التحرش الاسرائيلي بالأردن .. لماذا؟
اسعد العزوني
09-06-2012 08:05 PM
بين الفينة والأخرى ..وكلما وجدت "اللقيطة " اسرائيل أنها في الزاوية ،تخرج علينا بتهديد جديد للأردن ،دون الأخذ بعين الاعتبار دور الأردن المحوري في ما يطلق عليه العملية السلمية ،وصوته المعتدل في المنطقة.
"قوس قزح"تهديدات الأردن الاسرائيلية شمل كل ألوان الطيف ،فمن الحرائق بالأغوار الى الخنازير وربما الفئران البيضاء المجوعة ،وعدم الوفاء بما اتفق عليه في معاهدة وادي عربة وخاصة فيما يتعلق بحصة الأردن من المياه..ناهيك عن مطاردة الأردن في المحافل الدولية والتشويش عليه وتعطيل منحه ما يحتاجه من دعم للعملية التنموية.
وآخر دعواهم الباطلة تهيدهم للأردن بفرقتي "الفولاذ وباعيل" العسكريتين القويتين في نظر الاسرائيليين الذين لا يعلمون سر انتصارات جيشهم على الجيوش العربية حتى يومنا هذا ،لأن قادتهم السياسيين والعسكريين على حد سواء يريدون عدم كشف الحقيقة حتى يظلوا أبطالا أمام المستوطنين الذين ضللوا وجيء بهم غدرا الى فلسطين.
الى هنا ينتهي الخبر الذي اعتدنا على سماعه وقراءته بين حين وآخر ،ولكن ما وراء الخبر هو أن "انتصارات " الجيش الاسرائلي الوهمية التي كانت مع الأسف الشديد ،تفضي الى احتلال أراض عربية عزيزة علينا،كان متفقا عليها وكانت مرتبة سلفا ،أي أنه لم تكن هناك مواجهات حقيقية بين الجانبين ،بدءا من حرب عام 1948 بين العصابات الصهيونية الارهابية والجيوش العربية السبعة التي كانت بقيادة أجنبية وجاءت ل"تحرير" ما سلمته بريطانيا للعصابات الصهيونية في فلسطين،وانتهاء بغزو لبنان صيف العام 1982 والذي انتهى باحتلال بيروت واخراج قوات م.ت.ف رغم شعارات العرب القريبين والبعيدين عن لبنان ،مرورا بحرب حزيران 1967 ،وحرب رمضان 1973 التي جيرها السادات لاسرائيل ونجم عنها معاهدة كامب ديفيد. ولا أحد ينكر تمردات فردية أبدع فيها أصحابها من بعض الجيوش العربية، وأذهلت قادة العدو وصدمتهم وجعلتهم قلقين على مصير" اللقيطة " اسرائيل.
لكن ما وراء الخبر والذي لا يريد " العدو" معرفته ، هو أنه ورغم كل ما يمتلكه من قوة وعنجهية وحقد دفين على البشرية جمعاء ، فانه لم يسجل نصرا حقيقيا واحدا يعتد به على " ثوار " غردوا خارج سرب النظام الرسمي العربي ، بدءا من معركة الكرامة ربيع 1968 حتى يومنا هذا ،رغم أن أصحاب أوسلو قبروا الكفاح المسلح .
ما حدث في جنوب لبنان عام 1978 أن قادة الجيش الاسرائيلي الذي عرف عنه حسب ما ورد آنفا ، أنه الجيش "الذي لا يقهر"، طلبوا وللمرة الأولى من م.ت.ف آنذاك ،وقف اطلاق النار ،وقالوا في رسائلهم لقيادتهم المركزية في تل أبيب "أن الفدائيين الفسطينيين يخرجون علينا كالقرود من تحت الصخور ومن بين أوراق الشجر".!
وللتذكير فقط فقد جمع رئيس أركان الجيش الاسرائيلي الأسبق موشيه دايان الصحافيين الاسرائيليين والأجانب في فندق الملك داوود في القدس المحتلة ،عشية جر قواته- مكبلين بالسلاسل الى مقاود الدبابات وأرضيتها كي لا يهربون في الطريق -،الى حتفهم في أرض الكرامة ، ووجه لهم الدعوة الى تناول الشاي معه وأين؟ في العاصمة عمّان ! وتبجح أمامهم أن المقاومة الفلسطينية في يده كالبيضة يكسرها متى شاء ! ولسوء حظه أنه لم يذكر أمامهم الجيش الأردني لأنه وعلى ما يبدوا كان قد أسقطه من حساباته ، دون أن يعلم أن تحالف الجيش المصطفوي مع المقاومة الفلسطينية آنذاك أثمر نصرا مؤزرا.
هذا التحالف جعل دايان ليس أعور العين فقط "بل حوله الى أعمى القلب ، وأعجزه عن اخلاء أرض المعارك وتطهيرها من جثث قتلاه وجرحاهم وحطام دباباته التي شحنت الى العاصمة عمّان ، ردا على دعوة دايان للصحفيين الى العاصمة لتناول الشاي احتفاء بنصره الموهوم والمتخيل بل المستحيل. لذلك رأيناه ينسحب مدحورا مذموما .
