أبو الراغب: المسؤولون جميعا بقناعة الشارع فاسدون
12-06-2012 04:07 AM
عمون - قال رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب أن المسؤولين جميعا بقناعة الشارع فاسدون، والجميع متهم حتى تثبت براءته، مشيرا الى انه "قطعا أمام هذه الفوضى والغضب والاحتقان هناك جهات مستفيدة من تعطيل مسار الإصلاح"
وبين ان تلك الحالة تحدث أمام غضب الناس واحتقانهم والشعور باليأس والغضب وغياب الثقة، فإن المواطن يبدو، وكأنه لا يعرف من أين يبدأ، وطبعا يعزز ذلك هو "الطخ" العشوائي.
ونوه رئيس الوزراء السابق الى ضرورة حسم الجدل في مسألة الهوية والمواطنة، على أساس أن "كل من لديه جنسية ورقم وطني فهو مواطن أردني، له حقوق وعليه واجبات".
وأرجع أبو الراغب أسباب تعليق حسم هذه القضية أردنيا إلى الأوضاع على الساحة الفلسطينية، التي "ما تزال معلقة"، لأن إلاشكالية هي "أن الأردن قد يجد نفسه في دائرة الاتهام على كل الاتجاهات".
وشدد أبو الراغب، في حوار اجرته يومية "الغد" ونشرته صباح الثلاثاء ، على ضرورة العمل على تعديل قانون الجنسية الحالي، ليتلاءم مع الأوضاع السياسية المتعلقة بدعم القضايا الفلسطينية، ومواجهة المخططات الإسرائيلية، و"قوننة فك الارتباط" بصورة شفافة وواضحة تزيل الإشكاليات، وتقلص هامش الاجتهادات، وتقدم الضمانات للأردنيين من أصول فلسطينية بعدم التعرض لجنسيتهم وأرقامهم الوطنية.
وقال "يجب أن نكون واضحين، المواطن الأردني أردني، ويجب أن نغلق موضوع سحب الرقم الوطني من أي أحد، أما أن ينام الناس أردنيين ويصحوا بلا جنسية فهذا كلام لا يجوز".
وأكد رئيس الوزراء الأسبق أن الحديث عن تعديل المواد الدستورية، التي تمس صلاحيات جلالة الملك، هو حديث فيه "مغامرة سياسية غير محسوبة"، متسائلا: "أليس من المنطق أن نبدأ تجربتنا في الحكومات النيابية وتوسيع مشاركة مجلس النواب باختيار الحكومات، وبعد نضج التجربة وتجذر الحياة الحزبية، تتطور الأمور باتجاه إعطاء مزيد من الصلاحيات للمجالس النيابية، حسب رأيه.
وعبر أبو الراغب، في هذا السياق، عن خشيته من "الفوضى والقفز للمجهول والمجازفة والتخريب".
وحول مطالب الحركة الإسلامية واشتراطها تعديل مواد الدستور المتعلقة بصلاحيات الملك، قال أبو الراغب "نحن لا نملك بدائل لكي نحاول الاقتراب من صلاحيات الملك، ثم إننا ما زلنا غير مستعدين لذلك".
وأضاف "لا يوجد عندنا أحزاب مجربة، سياساتها واضحة وأجنداتها وطنية تم اختبارها، ولا نملك تجربة حزبية حكمت وقدمت"، وقال "من غير المنطقي أن نغامر بأمن واستقرار البلاد من أجل إرضاء الحركة الإسلامية وحدها".
ويرى أبو الراغب أن ما تحقق من الإصلاحات "لم يكن مجرد خطوات استرضائية أو انصياعا لمطالب الشارع، بل شكلت نقطة لقاء بين النظام والشارع في تبني أجندة إصلاحية".
وبين أبو الراغب أن الإصلاحات التي طالب بها الحراك، جاءت معبرة بالفعل عن تطلعات جلالة الملك التي طالما ظل يطالب بها منذ تسلمه سلطاته الدستورية.
وأكد رئيس الوزراء الأسبق أن هناك أزمة ثقة بين المواطن والحكومات، لأنها سلمت قراراتها لغيرها، وعلى الحكومات أن "تستعيد ولايتها" وتعرف كيف تقنع المواطن بأنها تتكامل مع باقي مؤسسات الدولة ولا تتبع لها، مع استمرارية برنامج الإصلاح وتنفيذ وعود خريطة الإصلاحات، كما أنه من الضروري مواجهة كثير من الإشاعات والافتراءات بالحقائق، معتبرا أن الأسباب السابقة هي سبب رئيس للاحتقان في الشارع.
وحول الجدل الدائر على قانون الانتخاب، أوضح أبو الراغب أنه مع الإبقاء على الدوائر الانتخابية كما هي لأنها رتبت مكتسبات لأصحابها لا يمكن العودة عنها، حيث إنها جاءت متوازنة، وتمثل أكثر فئات المجتمع.
وعن النظام الانتخابي أكد أبو الراغب أن المرحلة تتطلب مجلس نواب فيه حصة أكبر للتمثيل السياسي ليمارس سلطته التشريعية والرقابية على الحكومات، وبما يكفل المبدأ الدستوري في التوازن بين السلطات، معتبرا أن قائمة الوطن هي الخطوة الأولى في الإصلاح البرلماني.
وبين أبو الراغب أهمية التوافق على القانون، لا أن "يصمم لصالح طرف دون آخر".
وفي الموضوع الاقتصادي قدم أبو الراغب جملة من الأفكار والمقترحات للخروج من أزمة عجز الموازنة وتفاقم المديونية، مشددا على ضرورة إخضاع الضريبة لمبدأ التصاعدية لكن بشكل لا يضر بالاستثمارات العربية والأجنبية.
وفيما يلي نص الحوار:
• بداية، أي مشوار ترى أننا قطعناه في مسيرة الإصلاحات، وأين نقف اليوم؟
- بداية أسجل للحراك الشعبي والشبابي، وحتى السياسي، وعيه وحرصه ووطنيته، بالفعل تميزنا عن سائر الدول العربية التي شهدت رياح ربيع وإصلاحات ديمقراطية، التي بدأت مع الثورة التونسية، وانتقلت بين كثير من الدول، تاركة آثار تغيير إيجابية في بعض تلك الدول، فيما تركت آثارا سلبية ودماء ما زلنا نراها لدى البعض للأسف.
شهادة حق، أن ربيع الإصلاحات الأردني تطور بشكل إيجابي ولافت. فلقد أحرزنا تقدما كبيرا في الإصلاحات العامة، على صعيد التشريعات وغيرها.
وأنا إذ أعلن انحيازي للإصلاح، وذلك لأنني أراه إصلاحا إيجابياً، وليس مجرد خطوات استرضائية، أو انصياعا لمطالب، ليست خطورتها فقط في عدم واقعيتها، ولكن في السلوك الذي تنتهجه نحو مزيد من مطالب ستستنزف المنجزات والمكتسبات.
وأسجل بفخر واعتزاز أن هذه الإصلاحات جاءت مشفوعة بحراك حضاري سلمي عم مناطق واسعة من البلاد، مطالبا بتحقيق إصلاحات جذرية وجوهرية، وهو ما حصل فعلا، كما يسجل للقيادة استجابتها للمطالب المشروعة والمُحقة.
وهنا أتوقف عند طبيعة بلادنا ونظامنا السياسي، فعلى مدار العام والنصف الماضية شهدنا حالة إيجابية، يجب أن نتوقف عندها، وهي أن الإصلاحات التي طالب بها الحراك، جاءت معبرة بالفعل عن تطلعات جلالة الملك، التي طالما ظل يطالب بها منذ تسلمه سلطاته الدستورية.
ثمة فلسفة ملكية في الإصلاح، تصلح لأن تكون نظرية في الحكم، فالملك ومنذ جلوسه على العرش عرض بإسهاب فكرة تلازم المسارات في الإصلاح السياسي والاقتصادي.
