لطالما استمعنا صغارا لحكايا الآباء والأجداد والجدات عن "الغول"، وتصويره بأنواع الرعب والخوف. وأغلب الوقت كان يتم الاستعانة بهذا الاسم الأسطوري للتحفيز على نوم الطفل، دون حتى التفكير بعواقب "فيلم الرعب الهوليوودي" عليه لاحقا.
كبرنا، وبقيت قصص "الغول" حاضرة في الذاكرة. وكم كانت المفاجأة عندما تلمسنا بداية قراءة ذاتية منفردة، بعيدا عن قصص الأهل "المرعبة"؛ إذ كانت المفاجأة عدم وجود ما سماه الاهل بـ"الغول" في الحقيقة، وإنما هو نسج خيال لأهل أرادوا قص حكايات مختلفة لأطفالهم لتحفيزهم على النوم، فيستحضرون ما سمعوه من أهاليهم من موروث شعبي عن "الغول" لجلب النوم لأحداق مرعوبة.
مناسبة هذا الكلام ما نشهده حاليا من حالة مد وجزر حول قانون الانتخاب الذي من المفترض أن تجرى بمقتضاه الانتخابات النيابية المقبلة، وتخوف أطراف من سيطرة طرف على صناديق الاقتراع، والبحث الدائم عن وسائل مختلفة لإفقاد هذا الطرف قوته التصويتية، وإبعاده إن أمكن عن ملعب الحدث.
لا ننكر حق الأطراف السياسية المختلفة في البحث عن مكتسبات تؤمن حضورها لاحقا، وإدراج ذلك على بعض مواد قانون الانتخاب بالشكل الذي يؤمن مستقبلا وجود تلك الأطراف تحت القبة. ولكن ليس من حق المشرع أن يبدأ تشريعه وينهيه تحت هذا العنوان؛ فالقانون أصلا للجميع، ولا يجوز أن نبتكر تشريعات هدفها الأساسي إقصاء هذا أو ذاك، كما لا يجوز أن يقوم التشريع على قصة "حكاية غول مفترض".
وهم "الغول" غير المرئي وغير المعروف سيجعلنا لاحقا ننظر إلى الجميع مهما اختلفت مشاربهم وأفكارهم، ونعتبر كل الأطراف باعتبارهم "غيلان"، يجب الحذر منها.
إذا توافقنا أننا نريد الإصلاح، وعنوانه سيادة دولة القانون والمواطنة، وتحفيز مؤسسات المجتمع المدني، وإقصاء الجهوية والطائفية والإقليمية والعشائرية، فإن ذاك يعني البحث عن قواسم مشتركة تؤمن وصول الجميع، دون "تغول" جهة على أخرى، ودون منح حقوق لطرف دون الآخر.
فليس من حق أحد احتكار حرصه على الوطن دون الآخر، ولا من حق أحد التشكيك والبحث عن قصص مرعبة للتخويف من القادم بمسميات شتى، وتخوفات لا تؤمن سوى بقاء طرف واحد في الملعب دون غيره.
من حق المواطن الأردني أن يحظى بقانون انتخاب توافقي؛ ولا نقول يرضي الجميع، فهذا غير ممكن، باعتبار أن قانون الانتخاب بشكل عام إشكالي، ولكن من حقنا الحصول على قانون يحوز على نسبة توافق عالية بين أطراف المجتمع الأردني، قانون جامع، هدفه تعبيد الطريق للإصلاح بعيدا عن الفكر الإقصائي والاستحواذ.
ابتكار معيقات وأشكال ملتوية لإعادة إنتاج الصوت الواحد، واصطياد هنة هنا أو هناك، لا يفيدان في تطوير مسيرة الإصلاح المنشود، ولا يؤمنان لنا مستقبلا مجلسا نيابيا قادرا على إعادة ثقة المواطن بمجالس النواب.
فالواضح أن المواطن بات يشعر بأزمة عدم ثقة مع مجالس النواب المختلفة. وقد جرى التعبير عن ذلك بطرق مختلفة. ويعرف بعض النواب مدى غربتهم عن الشارع، وعدم قدرتهم أحيانا على الذهاب إلى قواعدهم الانتخابية بسبب موقف المواطن السلبي من النواب.
نريد الابتعاد عن قصص أسطورية مفترضة، ومعارك "دونكيشوتية"، والتخويف من "غول" طرف معين، والذهاب للحفاظ على ديمقراطيتنا البرلمانية لكي نفتخر ونفاخر بها، والنهوض بمستوى مجلس النواب، ومنحه دوره السياسي المفقود.
لا نريد تسليم المفتاح لطرف دون غيره، ولكننا نريد أن يحصل الجميع على فرص متساوية في التشريع والوجود، دون حسابات ضيقة.
لماذا لا نعتمد نظاما انتخابيا يؤمن وصول كل طرف حصل على نسبة أصوات إلى القبة والمشاركة في التشريع؟ لماذا لا نفكر في طريقة توقف هدر الأصوات؟ لماذا لا نفكر بالقوائم النسبية بقيود تؤمن مساواة جميع الأطراف؟
أيها السادة، اتركونا من قصص "الغول" الوهمية، ولنبحث عن أفكار جامعة؛ أفكار تفيد الوطن بكل أطيافه، وتعزز من قوة وبنيان الدولة التي علينا جميعا الحرص عليها وحمايتها برموش العين.
الغد