ليس كل ما يلمع .... استقرارا!
اني لا أدهش لشيء دهشتي لمكر هذا المفهوم المتلوّن الفاتن. فيه تلتقي الأماني وعنده تفترق المصالح وبه تخبأ النوايا وفبه يجمّل قبحها. بقدر ما تستجدية و تنشده وتعشقه الامم والشعوب بقدر ما يمقتهم ويخدعهم ويغرر بهم. هو الوجه الاكثر جدلا وجاذبية وسحرا و"حسدا" بين أقرانه في القواميس السياسية. ما ان اجتمعت وتوحّدت عليه الدول في أهدافها وغاياتها حتى اختلفت وتنافرت وتناحرت عند تفسيرها وتفعيلها وتنفيذها. فهو السلاح "السري" والأشد فتكا بين ايادي صنّاع القرار للسياسات الخارجية للدول العظمى. فيه مستودع ذخيرتهم وسلاحهم الخفي, متعدد الوجوه والأغراض, لتحقيق وتسويق شتى مصالحهم ومختلف مأربهم من جهة وتمرير وتجميل نواياهم من جهة اخرى.
"الاستقرار" : الوجه "الأقبح" في السياسة الخارجية للدول العظمى
"الاستقرار" قد يكون هدفا او وسيله/اّلية او ذريعة يتقلّب ويتلوّن بحكم وظيفته, لا يؤمن جانبه ولا يعرف أي ّمنّا حقيقة الوانه الا هؤلاء الرسّامين المهره خلف الكواليس من فنّاني صانعي القرار وراسمي السياسات. ولاؤه واخلاصه واجب ومبرمج وحصري لمصمميه وواضعيه في الدول العظمى ولكنه فاتن وماكر وفاتك لمتلقيه وناشديه وناظريه من بعيد في الدول الناميه والمتأخره.
لقد كانت "ذريعة" ناجعة للولايات المتحدة في شن حربها على العراق بهدف احلال "الاستقرار" في المنطقة وذلك "لازالة أسلحة الدمار الشامل العراقية". وكنّا ايضا على موعد معه على وجه "وسيلة" انتهجتها بعض الدول لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية لأجل ادارة نزاعلاتها لا لحلها. وعليه, صّممه البعض كوسيلة مهمه لا أكثر كشرط لتحقيق "هدف" "السلام". وهذا ما تتبناه اسرائيل, "الاستقرار" المبني على "الأمن" أولا شرط اساسي لها لتحقيق "السلام" مع العرب (الاستقرار وسيلة ب هدف تحقيق السلام). اما العرب, وفي ظل واقعهم المنحط, والتباين المطرّد في ميزان "قوتهم" مع اسرائيل, يروّجون الاستقرار كهدف استرتيجي بعد احلال السلام – وليس قبل احلال السلام كما تريده اسرائيل (ومن هنا يتلوّن الاستقرار على شكل هدف و"السلام" يأتي كوسيلة وجزءا مكملا لهذا الهدف).
مفهوم "الاستقرار": ماذا يريدون منّا ومن "استقرارنا" ؟!
اذا ما نظرنا الى أي اتفاقيه مبرمه بين الدول المتقدمة ونظيرتها المتخلفة, وخاصة ما بين الغرب والعرب وبعد انتهاء الحرب الباردة على وجه التحديد, تجد "الاستقرار" متربع بين ثنايا الاتفاقيات كهدف استرتيجي "جميل" يحسبه الظمئان ماء. فبغض النظر عن طبيعة الاتفاقيات المبرمة, اقتصادية, أمنية, مالية, أو اجتماعية, عادة ما تراه مستقرا في الصفوف المتقدمة لصفحات الاتفاقيات واحيانا اخرى تكاد تجده مختبئا شيئا ما, من قبيل "الاغراء", داخل عباءة "النوايا" الحسنه للدول المانحة والمتصدّقه. ومن هنا يحق لنا أن نتسائل عن ماهيّة حقيقة هذا "الرجل الغامض" الذي يمس جميع جوانب حياتنا ... ولا نراه؟!
عندما يدعي الغرب ان الهدف العام لأي سياسة أو اتفاقيه هو تحقيق " الاستقرار", ماذا يعني بذلك؟ وعن أي نوع من الاستقرار يتحدث؟ فاذا ما اعتبرنا ان الاستقرار باختصار هو "بقاء الوضع على حالة" كقاسم مشترك للتعريفات المتابينه لهذا المفهوم المتملق, فان السؤال الأهم يبقى عن أي "استقرار" يتحدثون؟ استقرار سياسي؟ أم استقرار اقتصادي؟ أم استقرار اجتماعي؟ أم غيرها؟ واذا ما افترضنا أن الاستقرار المراد تأمينه هو "الاستقرار السياسي" على سبيل المثال, فهل المقصود هنا الاستقرار السياسي للانظمه او الاستقرار السياسي للشعوب (الديموقراطية) ؟ بالتأكيد لا يعرف لون الاستقرار المراد الا اذا حاولنا التوغل في عمقهم ومحاولة التنبؤ في نوايا الغرب الا اذا ما اراد الافصاح عنه من خاطر نفسه. ولكن الغرب ليس له صديق, لا الانظمة ولا الشعوب, سوى مصالحة ومصالحه فقط.. أصدق أصدقاءه وأوفى أوفياؤه اليوم ... كما هو كان الحال في الأمس!
عجبي لأمر السياسة وما تفعلة السياسة وبناتها, قد لا ابالغ ان قلت ان الذين قتلو في ساحات "السلام" و"الاستقرار" اكثر يكثير مما قتلو من في ميادين الحرب والقتال. فيمكن القول ان ياسر عرفات لم يقتل في أوقات "الحرب" بل في عز أيام "السلام" ... يا سلام! ويمكن ايضا القول بأن الفلسطنيون الذين قتلوا وتشردوا وبعثروا بعد "اوسلو" اكثر مما عانوه وقاسوة قبل أوسلو وخلال أيام "الحرب"!
باختصار:
الكل ينشد "الاصلاح", "الحرية", "العدالة", "الديموقراطية"," السلام", و"الاستقرار". بقدر ما تجمعهم هذه "القيم", على قدر ما تفرقهم وتشتتهم! ففي ذات الدواء يكمن الداء وفي ذات الجمال يكمن القبح في اّن واحد ومكان واحد! لا يبقى الا أن ندعو اللهم اجعلنا على كلمة سواء واحم وطننا ومليكه وشعبه واجعل دائما في دوائنا ... دوائنا!
Dr_waleedd@yahoo.com