وجلالته يريد إصلاحا يستطيع أن يلبي الحاجات الوطنية، ويخدم أهداف الأردن الاقتصادية ويحصن حقوقه السياسية، فجلالته يريد إصلاحا شاملا، سياسيا يؤدي إلى حياة ديمقراطية ومؤسسات دستورية، تؤدي إلى شعور المواطن بأنه يعيش حياته بحرية، واقتصاديا يمكن المواطن من الحياة بكرامة، لتنعكس هذه المعاني الإصلاحية بجميع أوجهها على حياة المواطن رفاه واسترخاء.
لا شك أن العديد من العقبات والعثرات وقفت في طريق رؤية جلالته، فنحن في بلد، لم يعرف الهدوء- منذ أكثر من نصف قرن، لكن لا شك أن الملك وجد في الربيع العربي الفرصة لتنفيذ أجندته الإصلاحية التي ظل يطالب بها منذ اعتلائه العرش.
وفي الأردن لدينا قاعدة مؤسسية وبنية قانونية يمكن أن تنجز المشروع الإصلاحي، والمطلوب هو حالة من الرشد السياسي، والحرص على الوطن والمواطن، وليس التعامل مع الوطن بمنطق الغنيمة، وإرهاقه بالطموحات الشخصية لبعض القوى السياسية، واستغلال الأوضاع غير المستقرة نحو تجييش الشارع وتحشيده، وعلى الأردنيين أن يلتفتوا لبؤس وتهافت كثير من التيارات، التي تدعي الإصلاح وتطالب به.
• لكن الحراك الشعبي والشبابي، ما يزال يعتبر أنه لم يحقق ما يصبو إليه من إصلاحات، كما أن هناك من يقول إن الحراك الشعبي مورست ضده أشكال من "العنف والقوة"، و"البلطجة" أيضا؟
- أنا اخالف من يعتقد أنه لم تتحقق أي إصلاحات، وما تحقق منها خلال العام والنصف هو شيء جوهري ومهم، فالتعديلات الدستورية الواسعة التي أنجزت تضمنت نصوصا جوهرية جسدت الكثير من مطالب الأردنيين، وستصل بالدولة لمستويات متقدمة من احترام حقوق الفرد وحريته وضمان حقه بالتعبير وتفعيل مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، كما تم إقرار قانوني الهيئة المستقلة للانتخاب، والمحكمة الدستورية، وهي مؤسسات دستورية جديدة ومهمة في إدارة شؤون الدولة، واليوم نقف على اعتاب إقرار قانون انتخاب، يعتبره الجميع نقطة مهمة في التأسيس للإصلاح البرلماني، ولذلك يجب أن نتوافق عليه، وعلينا جميعا أن نتقدم خطوة على طريق التوافق عليه.
يجب أن ننظر جميعا بإيجابية لما قطعناه من شوط على طريق الإصلاحات.
حتى في الإصلاح الاقتصادي، ثمة ما هو جيد قادم على الطريق، ففتح النقاش حول قانون الضريبة من جديد يؤسس لمرحلة إصلاحية اقتصادية مهمة، وكذلك بالنسبة للقوانين الاقتصادية المسكوت عنها، التي تحمي المستهلك، ونفض الغبار عنها هي خطوة على الطريق نفسه.
بكل أمانة، فإن ما تحقق لم يكن من السهل تحقيقه لولا جهود هذا الحراك، واستجابة النظام بروح إيجابية لهذه المطالبات المشروعة والعادلة.
• لكن قانون الانتخاب ما يزال عالقا، وكأنه عصيّ على التوافق، وإن لم تتوج الإصلاحات المذكورة بقانون انتخاب ديمقراطي وتوافقي، ستبقى المشكلة؟
- لا شك أن قانون الانتخاب، هو محور الحياة السياسية، ومفصل أساسي في منظومة الإصلاح، لكن قبل الحديث عن القانون، لا بد من الإشارة لأسباب الاحتقان، وهي أسباب ليست خافية على أحد، وهي ناتجة عن أحداث حصلت، كما في الانتخابات النيابية الاخيرة وقبل الاخيرة التي شابها من شبهات، فلم يعد المواطنون يحترمون العملية الانتخابية، وأخذوا يقاطعونها ولا يعترفون بنتائجها، لذلك فإن الناس تريد اليوم قانونا انتخابيا عصريا وحداثيا، يضمن لهم النزاهة.
كما أن تصاعد الحديث عن الفساد، وبالأرقام التي يجري تداولها، اسهم في حالة الاحتقان، ورافق كل ذلك، طبعا، تباطؤ اقتصادي وظروف معيشية صعبة. هذه هي المحركات الحقيقية للحراك الشعبي كما أرى.
وإن كانت أجواء الغضب التي نلاحظها في الشارع، تمثل تعبيرا عن هذا الاحتقان، فإن المواطن الأردني ما يزال يتمتع بالكرامة الوطنية، والأردن لم يبع يوما لمواطنيه شعارات وأوهاما، ويسليهم ببطولات كاذبة، وما تحقق على أرض الواقع من إنجازات يفوق بمراحل ما كان ينتظره الرعيل الأول من مؤسسي إمارة شرق الأردن وهذه حقيقة.
• إذن، ما السبيل للخروج من هذه الأزمة؛ المواطن غاضب، ويعتبر أن الإصلاحات تنفذ ببطء؟
- هنالك أزمة ثقة، المواطن لم يعد يثق بالحكومات، لأنها سلمت قراراتها لغيرها، وعلى الحكومات أن تستعيد ولايتها وتعرف كيف تقنع المواطن بأنها تتكامل مع باقي مؤسسات الدولة ولا تتبع لها، مع استمرارية برنامج الإصلاح وتنفيذ وعود خريطة الإصلاحات، كما أنه من الضروري مواجهة كثير من الإشاعات والافتراءات بالحقائق، والوقائع وعلى الجميع التعاون من اجل الحقيقة ومن اجل العمل لمستقبل افضل، بدون النبش في الماضي، ذلك ان أجواء الانفتاح التي تزامنت مع الربيع العربي أطلقت العديد من الظواهر، بعضها نعتقد ببراءته الكاملة، والآخر نشكك فيه ونرى ضرورة تعريته وفضحه.
• نعود إلى قانون الانتخاب والصيغ الأكثر تناسبا مع المرحلة؟
- أستطيع أن ألاحظ فقدانا في التوازن لدى الحديث عن صيغ قانون الانتخاب، فبعد أن جرى "حوار وطني" على القانون تم وضع مخرجات اللجنة جانبا، ثم جاءت حكومة رئيس الوزراء السابق عون الخصاونة بقانون انتخاب، قال الرئيس نفسه إنه غير راض عنه، ومع ذلك قدمته حكومته لمجلس النواب!
واليوم يجري الحديث عن قانون فيه صوت أو صوتان للدائرة وصوت للمحافظة أو صوت للقائمة الوطنية.
برأيي أن مسألة الدوائر الانتخابية، يجب الإبقاء عليها كما كانت في انتخابات 2007،2003، 2010، لأنها رتبت مكتسبات لأصحابها، لا يمكن العودة عنها حيث انها جاءت متوازنة، وتمثل اكثر فئات المجتمع، وهي من الثوابت التي تضمن مستوى تمثيل أفضل، لكن إن كان هناك من يرى أن أعداد المقاعد يجب أن يرتفع في بعض المناطق فهذا أمر ممكن، خصوصا في مناطق الكورة والشونة الشمالية والرصيفة وعمان، وربما غيرها، طبعا مع الإبقاء على الكوتا النسائية، بـ15 مقعدا. أما بخصوص القوائم النسبية، فيجب أن نجيب أولا عن سؤال: هل نريد فعلا تنمية سياسية، وهل فعلا نريد أن يختار الناخب مرشحيه على أساس البرنامج الانتخابي السياسي؟
وهنا، إذا أردنا أن ننظم مجتمعنا سياسيا، بشكل يشجع المواطنين على التفاعل مع البرامج الحزبية والسياسية، فيجب تطوير قانون الانتخاب بشكل يضمن تنمية الحياة الحزبية والسياسية، ويوسع المشاركة ويعزز التمثيل، ويؤطر المنافسة في قوائم ورؤى برامجية، ويحاصر مفهوم نيابة الخدمات والواسطة. وهو أمر لن يتحقق خلال الحديث عن صوت للمحافظة، وصوت للدائرة الفردية.
