الثروة الحرجية ثروة وطنية ايضاً
طلال الخطاطبة
12-06-2012 07:46 PM
إذا كنا نفاخر الدنيا بأمننا الناعم و نباهي الأمم بأنه لم يسقط ضحية و احدة بعد كل هذه الحراكات الطويلة، فاننا لا نستطيع أن نتحدث بنفس الزهو بما يخض ثروتنا الحرجية، وخاصة بعد سماعنا بالمساحات التى يتم الاعتداء عليها بشكل دائم، و أرجو الله أن يكون آخرها حريق الصفصافة الذي كان بفعل فاعل كما جاء بالتقارير، حيث أتت النيران على مساحة 130 دنم بأشجارها. و إذا كنا نعتقد و نحن صغار السن بأن التكريم هو للشجرة المثمرة فقط و نطلق الأمثال بأن " الشجرة غير المثمرة يحل قطعها" فمن الضرورة و بعد هذا الوعي إدراك أن الأشجار الحرجية هي ثروة وطنية و إن كانت غير مثمرة، فما نستفيده من هذه الأشجار بيئيا ومناخيا وجماليا لا يقل أهمية عن غيرها من الشجار المثمرة.
إن هذه الغابات منةٌ ونعمةٌ من الله حبانا بها لتزدان بها المناطق المختلفة بأردننا الحبيب، و منها ما تم زراعته كمشاريع وطنية لزيادة البقعة الخضراء بالبلد يتمويل من الدولة و ميزانيتها لاعتقاد الدولة بتلك الفترة بأهمية الغابات، و كانت تتم هذه باحتفالات ضخمة بأعياد الشجرة؛ ومن هذه الغابات ما يحمل أسماء رموز وطنية عشقها الأردنيون كغابة الشهيد وصفي التل؛ فلماذا تحولت هذه الغابات و بقدرة قادر الى حملٍ ثقيلٍ على الدولة تود التخلص منه؟
إن هذه الأشجار هي ثروة وطنية شأنها شأن الفوسفات و البوتاس و غيرها من الثروات التي يجب المحافظة عليها، و أحمده تعالى أن أيدي الفاسدين لم تمتد الى هذه الثروة بعد لتنال منها، و أرجو الله أن تبقى بعيدة. لكن من المحزن أن يد التطور و النمو هي التي تمتد الى مساحات خضراء شاسعة من هذه الثروة لتقضي عليها من أجل التطوير الاقتصادي أو التوسع بالبنيان؛ فهل يعقل أن نقضي على هذا الجمال الرباني الأخضر لنقيم به مشروعا أسمنتيا لتطوير منطقة معينة. كلنا نعلم أن جامعة اليرموك أقيمت بمنطقة كنا نتنزه فيها بأربد الا و هي المستنبت حيث قضت العمارات على تلك معظم تلك الأشجار باستثناء بعض أشجار الزيتون التي ما زالت شاهدة على هذه الواقعة منتظرة أن يأتي دورها بالقطع لإقامة كلية جديدة أو مرفق من مرافق الجامعة الأخرى، تماما كحال الخراف التي تنتظر أن يطل صاحبها ليسحبها الواحد تلو الآخر للأضحية. و لقد ذهلتُ عند سماعي أيضا عن نبأ تقطيع الأشجار التي كنا نستظل بظلالها بالجامعة الأردنية لبناء كليات أو مرافق أخرى؛ ألم يسمع المعنيون بجامعتنا الفتية بالتوسع الرأسي مثلا كما درّسنا أستاذتنا بالجغرافيا البشرية. لماذا لا تفكر الجامعة بفتح فروع لها بمناطق أخرى لتخدم تلك المناطق و تبقي على أشجار اللزاب بها؟
لدُعاة قطع الأشجار للتطوير أسرد ملخصاً لقصة الكاتب السوداني الطيب صالح "دومة ود حامد" وهي قصة قصيرة مؤثرة فيها اجابة على دعوة المطوّرين لقطع الأشجار. يقول الشيخ بمعرض تعريف الزائر الشاب بالقرية لتفسير سبب غياب المشاريع عن القرية أن المشاريع كانت تُلغى من قبل الدولة لأن المواطنين رفضوها لسوء اختيار موقعها و هو دومة ود حامد، و هذه الدومة هي شجرة لرجل "صالح" يتبرك بها أهل القرية. فذهبت مشاريع موقف الباخرة، و ماكنة الري لأن المخططين أصروا على قلع الشجرة و الأهالي عارضوا ذلك. فسأله الشاب و هل سيقلعون الشجرة؟ اجابه الشيخ: " لن تكون هناك ضرورة لقطع الدومة. ليس هناك داع لإزالة الضريح، الأمر الذي فات على هؤلاء الناس جميعا أن المكان يتسع لكل هذه الأشياء.... يتسع للدومة و الضريح و ماكنة الماء و محطة الباخرة". و لو استعرضنا كل المناطق التي تقطّع فيها الأشجار بالأردن لإقامة المشاريع لوجدنا أن المكان نفسه يتسع للمشروع و الشجر معا لو نظرنا حولنا فقط.
إن الحفاظ على هذه الثروة هو ضرورة دينية فكلنا سمعنا و قرأنا الحديث ( إذا قامت القيامة على أحدكم و بيده فسيلة فليغرسها) و سمعنا و قرأنا القول المأثور "زرعوا فأكلنا و نرزع فيأكلون". فالعالم كله يتجه الى زيادة الرقعة الخضراء و ليس اجتثاثها، فإذا كنا عاجزين عن زيادة هذه الرقعة و لا أظننا كذلك فلنحافظ على الموجود منها على أقل تقدير.
وهنا تقع المسؤوليه على الدولة بالحفاظ على هذه الغابات عن طريق تعييين المراقبين و هم ما كنا نسميهم الطوّافين الذين كانوا يتأكدون من أن الحطب المجموع للاستعمال جافا و ليس أخضرا طرياً و هو دلالة القطع من عدمه. لا أدري إن كان الطوفون موجودين أم اختفوا ببدلاتهم الخضراء كما ستختفي البقع الخضراء من بلدنا إذا لم ننتبه لهذا الأمر. كذلك لا بد من مراقبة أمكان التنزه بشكل جدي بتعين المراقبين من أبناء المنطقة برواتب تعفهم عن قبول رشوة ضئيلة للتغاضي عن عبث العابثين بالغابات، و تثقيفهم طبعا حتى يتقنوا التعامل مع المتنزهين دون التدخل بخصوصياتهم، اذ يكفي اخذ أرقام سيارات العابثين إذا لم يرتدعوا عن عبثهم.
فهل ننجح هنا بأن يكون أردننا أخضرا كما كان ربيعنا؟ آمل ذلك.
كل عام و أردننا أخضر