الأنباء المتعلقة بقطاعي الطاقة والنفط طوال أكثر من عام كانت سيئة بالنسبة للأردن والأردنيين، فهي لا تحمل لهم سوى نذر الشؤم، والمزيد من العجز في الموازنة وما يتبعه في العادة من رفع للأسعار.
الانقطاع المتكرر للغاز المصري رتب عجزا يفوق المليار ونصف المليار دينار. وارتفاع أسعار النفط العالمية زاد من قيمة الدعم، وأخيرا وليس آخرا عجز مصفاة البترول عن تمويل مستوردات المملكة من النفط الخام، الأمر الذي ينذر بأزمة طاقة محتملة، وفق ما صرح مصدر مسؤول في "المصفاة" لـ"الغد" أمس.
لكن، وسط هذا السيل من الأنباء والتطورات الكارثية، جاءنا من العراق بالأمس خبر سار، ربما يساعد في تعديل مزاج الأردنيين، وينعش آمال المسؤوليين بتحسن الأوضاع ولو على المدى المتوسط.
الخبر الذي تناقلته وكالات الأنباء من بغداد على لسان الناطق باسم الحكومة العراقية على الدباغ، يفيد بأن الحكومة العراقية وافقت على بناء أنبوب لنقل النفط الخام من العراق إلى الأردن، وتصدير الغاز الطبيعي عبر الأراضي الأردنية، وتزويد الأردن باحتياجاته من النفط الخام والغاز الطبيعي والغاز البترولي المسال وزيت الوقود. وأضاف الدباغ، أن مجلس الوزراء العراقي خول وزير النفط التوقيع على مذكرة التفاهم مع الجانب الأردني.
بالطبع هناك أسئلة كثيرة معلقة حول المدة التي يستغرقها إنشاء مثل هذا الخط، والأسعار التي سيحصل الأردن بموجبها على النفط والغاز وغيرها من التفاصيل الفنية والمالية. لكن في كل الأحوال يشكل المشروع في حال إنجازه مصدرا مأمونا للنفط والغاز يجنب الموازنة تقلبات الأسعار العالمية، ويوفر في ذات الوقت بديلا استراتيجيا لانقطاعات الغاز المصري التي لا نعرف لها نهاية.
من الناحيتين السياسية والاقتصادية، يمنح المشروع العلاقات بين البلدين بعدا استراتيجيا كادت أن تفقده في السنوات الأخيرة، على وقع التحولات السياسية التي شهدها العراق. ويعطي القرار مؤشرا قويا على تحسن العلاقات مع حكومة نوري المالكي التي شابها توتر وبرود في الآونة الأخيرة، فمنذ سنوات والأردن يلح على مشروع الانبوب، وفي كل زيارات المسؤوليين الأردنيين إلى بغداد كان الموضوع حاضرا على أجندة الاجتماعات. غير أن الظروف الداخلية للعراق وتوتر العلاقة بين حكومة المالكي ودول في المنطقة عطلا مشاريع التعاون العربي.
بعد موافقة الحكومة العراقية على المشروع، يتعين على الجانب الأردني أن يتحرك بسرعة لإتمام الخطوات اللازمة للسير قدما في بناء الأنبوب، باعتباره أولوية وطنية لا تحتمل التسويف والمماطلة.
هناك بلا شك إجراءات طويلة، وجولات من المباحثات حول تفاصيل لوجستية وفنية ومالية قد تستغرق أكثر من سنة، لكن المهم أن نبدأ بسرعة، حتى لا نواجه بعد عدة سنوات الموقف الصعب الذي نواجهه اليوم بسبب التباطؤ في إيجاد رديف للغاز المصري.
وربما يحتاج الأمر أيضا إلى إجراء مراجعة لمجمل العلاقات الأردنية مع العراق، وتنقية الأجواء من الشكوك المتبادلة، كي لا تتعرض لانتكاسة في المستقبل تعطل مشروع الأنبوب.
وعلينا في هذا المجال أن نحافظ على التوازن في تحالفاتنا وعلاقتنا العربية، ونضع المصلحة الوطنية العليا فوق كل اعتبار.
لم يكن الأردن على وفاق سياسي مع نظام صدام حسين، لكن العلاقات الاقتصادية حافظت على زخمها رغم الأزمات المتلاحقة. المقاربة ذاتها ماتزال صالحة بين البلدين، فبوسع الاقتصاد اليوم أن يقود عربة السياسة إلى الأمام، تماما كما الحال في التحالفات والصراعات الدولية التي تتمحور حول خطوط النفط والغاز
الغد