وأتساءل هنا: إن أردنا إحداث تنمية سياسية فعلية فهل يحقق "صوت المحافظة" ذلك؟ وماذا سأسمي النائب عن المحافظة، وما صفة أدائه تحت القبة؟ بهذه الصيغة لربما تغلب الجهوية والمناطقية على نواب المحافظات، حيث سيتم اختيار نواب ليس بالضرورة لهم برامج سياسية نظرا لخصوصية كل محافظة، وعدم وجود ترابط سياسي مع المحافظات الأخرى.
لست ضد أي توجه، والموضوع مطروح على الحكومة ومجلس الأمة، لكن باعتقادي نحن نريد مجلس نواب فيه حصة اكبر للتمثيل السياسي، ليمارس سلطاته التشريعية والرقابية على الحكومة، وبما يكفل المبدأ الدستوري في التوازن بين السلطات.
لذلك برأيي، أن قائمة الوطن هي الخطوة الأولى في الإصلاح البرلماني، والتي من الممكن أن تدفع الناخبين لاختيار مرشحي قوائم على هدي من البرامج السياسية الوطنية.
أما حول حصة القائمة الوطنية، وهل تكون 25 مقعدا او اكثر، فهذا موضوع يعتمد على الدوائر والتمثيل، وما يقرره مجلس الأمة، بحيث أن القانون في عهدته الآن، لكن برأيي إن أردنا أن نعطي الناخب صوتا لدائرته، فعلينا أن نزيد حصة القائمة الوطنية، لتصل إلى 25 نائبا، أي صوت للدائرة وصوت للقائمة على مستوى الوطن، بحيث تكون القائمة مغلقة، ويتم إعطاء الكتلة الأولى مثلا 10 نواب والثانية 7 والثالثة 5 والرابعة 3 نواب، وبهذا تشارك عدة جهات سياسية.
فقانون الانتخاب ليس كـ"الكعكة" تقسم بالتساوي، لكن بهذه الصيغة، قد نضمن لمعظم القوى السياسية حصة من المشاركة، وبعيدا عن خدمة طرف على حساب طرف آخر.
وهنا تكمن أهمية التوافق على القانون، لأنه يجب أن لا يصمم لصالح طرف دون آخر، ولا يجوز بأي شكل من الأشكال أن نسمح بتغول طرف سياسي على آخر، وعلى الجميع أن يدرك ذلك.
أما في حالة أن يكون هنالك أكثر من صوت للدائرة وصوت للقائمة، فهنا اقترح أن يكون هنالك صوت للدائرة وصوت للقائمة في الدوائر التي فيها مرشح واحد، وأن تكون القائمة الوطنية 25 مقعداً، وفي حالة إقرار صوتين للدائرة وصوت للقائمة يكون ذلك للدوائر التي فيها مرشحان أو أكثر، فيما يخصص للقائمة الوطنية في هذه الحال 20 مقعدا مثلاً، وتقسم إلى 8 للقائمة الأولى بالأصوات، ومن ثم 6 للثانية و4 للثالثة و2 للرابعة، وبهذا الشكل يمكن لنا أن نبدأ مرحلة تطوير الحياة السياسية، بحيث تنسجم مطالبنا مع ظروفنا، فوضعنا له خصوصية ولا يتشابه مع البلدان الأخرى، لذلك يجب أن تكون مطالبنا مناسبة لشكل نظامنا وتركيبة سكاننا، ومن هنا فإنه لا يمكن الشروع في أي حوار على أي أمر كان بشروط مسبقة، علينا جميعا أن نقدر الظروف الوطنية والتعقل في مطالبنا وشعاراتنا الإصلاحية.
• ماذا عن رفع سقف الشعارات والهتافات التي طالت المطالبة بتحديد صلاحيات الملك وتعديل المواد المتعلقة بتعيين رئيس الوزراء؟
- الحديث عن تعديل المواد الدستورية التي تمس صلاحيات جلالة الملك هو حديث فيه مغامرة سياسية غير محسوبة.
أليس من المنطق أن نبدأ تجربتنا في الحكومات النيابية وتوسيع مشاركة مجلس النواب باختيار الحكومات، وعندما تنضج التجربة وتتجذر وتنمو الحياة الحزبية، فإن التطور سيكون ضمنيا، وأن الملك نفسه سيطور الأمور باتجاه إعطاء مزيد من الصلاحيات للمجالس النيابية حسب رأيي، فلماذا الغمز من قناة الفوضى والقفز للمجهول والمجازفة والتخريب، فأي عقل وطني يقف وراء مثل هكذا مطالبات! إلا إن كان بين ظهرانينا من يريد أن تعصف المخاطر بالبلاد والعباد.
ما زلنا نقول إن الدستور قابل للتعديل، والدستور ليس كتابا مقدسا، فمتى توافرت الأجواء السياسية لتعديل أكثر وأشمل، فلكل حادث حديث.
فالأردن بلد له خصوصية، سياسية واجتماعية مختلفة عن باقي البلدان، يجب أن نحافظ عليها وإلا ستكون البلاد مفتوحة على الفوضى، ولربما يأتي الإصلاح بمعادلات سلبية قد لا تكون نتائجها إيجابية.
نحن نحتاج إلى تجربة عملية في الديمقراطية، ونحتاج أن نختبر أنفسنا وخياراتنا في العمل السياسي، ونبدأ بتكريس الأعراف الدستورية ومتى وجدنا أنها تناسبنا جميعا، عندها ستتحول الأعراف إلى أحكام، وبعدها أنا متأكد من أن شعبنا سيكون صاحب تجربة ديمقراطية فريدة، وسيقدم أداء سياسيا رفيعا، لأن شعبنا من أوعى شعوب المنطقة، ولنا تجربة سياسية تاريخية لكن يجب علينا أن نستحضرها ونعيد التذكير بها، لكن خلال التدرج وليس القفز بالهواء.
• لكن وأنت تتحدث عن الحوار على قانون الانتخاب، نعتقد أن الوقت بدأ ينفد، فالانتخابات المبكرة على الأبواب، وهناك توجه ملكي بإجرائها قبل نهاية العام؟
- أنا لا أعارض الرغبة الملكية، وأنا معها، وإنما أتمنى أن تجري انتخابات نيابية تعيد الثقة بالسلطة التشريعية والرقابية، لنتجاوز بها عقدة أزمة الثقة بين الشارع وممثليه، لكني أخشى من عامل الوقت، فالوقت أمامنا ضيق جدا.
فماذا لو تأخر إجراء الانتخابات شهرا أو شهرين؟ الآن يجب ان يجرى تسجيل جديد صحيح، بموجب القانون الجديد، وهذا لا يجري في ايام بل يحتاج إلى وقت كاف، بسبب الإجراءات التي يجب أن تتبع "التسجيل والاعتراضات والكشوفات النهائية"، فعندما يكون قانون الانتخابات جاهزا، ستبدأ الإجراءات، وهذه الخطوات تحتاج إلى وقت طويل، بمعنى أنه يمكن أن تجرى الانتخابات العام المقبل.
فجلالة الملك حريص جدا على نجاح العملية الانتخابية برمتها، ولا أرى ضيرا في تأخير الانتخابات؛ إذا كان الهدف ضمان التسجيل الصحيح والمشاركة الواسعة، والفاعلة لكل أبناء الوطن والخروج بانتخابات تمثل نموذجا للنزاهة والشفافية.
المهم الآن هو إنجاز قانون الانتخابات بنظام انتخابي توافقي، ومن بعدها نبدأ الإجراءات والعمل لإنجاح هذه الانتخابات.
يجب أن ننتهي من قانون الانتخاب على توافق بين معظم شرائح المجتمع، وأتمنى على القوى السياسية أن تفهم التوافق بأنه الحد المعقول من التطلعات، وليس سقف طموحاتهم.
بمعنى البدء من أن التوصل إلى قانون انتخابي يلبي الحد الآمن والمعقول من التوافق، لضمان مشاركة الجميع، ثم ننطلق من فرصة الإصلاح البرلماني إلى فضاءات أرحب، لكن تراكم التجربة ستتيح للناخب فرص الاختيار الأمثل والأنسب والأكفأ، وليس على مستوى القائمة مستقبلا فقط، بل حتى على مستوى الدوائر الفردية أيضا.
