أعلنت مجموعة من الحراكات الشعبية أن فعالياتها الاحتجاجية يوم الجمعة المقبل ستكون تحت شعار "الدستور أولا"، للمطالبة بإصلاحات دستورية تحقق المبدأ الدستوري "الشعب مصدر السلطات"، وتكريس مبدأ الفصل بين السلطات. ولن تتجاهل الفعاليات أيضا المطالبة بتعديل المواد الدستورية المتعلقة بصلاحيات الملك في تشكيل الحكومات وحل البرلمان.
المفارقة أن الحراكات اختارت شعار "الدستور أولا"، بينما الرأي العام في حالة ترقب لما ستسفر عنه مناقشات النواب والحكومة حول قانون الانتخاب، وردود الفعل الأولية على النظام الانتخابي من طرف القوى الحزبية والفعاليات السياسية.
ما أود قوله هنا هو أن قانون الانتخاب معركة تستحق أن تخوضها الحراكات الشعبية والقوى السياسية، وأن تمنحها في هذا التوقيت الأولوية على غيرها من المطالب.
لقد تم إنجاز حزمة معقولة من التعديلات الدستورية العام الماضي. قد يقول البعض إنها لا ترقى إلى مستوى الطموح، وهذا صحيح؛ لكنها تكفي لعبور المرحلة الانتقالية. وبعد الانتخابات النيابية المقبلة يمكن فتح الدستور من جديد لإجراء المزيد من التعديلات التقدمية.
المهم في هذه المرحلة أن نتوافق على قانون انتخاب يضمن وجود برلمان يمثل الطيف السياسي والاجتماعي، ويضم في صفوفه خيرة السياسيين وأفضل الكفاءات والخبرات، ليكون مؤهلا بحق لتلبية رغبات الأردنيين في حياة نيابية وحزبية متطورة.
يعرف المطالبون بتعديل الدستور أن البرلمان محطة إجبارية لأي تعديلات جديدة. ولكي نضمن تمرير "الوجبة الثانية"، لا بد من أن يكون لدينا أولا برلمان يحمل صفات غير تلك التي لازمت مجالس الصوت الواحد والدوائر الوهمية والصناديق المشبوهة.
مجلس النواب هو البداية والنهاية لعملية الإصلاح السياسي والدستوري في الأردن. ينبغي أن نعي هذه الحقيقة، وأن نضعها على رأس أولوياتنا، وإلا فإن كل الجهود المبذولة ستذهب سدى.
الصراع في هذه اللحظة التاريخية من حياتنا يتركز حول النظام الانتخابي الذي سيقرر شكل وتركيبة مجلس النواب المقبل. واليوم، سيعقد اجتماع مهم في منزل نائب رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة، للنواب والحكومة لحسم الصيغة النهائية للنظام الانتخابي، تمهيدا لإقرارها تحت القبة الأسبوع المقبل.
هناك صراع جدي بين قوى تريد شدنا إلى الخلف، وأخرى تطمح إلى صيغة عصرية للنظام الانتخابي. على القوى السياسية والحراك الشعبي أن لا تقف متفرجة، وكأن الأمر لا يعنيها. عليها أن ترفع صوتها وتمارس، وبأدوات التعبير السلمي، أقصى درجات الضغط لتحصيل نظام انتخابي أفضل من النظام الحالي المتخلف، أو تلك النسخ المشوهة عنه.
لا تتركوا لأطراف بعينها تفصيل نظام للشعب كله، ولا لقوى الماضي رسم خريطة المستقبل.
قانون الانتخاب أولا لا الدستور، في هذه اللحظة على الأقل؛ لا بل اليوم دون انتظار يوم الجمعة
الغد