ولدى عودته الى القدس المحتلة قادته عنجهيته المهزومة الى لقاء نفس الصحفيين الذين بادروه بالسؤال: ما وضع المقاومة الفلسطينية وهل ما تزال البيضة في يدك تكسرها متى تشاء؟
أجاب دايان منكسرا:حمار من لا يغير رأيه ،وأنا غيرت رأيي!. وهذا يعني أن الكرامة أحدثت صدمة في تفكيرهم وما أحوجنا الى تكرار مثل هذه الصدمة.
هذا يعني أنه وجد مقاومة ليست كالبيضة ،وأكتشف أنه كاذب لأن هذه البيضة على حد قوله لم تكن في يده ،كما أنه اكتشف عدم قدرته على كسر هذه البيضة ،لذلك انسحب مدحورا يجر أذيال الهزيمة والخيبة.
واقعة الكرامة لم تكن مواجهة مسلحة بمعنى المواجهة العسكرية فقط،بل كانت تفسيرا عمليا لشعار الوحدة العربية التي ننشدها جميعا دون أن نضحي من أجل تحقيقها ،وكانت أملا أردنيا –فلسطينيا ، ومثلت التجسيد الصحيح للوحدة العربية ، لأن الوحدة الحقيقية هي على أرض المعارك .
لن يفعلوها ،وأن غامروا بارسال قواتهم الى الأردن لاحتلاله ، فانهم سيواجهون بتجسيد أردني- فلسطيني أقوى مما حدث في معركة الكرامة لأننا جميعا متعطشين لكرامة جديد تبعث فينا روح الكرامة.
ولكن ما يقومون به عبارة عن مزاوجة بين التهديد الاقتصادي والسياسي استنادا الى عدم فهمهم للحراك الأردني والغزو الذي لن يتم.
لا أقول أن الأردن يمتلك أحدث أنواع الأسلحة بما يفوق ترسانة اسرائيل النووية التي تعد نسخة طبق الأصل عن الترسانات الأمريكية والفرنسية والألمانية والبريطانية ،ولكن الأردن يمتلك ما هو أقوى من الصواريخ .
لديه وحدة وطنية متعطشة للثأر من ماض ناف عمره عن الستين عاما ،ويعلم الجميع في الأردن ،حتى من يغرد خارج السرب للفت النظر اليه عل وعسى أن يتم تقليده منصبا رسميا ،أن " اللقيطة " اسرائيل لم تواجه بالروح العربية يوما ولذلك آن الأوان للمواجهة الحقة لتلقينها درسا ربما يكون هو الامتحان الأخير .
الحرب هي ليست حرب صواريخ بل حرب ارادات ونحن أصحاب الارادات الأقوى ،لأننا اصحاب حق.
التهديدات الاسرائيلية للأردن ، ليست سوى عملية هروب اسرائيلية غبية الى الأمام ، ففي بداية العام الحالي - وبعد أن وجد نتنياهو نفسه في عزلة دولية بينما صوت جلالة الملك عبدالله يلعلع في المحافل الدولية- ،أخبر وزراءه في اجتماع سري أنه يتمنى أن يجتاح الربيع العربي الأردن لاسقاط نظامه، معربا عن استيائه من أن الأردنيين يختلفون على كل شيء باستثناء النظام الهاشمي !
المفرح في الأمر ، هو أن نتنياهو اشتكى لوزرائه من أن جلالة الملك عبد الله الثاني يتحدى اسرائيل في المحافل الدولية ويحرض دائما على " حكومتي" وأنه يقنع العالم برغبة الأردن في تحقيق السلام مع اسرائيل رغم معرفته الأكيدة "أننا " لا نرغب بتحقيق السلام مع الفلسطينيين.!
أصاب نتنياهو كبد الحقيقة عندما تساءل أمام وزرائه عن سر اصرار عمّان على أن يكون سفيرها في تل الربيع (تل أبيب) جنرالا متقاعدا من المؤسسة العسكرية .وقال ايضا :هل يريدون تذكيرنا بأن جنرالاتهم كادوا أن ينهوا وجودنا أكثر من مرة؟
من هنا نبدأ ، فهذا أعتراف من حيث لا يدري ، وهو أعتراف صريح بنوعية وقوة الجيش الأردني في حال أمتلك القرار السياسي بخوض المعركة .وأظن أن هذا الاعتراف هو بمثابة رد اعتبار لنا جميعا .
ما لم يريد الاسرائيليون معرفته ، أو أنهم يعرفونه ويصرون على التغاضي عنه هو أن الفلسطينيين المقيمين في الأردن ليسوا أعداء للبلد الذي يقيمون فيه ، وهم يرون في جلالة الملك عبد الله الثاني ملكا للجميع ، لذلك أنصح الاسرائيليين بعدم المراهنة على تخيلات لا نجدها الا في عقول الاسرائيليين الأغبياء الذي يطمحون لوقوع حرب أهلية في الأردن ، تدخل اسرائيل من خلالها اليه لتفعل فعلتها .