بالعودة إلى الانتخابات المبكرة أقول وبكل صدق، يجب أن نأخذ الوقت الكافي لضمان إجراء الانتخابات بنزاهة وشفافية، فالهيئة المستقلة للانتخابات أمامها جهد وعمل مضن.
ولا ننسى أن عملية إعادة تسجيل الناخبين أمر معقد ويحتاج لوقت محدد وكاف، ففي انتخابات العام 2007 تم نقل أصوات الناخبين ثم جرى نقل أخرى عام 2010 واصبحت الجداول غير ممثلة للناخبين، وعليه اعتقد أنه من الضروري إعادة عملية التسجيل على نحو قانوني وصحيح، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يجب أن نضمن أن يكون الوقت المحدد لتسجيل الناخبين محفزا وضامنا لتسجيل أكبر نسبة من الأصوات، لنتجاوز أي مشكلة تتعلق بضعف الإقبال على التصويت نتيجة عدم التسجيل للناخبين.
ثم لن تنتهي العملية عند تسجيل الناخبين فقط، وهي عملية مضنية لأنها تتضمن تسجيل الآلاف يوميا، ثم ندخل في عملية كاملة ومواقيت يجب أن تمر بها عملية إعلان الجداول النهائية للناخبين، وقبل ذلك هناك إعلان الجداول تمهيدا لمن يريد الاعتراض عليها، ثم هناك مدد للطعن بجداول الناخبين وهذه تنظر أمام القضاء.
بعد كل هذا تبدأ العملية الإجرائية للانتخابات، من تسجيل مرشحين وإعلان مدة الدعاية الانتخابية. لكن حتى نصل إلى هذه المرحلة، فهناك خطوات مهمة وتحتاج إلى وقت كاف، فأنا مع أن يأخذ كل إجراء حقه من هذه الإجراءات.
• في هذه الأجواء، وفي موضوع مشاركة الإسلاميين، هناك صوتان في الدولة، صوت يقول نريد انتخابات نظيفة بصرف النظر عن مشاركة أي قوى سياسية، والمقصود بالتحديد الإسلاميين، وهناك من يقول إن انتخابات بدون مشاركتهم، عملية غير مجدية سياسيا وإصلاحيا؟
- الاخوان المسلمون، كانوا وما يزالون جزءا من النسيج الوطني، وفي الوقت الذي طوردت فيه أجنحة الإخوان في مصر وسورية، فإنهم حظوا في الأردن، بمعاملة متقدمة على المستوى الرسمي والحرية السياسية، وهذا أعطى دوراً مؤثرا لنمو التيار الإخواني في الأردن وحصوله على وضعية مؤثرة.
وواقع الأمر، ان الإخوان مهما اختلفت وجهات النظر معهم، يمثلون الوجه المعتدل ضمن طيف تيارات الإسلام السياسي، ويمكن التعامل معهم كشريك حقيقي، وفاعل في أي منظومة سياسية، ما داموا متمسكين بما عرفنا عنهم من اعتدال ووسطية وتقدير للمصالح الوطنية العليا.
ودعونا نعترف أن الحركة الإسلامية بجناحيها جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب جبهة العمل الإسلامي، لهم حضور سياسي واجتماعي، ودعونا نعترف أيضا أن مشاركتهم في الانتخابات أمر ضروري، ليس فقط للانتخابات بل لهم أيضا.
على مر التاريخ السياسي خلال الـ22 عاما الماضية، فإن الإسلاميين خاضوا انتخابات العام 1989 ونجحوا بعدد جيد من المقاعد، ثم في العام 1993 بموجب قانون الصوت الواحد، خاضوا الانتخابات وحصدوا نتائج طيبة، ثم قاطعوا انتخابات العام 1997، وعادوا في العام 2003 وحصدوا مقاعدهم.
ثم شاركوا في انتخابات العام 2007، ولنكن صريحين، فإنهم حصدوا عدد مقاعد قليلا نتيجة عمليات التلاعب التي مورست ضدهم وضد غيرهم من المرشحين المستقلين.
لكنهم لم ينسحبوا ولم يقدموا استقالاتهم من مجلس النواب الخامس عشر، لكن قد يكون هذا السبب الرئيسي لمقاطعتهم انتخابات العام 2010.
أما قصة الشروط المسبقة في الحوار فهذا بعيد عن التقاليد السياسية، والتي لا ترقى لحوار السياسيين في بلادنا، فنحن في هذا البلد نحترم بعضنا حتى وإن اختلفنا سياسيا، أما رفض الحوار إلا بشروط مسبقة، فهذا بعيد عن تقاليدنا السياسية.
فعندما تشترط الحركة تعديل المواد 34 و35 و36 من الدستور، وهي المواد المتعلقة بصلاحيات الملك قبل الجلوس للحوار، فهل هذا معقول؟
ثم من قال للحركة الإسلامية إن الشعب يقبل المساس بصلاحيات الملك، أين هي الأحزاب والقوى السياسية التي ستحكم، وأين الأغلبية التي ستحكم؟!
دعونا نحتكم للمنطق ونبتعد عن التضليل، نحن لا نملك بدائل لكي نحاول الاقتراب من صلاحيات الملك، ثم إننا ما نزال غير مستعدين لذلك.
فنحن لا يوجد عندنا أحزاب مجربة، سياساتها واضحة وأجنداتها وطنية تم اختبارها، ولا نملك تجربة حزبية حكمت وقدمت، لذلك من غير المنطقي أن نغامر بأمن واستقرار البلاد من أجل إرضاء الحركة الإسلامية وحدها.
فبعض الحراكات الشعبية الحاضرة في الشارع لا تقبل بذلك، ولا تريد لصلاحيات الملك أن تمس، فكيف تأخذ الحركة على عاتقها ذلك.
اليوم يسعى الإخوان إلى حرق المراحل واعتلاء أرضية غير جاهزة، واختطاف المشهد العام لمصلحة مشروعهم، وذلك خلال مناداتهم بالملكية الدستورية، التي كان الملك عبدالله الثاني أول من أشار إليها ووضعها ضمن تصوره الإصلاحي بعيد المدى، الذي يراعي طبيعة المجتمع الأردني، ومصالحه العليا والعامة، بينما يتصورها الإخوان فرصة سانحة يتمكنون خلالها من الاستيلاء على السلطة التنفيذية من بوابة السلطة التشريعية، بدون النظر أن العديد من المكونات السياسية الأخرى لم تأخذ فرصتها في وضع الأطر العامة التي تمكنها من المشاركة.
أقول بكل صدق وأمانة إن الأجواء والظروف مواتية للإصلاح، وعلينا جميعا أن نستثمرها ونستغلها، لكن يجب أن نبدأ بالتدرج وأن نقوم بالتطوير المنهجي، أما القفز بالهواء فهذا أمر غير محسوب النتائج، وسيحملنا لفوضى غير محمودة العواقب.
نحن وطن له دستور عريق، وصلاحيات الملك في الدستور هي صلاحيات ضامنة لاستقرار البلاد سياسيا وامنيا، ولم يستخدم ملوك الأردن على مدى التاريخ السياسي هذه الصلاحيات تعسفيا، بل كان المغفور له الملك الحسين رحمه الله، والملك عبدالله الثاني أطال الله في عمره، كانا هما الورقة الضامنة سياسيا لأي أزمة استعصاء سياسي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وبدون ذلك سيفضي الابتزاز السياسي بين السلطتين لأزمات سياسية، سيكون الخاسر الوحيد منها المواطن الذي يتمتع اليوم باستقرار البلاد سياسيا واقتصاديا.
