جميعنا ومنذ صغرنا تربينا على تربية وطنية خاصة قوامها الانتماء والحب للأوطان وكان انذاك الانتماء يعني الانتماء للأمة الاسلامية والعربية , وكان لمفهوم التربية الوطنية في الأردن اولوية كبرى في نفوسنا , ولكل الفلسفات والسياسات التربوية والاجتماعية والأخلاقية التي نؤمن بها في بلادنا العربية الاسلامية عموما .وركزت التربية الوطنية للإنسان الاردني على العطاء والخير والتسامح الدائم فكانت هناك خصوصية تجاه الجوار من الاشقاء العرب والوقوف الى جانبهم بمعظم ما يتعرضون له فالفرح والحزن نشاركهم اياه بلا أي تقاعس , ومن قبل ذلك كله كان لمفهوم التربية الوطنية وبرامجها , مفهوم الانتماء للقيم الانسانية البشرية العالمية والتي لا تختلف من دوله الى دوله إلا ببعض الخصوصيات في الثقافة والفكر الخاص بكل امة وبكل منطقة دور بارز وكبير في التربية والتنشئة بمعظم المؤسسات التربوية والاجتماعية والإعلامية , حيث هناك اتفاق عام على بعض حقوق الانسان عالميا تعتمد على الانتماء للمعتقدات والقيم , والنظرة المستقبلية لمستقبل الشعوب والأوطان معا , ولكي يضمنوا نجاح الافكار الوطنية وتحقيق الانتماء الحقيقي تركز المؤسسات التربوية الاردنية على التنشئة والتربية الوطنية تلك , وبكل المجالات المتاحة فالانتماء الحقيقي لكل ما نؤمن به ونعتقده انه لصالحنا ولمن حولنا ممن نحب ممن يحملون نفس الهوية الدينية والقومية والإنسانية , وتحرص تلك المؤسسات على ان تكون التربية الوطنية موجة نحو تحقيق الاهداف والتطلعات المستقبلية للأوطان ولكل ما يحقق الرفاهة والأمن والاستقرار لها وتحقيق امن قومي كامل وبكل المنطقة , وأصبح لدينا في اوطاننا شبة اتفاق كامل على مفهوم التربية الوطنية وانتماءاتنا الانسانية , فالأسرة ومن بعدها المدرسة ومن ثم برامج الجامعة وبالاشتراك مع برامج وأنشطة المجتمع ومؤسساته المختلفة التربوية والعلمية وحتى العملية سعت وما زالت لان ترسخ بأبنائها الانتماء الحقيقي لمى تعتقده انه الاصلح والأفضل لأبنائها ولمستقبلهم من انتماءات حقيقية تتصل بالتوافق النفسي والروحي لمى يؤمن به الانسان وما يطبقه على أرض الواقع .
مفهوم التربية الوطنية والانتماءات الحقيقيه من وجه نظر عالمية ونظرتها للبشرية تحتم علينا ان نركز اولا على التربية الانسانية الاخلاقية , وفي المقام الاول والاهم ان نجتمع معا بقوانين يرتبط بها كل البشر بشتى منابتهم وأصولهم , لذا فأولى على واضعي الفلسفة والسياسة التعليمية للتربية الوطنية التركيز على الانتماء الاساسي والأولي وهو الانتماء للبشرية ولقوانينها وعالمية الحقوق الانسانية , وكلنا نعلم ونؤمن بالحديث الشريف الذي يقول :" يا أيها الناس إن ربكم واحد ألا لا فضل لعربي على عجمي و لا لعجمي على عربي و لا لأحمر على أسود و لا لأسود على أحمر إلا بالتقوى إن أكرمكم عند الله أتقاكم..." وهذه القيم الاسلامية تتوافق مع النظام الكوني العالمي والبشري لمعظم المؤسسات العالمية الانسانية لكونها عامة وشاملة ويشترك بها جميع الناس , وتركز على خير البشرية وعمل الخير , ومن ثم علينا الانتقال الى الانتماءات الاخرى التي تحقق الطموحات والآمال للجميع فالانتماء الى المعتقدات الدينية والأخلاقية والسلوكية ومن ثم المعتقدات الإيديولوجية والمكانية وغيرها جميعها برائي الشخصي تحقق الانتماء النهائي والأخير وهو الانتماء لشخصية الانسان نفسه , والتوافق بين ما نؤمن وما نأمل وما نحن عليه , ويسهم بشخصية الانسان نفسه , فيصبح لدينا انسان مؤمن عربي مثقف واعي , ومنتمي لبشريته ودينة ووطنه وأمته , وهكذا تتوالى انواع الشخصيات التي تم التركيز عليها منذ الصغر.
