في حديث عنيف، مملوء بكل أنواع التهديد والوعيد، قال وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا يوم الخميس 7/6/2012 «إن صبر بلاده بدأ ينفذ حيال باكستان بسبب عدم تصديها، بشكل شرس، لمنظمة حقّاني «المسلّحة». وأكد بانيتا خلال زيارة مفاجئة لكابول «أنه من الصعب تحقيق السلام في أفغانستان في ظل وجود ملاذات آمنة للإرهابيين في شمال غرب باكستان». وطالب سيادة الوزير باكستان بشكل «حازم وجاد وآمر» بضرورة اتخاذ المزيد من الإجراءات للقضاء على هذه المعاقل، وإلا فإن صبر الولايات المتحدة الأمريكية، إذا ما نفذ، فإن هناك أموراً خطيرة يجب توقّعها.
بالرغم من أن هذا التصريح يأتي، في أُطُره العامّة وسياقاته، ضمن سلسلة التصريحات التي أخذ يطلقها المسؤولون الأمريكيون منذ احتلالهم أفغانستان عام 2000، وذلك في محاولة لإدخال كل دول المنطقة في الصراع الذي افتعلوه والذي فشلوا تماماً في إدارته، كما جرى حيال الصراع في العراق وقبلها في فيتنام، إلا أنه يختلف في أبْعاده، كونه يجيء، والولايات المتحدة الأمريكية بصدد تبنّي استراتيجية عسكرية جديدة أُعلنت في كانون الثاني الماضي، وتدعو إلى تحويل التركيز الاستراتيجي إلى منطقة آسيا – الباسفيك. هذا من جهة، كما أنه يأتي كرد فعل مرعوب من الزيادة الملحوظة للهجمات الموجعة والمؤذية التي بدأت قوات حقّاني وطالبان بشنها ضد قوات حلف الأطلسي، من جهة ثانية. ومن جهة ثالثة فإنها تأتي أيضاً والولايات المتحدة تدرس الخطط التي ستقودها إلى مغادرة أفغانستان، بعد أن عجزت عن التعاطي الإيجابي مع نتائج حربها هناك، وبعد أن تعرضت لمجموعة هائلة من الهزائم، التي لو أُخذت في سياق ميزان القوّة لبرهنت على أن الولايات المتحدة الأمريكية، قد بدأوا فعلاً مرحلة الانهيار من ثمّ السقوط.
المنهجيّة الأمريكية، هي هي، وستظل على ما هي عليه، طالما أن هناك دولاً قد رهنت نفسها عبدة للدولار، وطالما أن هناك أنظمة قد اشترت شرعيتها وسلطتها وسر بقائها من المواخير الأمريكية والأوروبية، وطالما أن هناك شعوباً لم تستطع أن تفرض وجودها، وتقول كلمتها وتتسلم حرية قرارها. وإلاّ فما الذي يسمح لبانيتا، القادم من وراء الشمس، أن يحمل هراوته السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية ليسوقنا بين يديه كالأنعام؟. ومن هو بانيتا الذي يسمح لنفسه أن يُطلق التهديد تلو الآخر، والتحذير وراء الآخر، في وجه كل باكستان؛ ويطالبهم بكل صلف أن يقاتلوا عنه، وأن يتصدوا لطالبان والقاعدة وحقّاني، خشية أن يصاب الجنود الأمريكيون بسوء؟. ومن الذي أعطى الحق للإدارة الأمريكية، بكل أطرافها، لتمشي متبخترة «على رؤوس أصابع أقدامها» وهي تطلق الأوامر هنا، وترسل التوجيهات هناك، عدا أنها ضمنت الخنوع لها وعدم الاعتراض حتى على طائراتها وهي تقتل كل باكستاني وأفغاني يدب على وجه الأرض؟
بالفعل عبودّية القرن الحادي والعشرين هذه، أشفت غليل «الأمريكي» الأبيض ليعيد اجترار تمييزه العنصري، واستعباده للزنوج والهنود والعرب والمسلمين والأفارقة والأمريكيين اللاتينيين والفيتناميين وكل أهل الأرض. وأنا أقول وغيري يقول، إن الحق معه، لأن فرعون لو وجد من يشكمه لما أصبح فرعوناً.
الرأي