ندعو الإخوان لخطاب يرتقي للمسؤولية الوطنية كما كان خطابهم طوال العقود الماضية، وليس استعارة خطاب الآخرين واستيراد معاركهم للداخل، ونأمل أن يتغلب صوت العقل والضمير بين أبناء الحركة لتفويت الفرصة على المتربصين والمزاودين، الذين يلبسون خطابهم السياسي بمقولات فضفاضة وغير قابلة للإعراب على المستوى الوطني، فالأردنيون يتجاوزون الجدل حول مسألة الولاية العامة، ويعرفون أن مبادئ الدستور تنص على أن الملك يرأس السلطات ليكون المرجعية الأخيرة التي تضمن التوازن، وتجنب الوطن تبعات الأزمات السياسية العارضة، بخاصة أن الأردن لم يتجاوز إلى الآن وضعية (بلد المواجهة)، ولا يمكن أن يتجاوزها إلا في إطار تحقيق إصلاح عادل وشامل وحقيقي في المنطقة، أما من يتعامى عن هذه الحقائق، فهو لا يضع العربة أمام الحصان فقط، ولكنه يسعى إلى قتل الحصان الذي يمثل المشروع الوطني بجانبيه السياسي والاجتماعي.
ثم دلوني على أي تجربة لهم في الحكم، أنتجت مشهدا سياسيا متوازنا، في غزة أم في مصر، أنا أقول ومصر على رأيي بأن استفراد أي قوى سياسية في الحياة السياسية من شأنه تأزيم الوضع الداخلي وتهديد السلم الإهلي، لأن الاستحواذ على السلطة من قبل طرف سياسي لن يحل أزمة البلاد، فالحراك سيبقى في الشارع لكنه سيرفع شعارات أخرى.
مطلوب حالة من الرشد السياسي والحرص على الوطن لا التعامل معه بمنطق الغنيمة لإنجاز الإصلاح
دعونا ننطلق إلى أجواء سياسية فيها من التعددية والتفاهم والتوافق على المصالح الوطنية، حتى لا نجعل من الإصلاح السياسي وسيلة لخلق الفوضى.
انظروا إلى مصر ومدى الاحتكام للتفرد في الشارع وما نتائجه، فالكلام عن محاكم ثورية بدلا من المحاكم النظامية، والخلاف الحاصل بين مجلس الشعب والقضاء المصري، لا يوجد فيه من الديمقراطية أي شيء، ثم على من يحترم الديمقراطية أن يحترم إفرازات صناديق الاقتراع، حتى وإن لم تكن تعجب المنافسين.
عندما أعلن خيرت الشاطر ترشحه لمنصب الرئاسة في مصر، وبحسب ما أعلنت وفود من الكونغرس الأميركي من تصريحات نشرت على الصفحات الأولى لكبريات الصحف العالمية، فإنه التزم امامهم باحترام حزب العدالة والتنمية لاتفاقيات معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.
وهنا اسمحوا لي أن اقول لماذا في مصر يتحدث الإخوان المسلمون لغة سياسية معينة، والإخوان المسلمون عندنا على موجة اخرى، لماذا هناك يوافقون على معاهدة السلام مع "إسرائيل" وعندنا ما يزالون يطالبون بإسقاط اتفاقية وادي عربة؟
• لكن هناك فرق موضوعي، فالإخوان المسلمون في مصر اليوم ينافسون على الرئاسة، وعندنا لم يصلوا بعد للبرلمان؟
- جيد أنا اتفق مع هذا الطرح، لكن في حال وصل الإخوان المسلمون للسلطة ما الذي يضمن أن لا يغيروا ملامح المجتمع والنيل من مكتسبات لا يمكن للأردنيين التنازل عنها، مثل الحريات العامة وحقوق المرأة، والكثير من ملامح الحياة المدنية المستقرة في المملكة.
وهنا على الأردنيين أن ينظروا إلى التجارب من حولهم وأن يستفيدوا منها. أنا لا أقول أن نقاوم الإصلاح بحجة أنه يأتي بالفوضى، لكن دعونا نطالب بالإصلاح ونحقق معه خطوات مهمة على صعيد تطوير وتحديث المجتمع، لكن بدون فوضى وبدون المضي بخطوات مجهولة، لها ما بعدها من التخريب وتدمير المؤسسات والمنجزات الوطنية.
• لكن الحركة الإسلامية لا تقدم شروطاً، وبحسب تصريحات قيادييها تقدم مطالب، تتقاطع معها كل المؤسسات السياسية، أحزابا ونقابات وتيارات، وحتى مؤسسات مجتمع مدني، وتتمثل هذه المطالب بقانون انتخاب بقائمة نسبية معتبرة، تغير من مدخلات مجلس النواب؟
- قلت لكم رأيي بقانون الانتخاب، وأنا مع قانون انتخاب عصري حديث ديمقراطي سمه ما شئت، لكنه يجب أن يكون ممثلاً وعادلاً، لذلك شرحت لكم رؤيتي للقانون، أن يكون بـ25 نائبا للقائمة الوطنية إن كان هناك صوت واحد للدائرة الفردية.
أما الحديث عن 50 % للقائمة النسبية الوطنية فهذه خطوة أتمنى أن نبلغها مستقبلا، وليس في مجلس النواب المقبل، لأن خطوة بهذه الحجم تحتاج لتمارين ديمقراطية، وتحتاج لقوى سياسية وحزبية ناشطة وفاعلة وحقيقية على الأرض، وناخبين يثقون ببرامج وأجندات هذه القوى.
ما لا أفهمه لماذا المغالاة في المطالب السياسية، نحن دولة كنا مثالا يحتذى به في كثير من المجالات، صحيح أنه في السنوات القليلة الماضية رأينا تراجعا في الوضع الاقتصادي والمعيشي، لكن لا يعني ذلك أن الدولة الأردنية "خربانة".
قبل سنوات فقط كنا مثالا يحتذى به في مجالات المالية العامة، وتقديم الخدمات ودعم الطبقات الفقيرة والمؤسسية المهنية، المستندة على الدستور والقانون، لذلك نتمنى أن نعود في الخطوة الأولى من الإصلاح إلى هذا الوضع، ثم نشرع بتأسيس مرحلة إصلاحات نوعية، تليق بالمواطن الأردني الواعي، وبأداء مؤسساتنا الدستوري، وعلينا أن نعي جيدا أن النظام عندنا هو صمام أمان لتنفيذ كل ذلك.
واليوم، وأمام غضب الناس واحتقانهم والشعور باليأس والغضب وغياب الثقة، فإن المواطن يبدو، وكأنه لا يعرف من أين يبدأ، وطبعا يعزز ذلك هو "الطخ" العشوائي، فالمسؤولون جميعا بقناعة الشارع فاسدون، والجميع متهم حتى تثبت براءته، وقطعا أمام هذه الفوضى والغضب والاحتقان هناك جهات مستفيدة من تعطيل مسار الإصلاح.
• في الموضوع الاقتصادي، تركت تداعيات الأزمة الاقتصادية أثرا بالغا على اقتصادنا، واليوم كيف ترى مجريات الشأن الاقتصادي والقرار الاقتصادي؟
- الموضوع الاقتصادي يصعب الحديث فيه، بعيدا عن الاطلاع على آخر الأرقام الاقتصادية التي في حوزة الحكومة، وبصراحة أقول أعان الله جميع من هم في المسؤولية، فالوضع لم يعد سهلا، وذلك نتيجة للمماطلة والعشوائية في اتخاذ القرار الاقتصادي.
• هل أنت متخوف على الدينار؟
- حاليا أنا لست خائفا على الدينار، لكن في كثير من الحوارات مع رجال الاقتصاد هناك تخوف من العودة إلى سياسات صندوق النقد الدولي، وهو الأمر الذي يدعو للقلق.
نحن أتممنا التزاماتنا مع الصندوق عام 2003 وبالعافية تخرجنا عام 2004 إذا لماذا نعود لنعيش في ظل الصندوق؟!
فسياسات أو قرارات صندوق النقد الدولي، تخيف أي صاحب قرار، لأنها محكومة بنقاط محددة ويجب تطبيقها بحرفية بدون النظر إلى مضاعفاتها الاجتماعية، كثير من الشباب لم يعيشوا تجربة التسعينات وكيف كان قرار رفع أسعار اي سلعة أو خدمة وتداعياته، من المحزن والمؤسف إن عدنا للصندوق لاننا سنكون عدنا إلى الوراء.
• إذن ما السبيل لإبعاد شبح صندوق النقد الدولي عن قرارنا الاقتصادي؟
- قبل كل ذلك، يجب أن يعود الاقتصاد الوطني إلى حجمه الطبيعي، وأن نتوقف عن المبالغات في المشاريع الكبرى، لأن حجم اقتصادنا لا يسمح لنا أن نبني "قصورا في الهواء"، ويجب أن تحاكي مشاريعنا الخدمية على الأرض أرقام اقتصادنا الوطني.