جميع الاباء والأمهات والمربين والمربيات في مؤسساتنا التربوية والتعليمية يحرصون على توفير تربية وطنية إيجابية ترتكز على الاهتمام بنفسية الفرد كي يكون مرتبط بوطنه وأمته ومعتقداته , وتتنافس الدول والمؤسسات التعليمية في توفير البرامج الوطنية وبأشكال تقديمها للإنسان منذ بداية تعلمه الحضاري , والفائز هو من يوفر تربية وطنية تتناسب مع الانسان المرتبط ببيئته ويرتبط بقيم ومعتقدات وتطلعات البلد الذي ينتمي له الانسان .
مع كل هذا وبوجود الربيع العربي اختلط على الانسان العربي الكثير من معانى الانتماء سواء للوطن او للامه ! ونشر الكثير من الافكار التي تفسر وجود الحركات الشعبية للمواطن العربي وبانتماءاتها ! فمنهم من يعتقد بأنه قمة الوطنية ان يكون هناك ربيع عربي وباختلاف الإطروحات التي تواجدت في دولنا العربية , وهناك من ربط بين هذه الحركات وبين أهداف الغرب في ايجاد المواطن العربي المحب لسياسة الغرب واستبدال الحكومات الموالية بالمواطن العربي الموالي لهم ! بعدما لم يجنوا ثمارا من موالاه الحكام دون مرافقتها بموالاة الشعب بان واحد , وكل هذه الاشياء تغيرت مع الوقت وأصبح الكثير في دوامة الانتماء الحقيقي وأين يجب ان نتوجه , للفكرة التي تقول ان الربيع العربي يخدم الوطن والانتماء الحقيقي للحب الذي تربى عليه منذ الصغر ام للفكرة التي تقول ان ما يحدث هو ترتيب مخطط من الدول التي لا نحب ان يكون لها دور في انتماءاتنا وهدفها الواضح والمخطط الناجح لكي يتحول المواطن العربي لنضرته اليها على انها المنقذ والسند في الخلاص من بعض الحكام اللذين مارسوا ممارسات لا انسانية اثناء حكمهم وبموافقة تامة من سياساتهم انذالك .
لا اريد ان يفهم من كلامي انني اتحدث بالسياسة لأنني لست ممن يجيدون الحديث بها , وهناك من هو اكفى واقدر وأفضل للحديث بها , ولكنني اتحدث عن مفاهيم تتعلق بالتربية والتعليم , وأناقش فكرة تربية الابناء والبنات على حب الاوطان والانتماء الحقيقي للقيم والاعتقادات التي نؤمن , والأفكار التي نرغب بتواجدها لدى ابناءنا ! والكل يتسابق لان يكون الاول في هذه التربية وان يكون لدى كل دولة ابناءها التي تعتمد عليهم وقت الشدة ووقت الحاجة , وان يكونا درع واقي ضد أي هجوم فكري او سياسي فالتربية الحقيقية للانتماء هى ما يجدر بنا ان نراهن عليها بأنها المنقذ الاساسي والهام ضد أي حركة قد تكون مخططة او منظمة لإحداث تغيير يليق أو لا يليق بدولة او بأخرى , وعلينا تذكر وعدم نسيان اننا بلاد مستهدفة ومحاطة بالكثير من المراقبة وكأننا ما زلنا بطور النمو الدولي ولا يحق لنا العمل بلا اخذ موافقة والإذن الدولي منهم !!!
وإذا كانت التربية الوطنية فعلا حققت الاهداف التي نشاء عليها الجيل كما كان مخطط لها ! فهل ما يحدث الان من زعزعة الامن والأمان ومن شك الجميع في القادة والمسئولين بمختلف مستوياتهم ! وكل ما يحدث بدول عربية وإسلامية ! فهل نحن فعلا قد زرعنا تربية وطنية وربينا الابناء على ما تريد او ما نريد لها ان تكون في المستقبل من امن وآمان وفكر متطور! وهل الاهداف تحققت او ستتحقق ! وإذا تحققت لصالح من !؟ لصالح الوطن ! لصالح المواطن ! او لصالحهما معا ! وأين هو صالح الوطن والمواطن !وكيف نصل كتربويين الى بر الامان والآمان به ! وكيف سنحقق الاستقرار ! وما دور مؤسساتنا التربوية والمربين تجاه شعوبها ! وكيف يستطيعون توصيل الابناء الى بر الامان وبنفس الوقت لتحقيق طموحات وآمال الاوطان بهم ! انا استطيع ان اقول انني بحيرة من امري وما زلت ابحث عن اجابة تشفي ما يدور في عقلي التربوي ! وتحقيق الامن والآمان الفكري والوطني لكل ما تربيت ونشأت عليه من تربية وطنية !؟
د. هيفاء علي طيفور
د. فلسفة تربوية /ادارة تربوية / خبيرة تربوية
أستاذ مساعد في كلية العلوم والآداب للبنات / شروره / جامعة نجران
6/6/2012