنهلا للمعرفة الوطنية الصحيحة ، ويمكننا ان ننظر إلى تسكين راية الثورة العربية الأصلية في هذا الصرح تدشين جديد لمرحلة جديدة في مفهوم الثقافة الوطنية ، وان نرى القصة تكتمل التي تجمع الشهادة والشهيد والحرب والسلام والنصر في الكرامة والتطور في كل مناحي الجندية .
وستبقى الراية خفاقة ونحن نردد نشيد راية الثورة العربية الكبرى الذي كتبه الأخطل الصغير /بشارة الخوري :
يا علمي - يا علمي
يا علم العرب أشرق واخفق - في الأفق الأزرق يا علمي يا علم
من نسيج الأمهات في الليالي الحالكات
لبنيهن الأباة كيف لا - نفديك كل خيط فيك
دمعة من جفنهن خفقة من صدرهن - قبلة من ثغرهن يا علم
يا علمي - يا علمي
وستبقى الراية تحيي فينا كلام الثورة والنهضة كما جرى على لسان شاعر الثورة فؤاد الخطيب وهو يقول :
لمن المضارب في ظلال الوادي ريَّا الرحاب تغص بالـورَّاد
الله اكبر تلك امــة يعــرب نفرت من الأغوار والأنجاد
طوت المراحل والأسنة شَُّرعٌ والبيض مُتلَعة من الأغماد
ومشت تدك البغي مشية واثق بالله والتـاريخ والأمجـاد
ولنقف عند دعاء الشرق لمحمد عبدالوهاب وقد كتبه الشاعر محمود حسن إسماعيل وهو يقول يا سماء الشرق طوفي بالضياء وانشري شمسك في كل سماء :
أيها السائل عن رايتنــا لم تزل خفاقة في الشهب
تُشعل الماضي وتسقي نارَه عزة الشرق وباس العرب
سيرانا الدهر نمضي خلفها وحـــدة مشبوبة باللهب
أمما شتى ولكن للعــُلا جمعتنـــا امة يوم النداء
راية الثورة العربية الكبرى الأصلية دعوة لدراسة تاريخ النهضة العربية التي بدأ الغرب الآن ومن خلال عدة جامعات دراسة تاريخ الثورة العربية الكبرى بمناسبة المئوية الأولى للحرب العالمية الأولى بدءا من عام 2014 ، ولا اعرف إذا كنا سننتظر حتى يخرج اؤلئك بدراساتهم بنسخة جديدة من فلم لورنس العرب عام 1963 الذي مسخ تاريخنا وأساء لكل قيمنا ، ولا ادري إذا كان ذلك الزقاق الصغير المخصص لتاريخ الأردن الحديث في متحف الأردن في رأس العين سيفي تاريخ الحقبة الهاشمية حقها أو يعكس اهتمام الدولة بهذا التاريخ ، ؟؟؟،
عشنا مناسبات وطنية غالية من الاستقلال إلى عيد الثورة العربية الكبرى وعيد الجلوس الملكي ويوم الجيش العربي الأردني ، ومرت مناسبة أخرى هي ذكرى وفاة الشريف الحسين بن علي في 3 حزيران الساكن في المسجد الأقصى الذي أعمره عام 1924 ، وهو صاحب هذه الراية وهذه الثورة ، ونستذكر الحسين أبو الثوار بكلمات رثاء الشاعر أمير الشعراء احمد شوقي وهو يقول :
لك في الأرض والسماء مآتم قام فيها أبو الملوك هاشم
قعد الآلُ للعــزاء وقامـت باكيات على الحسين الفواطم
تلك بغداد في الدموع وعمان وراء السواد والشام واجم
والحجاز النبيل ربع مصَلَّ من ربوع الهدى وآخر صائم واشتركنا فمصر عَْبرى ولبنان سكوب العيون باكي الحمائم
ندرك اهتمام جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم الكبير بالتربية الوطنية الحقيقة التي تضع الشباب خاصة على درب المسؤولية الوطنية الواعية ، وسيبقى تاريخنا ذلك التاريخ المضيء المشرف منذ عهد الثورة والراية إلى عهد الحاضر والمستقبل بعون الله ....