لا أريد أن أسمي أشخاصا ومشاريع بعينها، لكن كنا قد اسرفنا في الأحلام والمشاريع، ما أدى إلى وقوفنا في المنتصف، فلا وفرنا الأموال المهدورة على مشاريع كبرى لم تنفذ، ولا انجزنا تلك المشاريع لتعود بالنفع على المواطن.
كما على الحكومة ترشيق القطاع العام والحكومي، ووقف نزف المؤسسات المستقلة التي استنزفت منا أموالا طائلة بلا أي خدمة أو منفعة تعود على الناس.
هناك حزمة من الإجراءات السريعة والعاجلة، وعلينا أولا مراجعة النفقات الجارية بشكل سريع وعاجل وتخفيضها، مع تقديم التضحيات من قبل الجميع، ثانيا تنشيط الاقتصاد الوطني وزيادة النمو الاقتصادي، وتقديم حوافز.
لقد قامت الحكومة بوضع موازنة تقشفية للتعامل مع ضرورة ضبط عجز الموازنة وتخفيف الإنفاق.
لكن التوجه في الاقتصاد العالمي الآن، هو عدم الاعتماد على السياسات التقشفية فقط في ضبط الموازنات وإصلاح الأمور المالية للدول، بل التوجه هو للتقشف في النفقات إلى جانب تنشيط الاقتصاد، وعليه أعتقد أن هذه المعادلة وإذا كانت متوازنة، فمن الممكن أن ننجح في الإصلاح الاقتصادي بأقل الخسائر وتخفيف حدة البطالة والفقر، مع دعم الاستثمار المحلي والعربي والدولي. وعليه، فمن الضروري أن نتوجه إلى هذه السياسة الاقتصادية، ولكن بدراسة وافية لهذا الموضوع، واستراتيجية واضحة المعالم، وبشكل سريع، فإني أطرح بعض الأفكار خلال:
1 - السيطرة على عجز الموازنة خلال ضبط الإنفاق.
2 - مراجعة النفقات الجارية والعمل على تخفيضها.
3 - العمل على زيادة الإنفاق الرأسمالي، فعلى سبيل المثال: المعونات للمشاريع التنموية من الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي، يحب توجيهها إلى مشاريع صغيرة ومتوسطة الحجم، مثل مشاريع البنية التحتية المسخرة للاستثمار، والتركيز على تحسين الوضع الصحي والتعليمي والخدمات الاجتماعية ودعم تنمية المحافظات، والتأكيد على تشغيل أكبر نسبة من العمالة المحلية.
4 - تعديل الأسعار للسلع والخدمات التي تدعمها الدولة، وتوجيه الدعم للمواطن المحتاج وليس للسلعة أو الخدمة، مثال: الطحين الذي تم دعمه بأكثر من مليار دينار آخر عشرة أعوام، ليذهب أكثر من نصف هذا الدعم لمن لا يستحقونه.
5 - تعديل قانون ضريبة الدخل تصاعدياً.
6 - إيجاد حلول سريعة وفاعله للقطاعات المتعثرة، مثل بعض الصناعات التحويلية والقطاع العقاري وقطاعات مالية وخدمية أخرى.
7 - إعادة تخطيط الإنفاق المالي وعدم التوجه للاستدانة الداخلية، لقد استأثرت الحكومة بحوالي نصف التسهيلات المقدمة من البنوك، وهذا ما أدى ويؤدي إلى انحسار الاستثمار من القطاع الخاص.
8 - توحيد المؤسسات المستقلة وضبط إنفاقها وضبط مشاريعها وتوحيد مرجعيتها ما أمكن.
9 - منح الحوافز لكل من يقوم ببناء مستشفيات أو فنادق، أو أي من يقوم بمشاريع تنموية أو مشاريع تشغل عمالة أردنية وفي المحافظات التي بحاجة للتنمية بشكل خاص.
10 - العمل على دعم وتفعيل العلاقات الاقتصادية الأردنية العربية، وبخاصة العراق ودول الخليج وليبيا.
• وماذا عن الإصلاح الضريبي؟
- بالمناسبة، أنا أرفع شعار أن لا يقر قانون ضريبي إلا بتمثيل، وإن سألتموني كيف فإن القوانين الضريبية يجب أن لا تقر إلا خلال مجلس الأمة، لأن أي قانون ضريبة مؤقت إن جاء مجلس الأمة وغير فيه، فإن هذا يعتبر من أسوأ أشكال التخبط الاقتصادي الذي سيضر باستقرار البيئة الاقتصادية.
لكن في سياق الحديث عن قانون ضريبة تصاعدي، فأنا أقر بأن هذا مبدأ دستوري يجب الإقرار به وبسرعة، وأن يخضع قانون الضريبة لأحكام الدستور، وهذا أمر لا جدال فيه.
لكن ونحن نسعى إلى دراسة قانون الضريبة، نقول إن القانون يجب ألا يفرق بين الأفراد والشركات، إلا بشرائح الدخل.
الصورة الواضحة في كل المجتمعات الاقتصادية العالمية الآن عن دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ودعم الطبقة الوسطى، تقوم على وجوب تبني القانون لعدم فرض نسبة عالية من الضريبة على الأرباح، لكي لا نطرد الاستثمار، وفي الوقت نفسه نمكن الطبقة الوسطى من العيش بصورة أفضل.
ففي مجال الشركات، يجب ألا يكون هنالك تمييز بين الشركات سواء كانت بنوكا او اتصالات او تعدينا او اي قطاع، فالضريبة تتحقق على الارباح لكل شركة حسب مداخيلها، فالمبدأ التصاعدي يكون في مجالين؛ الأول الشركات والثاني يتعلق بالأفراد.
في القوانين الضريبية التي قدمت إلى مجلس الأمة في الأعوام 1995 و2001 تم التمييز بين أنواع الشركات، وحددت الضريبة بشكل تصاعدي على شركات معينة، وتم تخفيضها على انواع اخرى، وذلك لتوجيه الاستثمار وتقويته في مجالات معينة، مثل الصناعة والسياحة والخدمات الصحية، وهو ما لم ينعكس بجدوى اقتصادية كبيرة.
لكن وبمناسبة الحديث عن قانون ضريبة جديد يقر بمبدأ تصاعدية الضريبة، فإنني اقترح مايلي: فمثلا على الشركات التي تربح نصف مليون دينار أن تدفع 5 % والتي تربح من نصف إلى مليون أن تدفع 10 %، ومن تربح من مليون إلى 5 ملايين أن تدفع ضريبة 15 % ومن 5 إلى 10 ملايين 20 % ومن 10 إلى 20 مليون 25 % ومن 20 إلى 50 مليون 30 % ومن 50 مليونا فأكثر 35 %.
وفي جميع الأحوال يجب ألا ترفع الضرائب إلى اكثر من النسب المحددة أعلاه خشية أن يقال إن الحكومة الأردنية تقاسم القطاع الخاص أرباحه، وبهذه الصورة نطرد الاستثمارات.
أما على صعيد الفرد، فإن من يقل دخله السنوي على 30 ألف دينار مثلا، فهو معفى من الضريبة، ومن يتراوح دخله بين 30 ألفا إلى 100 ألف تكون ضريبته 5 %، وبين 100 الف إلى 250 ألفا 10 % وبين 250 الفا إلى 750 الفا 15 % ومن 750 ألفا إلى مليون ونصف المليون دينار 20 %، ومن مليون ونصف فأكثر 25 %؛ بهذه الصورة نكون طبقنا النص الدستوري في قانون ضريبة الدخل، وفي الوقت نفسه لم نقم بالإخلال بأي من أوجه الاقتصاد والاستثمار، وبنتائج مضمونة ودستورية.
وفي جميع الأحوال، فإن هذه النسب المذكورة فرضية، وعلى الحكومة دراستها ودراسة جدواها وأسلوب تطبيقها، فهي أمثلة يمكن الاستفادة منها.
• عودة إلى الحديث السياسي، هنالك رجال من الدولة، حملوا بعضهم المسؤولية، وموضوع محاكمة الفاسدين أصبح معقدا، نظرا لتحميل كل طرف الطرف الآخر المسؤولية؟
- المشكلة في غياب الوضوح والشفافية، فمن الخطأ ان يخرج أحد رجال الدولة ويقول إن الخصخصة لم تنجح، لا بل أنهم اتهموا الحكومات المتعاقبة بالفساد، هذا كلام غير مسؤول؛ نحن في 8 حكومات عملنا على الخصخصة، فهل من المعقول أننا جميعا حرامية ولصوص وجئنا بالعطاءات وتقاسمناها؟!!.
هناك حكومات هيجت الشارع بكلام غير مسؤول، وصار أي شخص يخرج على الناس ويقول إن الفساد بدأ بالخصخصة.
أنا أدعو لمراجعة جميع ملفات الخصخصة من أجل بيان الحق والمسؤولية ومن يتحملها، وكل ذلك من أجل أن نوقف مسلسل التهم الذي لم يسلم منه أحد.
وعلى الحكومات أن لا تضيع الوقت، وعليها الشروع بتحمل مسؤولياتها تجاه المرحلة، فمن أخّر تقديم مشاريع قوانين الإصلاح للبرلمان، وهي كانت جاهزة؟ هناك من أخطأ في التعامل مع الأجندة الإصلاحية، وأنا بقناعتي أن الإصلاح سينقذنا من مسلسل الاتهامات التي بلغت مستويات غير مسبوقة من التجني والافتراء، وتضييع الوقت على الدولة، لكي تلتفت لأمورها الأخرى؛ أنا أخاف على الاقتصاد الوطني، ففي كل يوم نتأخر فيه بمواعيد الإصلاح سيتأثر الاقتصاد الوطني الذي من المفترض أن يحرك حياتنا نحو الأفضل.
ومع عدم رغبتي بالدخول في قضايا خاصة، إلا أن الظلم والافتراءات الذي تم توجيهه لحكوماتي في منتصف 2000-2003 يدفعني للتذكير بأن تلك الحكومات قامت باستكمال برنامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي، وضبط الإنفاق وضبط عجز الموازنة وكذلك السيطرة على المديونية، بالإضافة إلى زيادة معدل النمو الاقتصادي من 1 % إلى 5 % مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الاقتصادية التي مرت بها المنطقة كل ذلك حصل بدون وجود قضية فساد واحدة.
• لكن من رأي حكومات سابقة أن المشكلة تكمن في مبدأ الولاية العامة الغائب؟
- لا يوجد للحكومة ولاية عامة بمعزل عن المؤسسات الأخرى، وفي النهاية، رئيس الوزراء مسؤول ولا يجوز لأحد القول: أريد ولاية عامة، وفي النهاية، تخرج قانون انتخاب لست راضيا عنه، ولا يجوز في ولايتك العامة أن تخرج القوانين على مقاس قوى سياسية بعينها. لذلك نحن بأمس الحاجة لجبهة داخلية متماسكة، ويجب أن نبقى يدا واحدة وقلبا واحدا، لأن في ذلك مصلحتنا، وفي النهاية الغضب الزائد لن يحقق أي نتائج وسندفع ثمنه.
• من المواضيع التي ظلت معلقة بدون حسم جذري، مسألة الهوية والمواطنة، وهي المسألة التي تربك وتعيدنا إلى مأزق المواطنة من حيث الحقوق والواجبات؛ برأيك كيف لنا أن نخرج من هذا الجدل على توافق؟
- المبدأ الأساسي في هذا الموضوع هو أن كل من لديه جنسية ورقم وطني، هو مواطن أردني له حقوق وعليه واجبات.
لكن بأمانة أقول إن هذا الموضوع يبقى معلقا، ليس لأن الحكومات تريد ذلك، بل لأن الأوضاع على الساحة الفلسطينية ما تزال معلقة، وهذا بدوره يزيد من مخاطر أي قرار أردني يتعلق بمواطنة الأردنيين من أصل فلسطيني، خصوصا من الذين يحملون الجنسية الأردنية والهوية الفلسطينية.
ونظرا لإشكالية الموضوع، فإن الأردن قد يجد نفسه في دائرة الاتهام على كل الجبهات، فهو إن تساهل مع حملة البطاقات الخضراء، سيقال عنه أنه يريد تفريغ الأرض من أهلها، وبالتالي الإضرار بالقضية الفلسطينية، وإن تشدد سيقال إنه يريد معاقبة الفلسطينيين، لكن المبدأ الراسخ للدولة الأردنية، هو أننا نريد الحفاظ على حق العودة، ونريد تثبيت حقوق الفلسطينين الحاملين للجنسية الأردنية ولهم حقوق بالعودة والتعويض.
اليوم، لدينا إشكالات تظهر في ضوء التفاعلات السياسية بالمنطقة؛ لدينا حكومة إسرائيلية متعنتة تشجع على الاستيطان، وتتوسع بذلك على حساب الشعب الفلسطيني؛ وهناك اغتصاب لأراضي القطاع الخاص في الضفة الغربية، واستفحال للظلم والغطرسة.
بالإضافة إلى كل ذلك، هناك معادلات جديدة، فقد دخل حزب كاديميا ورئيسه موفاز على التشكيله الحكومية في إسرائيل، والحكومة الإسرائيلية اليوم، وبذريعة الخطر الإيراني، تحاول إعادة توجيه انظار العالم إلى هناك، مقابل استمرار سياساتها في ابتلاع الأرض الفلسطينية.
هذه العوامل تجعل إمكانية إقدام إسرائيل على تحقيق طموحاتها التوسعية، نحو إسرائيل الكبرى ممكنة، وعليه فإن الأردن يجب أن يكون مستعدا، وأن يظهر العين الحمراء لتكون رسالة واضحة لإسرائيل أنه لن يكون ممرا لهذا المشروع.
في عام 2000 تناول عدد من المسؤولين والخبراء الإسرائيليين، وعلى رأسهم البروفيسور الإسرائيلي أرنون سوفير، المُحاضر في مركز أبحاث الأمن القومي بجامعة حيفا، في دراسة مستفيضة الموضوع بعنوان "إسرائيل: ديموغرافيا 2000-2020: مخاطر وإمكانيات"، توصّل فيها إلى أن 42 % فقط من اليهود، مقابل 58 % من العرب، سيعيشون في المنطقة الواقعة بين الأردن والبحر الأبيض في عام 2020، من مجموع 15.2 مليون نسمة، لذلك استنتج محذراً من أنه بدون الفصل، سيختفي الكيان الصهيوني عن الخريطة خلال أعوام.
الدراسة شملت مقترحات عنصرية، منها مصادرة حق فلسطينيي 48 بالمشاركة في انتخابات الكنيست، تمهيداً لنقلهم إلى السلطة الفلسطينية، ومنها جلب نصف مليون يهودي إلى الجليل، بالإضافة إلى إجراءات صارمة تجاه ما وصفته الدراسة بالتكاثر الطبيعي المبالغ فيه للعرب في الجليل والنقب.
الخلاصة التي يمكن للمراقب الخروج بها من الأرقام والمعطيات التي تُنشر في الدولة العبرية عن الواقع الديموغرافي، ونسبة العرب واليهود، سواء داخل فلسطين التاريخية كلها، أو داخل أراضي عام 1948 فقط، تؤكد أن عامل الوقت يسير في غير صالح اليهود.
وإذا كان واضحاً أن المسؤولين الإسرائيليين باتوا يسلمون بحقيقة التفوق الديموغرافي العربي على كامل مساحة فلسطين، ويحاولون تحاشي مخاطر هذا الواقع خلال التسويق لمشروع الدولة الفلسطينية بـ"الشروط الإسرائيلية" على قسم من أراضي الضفة والقطاع، فمن الواضح أيضاً أنهم انتقلوا الآن إلى الاستعداد للمعركة الديموغرافية مع العرب داخل ما يعدّونه "بيتهم" ومقابل من يُعدّون "مواطنين إسرائيليين" من فلسطينيي 48؛ معركة من شأنها أن تحسم مصير المواجهة وتحدد صورة الواقع في فلسطين، ولهذا يوليها المسؤولون الإسرائيليون اهتماماً كبيراً خلال العمل على اتخاذ الخطوات الآيلة إلى انتصارهم فيها، ورسم معادلة ديموغرافية يكون اليهود فيها هم العنصر المهيمن.
يأتي ذلك مع طرح لوزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك عن الانسحاب من الضفة الغربية مثل قطاع غزة، وعند الانسحاب أحادي الجانب، فمن حقنا أن نسأل على اي اساس وما هي التطورات والمقاييس وما هي الحدود؟ فهذه هي معادلات ومؤامرات سياسية، تجعلك كأردني قلقا من موضوع الخلل الديمغرافي في المستقبل. وعلى ذلك تكتسب الإجراءات الأردنية في مقاومة الضغوط الأميركية في موضوع التجنيس أهمية قصوى، فإسرائيل ستبحث عن عملية تفريغ وإحلال سكانية، ويجب أن ندرك أن الموقف الأردني سيجعل الموقف العالمي أكثر ممانعة للخطوات التي تعتزم إجراءها، ليحافظ الفلسطينيون على الميزة الديمغرافية بحيث يصبح أي تعد عليهم من الداخل مصنفا في إطار الاضطهاد العرقي الذي يمكن أن يثير على إسرائيل غضب المجتمع الدولي، وذلك بالنظر إلى المعادلة السكانية في الاراضي الفلسطينة.
وعليه، فإنه يجب ان تقف الدول العربية وفي مقدمتها الأردن ضد المشروع الإسرائيلي وتدعم الكينونة الفلسطينية خلال دعم المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية، وتشجيع إجراء انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني بأسرع وقت ممكن، بمشاركة الفلسطينيين حاملي البطاقة الخضراء والزرقاء بالأردن في هذه الانتخابات.
هنا لا بد من التركيز على استمرار الجهود للعمل على فك الحصار عن غزة- وبذل جهود كبيرة بقوة في هذا الموضوع مع الدول العربية والاسلامية، ودول العالم الحر، وطرح موضوع الاحتلال الإسرائيلي وحقوق الفلسطينيين في المحافل الدولية ومؤسسات التعليم وحقوق الإنسان ومجابهة النفاق الأميركي والأوروبي.
أردنيا؛ فإنه يجب العمل على تعديل قانون الجنسية الحالي ليتلاءم مع الأوضاع السياسية المتعلقة بدعم القضايا الفلسطينية ومواجهة المخططات الإسرائيلية، وقوننة فك الارتباط بصورة شفافة وواضحة، تزيل الإشكاليات كافة، وتقلص هامش الاجتهادات وتقديم الضمانات للأردنيين من أصول فلسطينية بعدم التعرض لجنسيتهم والأرقام الوطنية وطمأنتهم بهذا الامر.
ونحن يجب أن نكون واضحين؛ المواطن الأردني أردني، وموضوع سحب الرقم الوطني من اي احد، يجب ان يغلق ونتخلص منه إلى الأبد.
فكل من يحمل بطاقة صفراء أردني وكل من يحمل بطاقة خضراء فلسطيني، ويجب ان يشارك في اختيار أعضاء المجلس التشريعي المقبل في فلسطين، وهي رسالة سياسية يجب أن نبعث بها إلى الطرف الإسرائيلي المتغطرس.
وأمام تعثر جهود المصالحة الفلسطينية، فيجب علينا كأردن دعم المصالحة الفلسطينية وإجراء انتخابات تشريعية بأسرع وقت ممكن، ليس لغايات أردنية فقط؛ وإنما لغايات فلسطينية ودولية، ليشعر العالم بأن هناك شعبا فلسطينيا حيا، يريد الاستمرار في حياته، ويجب على الأردن ان يدعم السلطة الفلسطينية.
وهنا واجب علينا أن نؤمن تصويت حملة البطاقة الخضراء وأهل غزة الموجودين في الأردن بالتصويت للمجلس التشريعي، لتكون إشارة قوية بأن هؤلاء لهم حقوق كاملة في فلسطين، وأن هؤلاء مقيمون في الأردن فقط، لكن حقوقهم السياسية يجب أن يمارسوها على أرضهم.
وإن كان الحسم في مسألة المواطنة، يتطلب قوننة قرار فك الارتباط، فليكن، أما أن ينام الناس أردنيين ويصحوا بلا جنسية، فهذا كلام لا يجوز، وعلينا أن نضع الأمور في نصابها وهو نصاب واضح لا شك فيه ولا التباس.
• فيما يتعلق بالشأن السوري، وسيناريوهات ما بعد الأحداث، كيف تقرأ مجريات الأمور؟
- حالة الاستقطاب حول سورية، أصبحت شاملة لجميع الدول العربية، وربما لجميع دول العالم، فإما أن تكون (مع) أو (ضد)؛ الأردن نأى بنفسه عن ذلك، لأسباب تتعلق بطبيعة وضعه الجغرافي والاستراتيجي، ومسؤوليته القومية التي تحتم على الأردنيين قيادة وشعبا ان يحاولوا حتى اللحظة الأخيرة تجنيب سورية مصائر الاقتتال الأهلي، لأن ذلك سيخصم من الرصيد الجمعي للأمة العربية، ويمكن أن يكون مفخخا لصراع إقليمي واسع للقوى غير العربية في فضاء الشرق الأوسط، وأعني إيران واسرائيل وتركيا، لذلك تخيرت الدبلوماسية الأردنية ان تكون بمثابة الأرضية الوحيدة التي يمكن ان تتعامل مع جميع الاطراف، تحسبا للأسوأ على الساحة السورية، ولو وقف الأردنيون في اي موقع آخر، لكانوا كمن يدفع بالسوريين إلى الحائط ويضعوهم أمام خيارات انتحارية.
على المستوى الأخلاقي يرفض الأردن إراقة اي نقطة دم سورية وعربية، وذلك معلوم لجميع الاطراف، وفي الوقت نفسه فإن الشركاء في الاسرة العربية والمجتمع الدولي يتفهمون الموقف الأردني ويشجعونه، للإبقاء على الفرصة الأخيرة لتجنب الاندفاع نحو الهاوية، ونحن في هذا السياق ندعم خطة أنان بما لها وما عليها، وندعو إلى مؤتمرات إقليمية او عربية لحقن الدماء وايجاد اي حلول ناجعة لمصلحة السوريين.
بصراحة.. ما يقلقني في الوضع السوري، هو انسحاب آثاره علينا في حال لا سمح الله ذهبت الأحداث هناك إلى حرب أهلية واستمرت الأحداث.
فمجريات الامور وتطورها، تدعو إلى التشاؤم كثيرا، والانعكاسات السورية علينا أكثر وأصعب من التداعيات العراقية زمن احتلالها، فالارتباط الأردني السوري تاريخي وعائلي، وسيكون هناك انعكاسات خطيرة جدا علينا إن كانت امنية اجتماعية اقتصادية، وهذا الموضوع ليس بسيطا.
دائما هناك خلافات بين إيران والخليج، وهذا الموضوع لو تطور نحن اوتوماتيكيا مع الخليج، لأننا لا يمكن ان نكون بعيدين عن دول الخليج ودعمهم، وهو ما يتطلب منا موقفا داخليا موحدا حتى نواجه التحديات.
• سؤالنا الأخير؛ هل صحيح أنك تعتزم خوض الانتخابات النيابية المقبلة، وأنك بصدد العودة إلى قواعدك الانتخابية؟
- هذا الكلام غير صحيح على الإطلاق، فأنا لا أبحث عن أي موقع سياسي، لا رسمي ولا غير رسمي، ولا أبحث عن أي مكتسب لا من قريب ولا من بعيد، لكني حاضر في المشهد السياسي، بحيث لم أغب يوما، واليوم أستطيع القول إني أدعم كل الطروحات الإصلاحية، لقناعتي بأنها تخدم البلاد وتخدم النظام، وإني أحاول أن أدعم كل طرح سياسي اقتصادي إيجابي، ينقي الأجواء ويخدم المصلحة العامة. خدمة لله وللوطن والملك والشعب.
(الغد - محمد الرواشدة)