صدور "الجذور الثقافية للإسلاموية الأمريكية" لـ تيموثي مار
09-06-2012 04:55 PM
عمون - عن هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، ضمن مشروع كلمة للترجمة، صدرت الطبعة العربيّة من كتاب تيموثي مار، "الجذور الثقافية للإسلامويّة الأميركيّة"؛ وهو كتاب في الاستشراق، أنجزه وعلّق حواشية المترجم الأردني تحسين الخطيب، وراجعه الدكتور أحمد خريس.
يبحث الكتاب في 'إرث الكيفيّة التي وظّف بها الأميركيّون، منذ عهد بعيد، وبطريقة ارتجاليّة، مفاهيمَ استشراقيّة عن الإسلام، من أجل عولمة سلطة ثقافتهم القوميّة. فبالتنقيب عميقاً، في أرشيف زاخر، متعدّد المعارف، لأسلوب تعبير يمتدّ من القرن السابع عشر وحتّى القرن التّاسع عشر، يحلّل الكتاب كيف وفّر تاريخ المسلمين وعاداتهم أفقاً عالميّاً مثيراً للجدل تلاحمَ الأميركيّون معه ليعيّنوا وجهة مشروعهم القوميّ، والمبادئ الأخلاقيّة لمؤسّساتهم الاجتماعيّة، وحدود مخيالاتهم الرّومانتيكيّة.
لقد نظر الأميركيّون الأوائل إلى العالم الإسلاميّ، بادئ الأمر، بوصفه معادياً للمسيحيّة، ويشكّل تهديداً مطلقاً، لكنّهم أعادوا النّظر في هذه المفاهيم، تدريجيّاً، ليصوغوا بدائل عالميّة وأكثر نسبيّة'.
ثمّ يستطرد الكتاب لتبيان 'الكيفيّة التي شكّلت من خلالها أعرفُ الإدراك البَيْثقافيّ، التي سادت طويلاً، المآزقَ الحاليّة بين الولايات المتّحدة والعالم الإسلاميّ'. وفي تقدمته الخاصة بالطّبعة العربيّة، يقول تيموثي مار إنّ 'هذا الكتاب، في ترجمته العربية، يجعل من تراث الاشتباكات البلاغيّة والتّاريخيّة للأميركيّين الأوائل مع الإسلام في متناول جمهور قرّاء أوسع' من ذاك الذي قد يقتصر على القارئ الأميركيّ، أو القارئ بالإنجليزيّة وحده. فتصبح 'التّرجمة، في حدّ ذاتها، واحدة من عمليّات التبادل المهمّة التي تخلق نقاط تقاطع قادرة على توسيع نطاق الحوار بطرائق تنتهك مديات قلّة التبصّر المتوارثة؛ حين تكون المعرفة ذات زاوية أحاديّة، ومقتصرة على جماهير معزولة أيضاً'.
ويشير المؤلف إلى أنّ 'إحدى العقبات الرّئيسة التي تحول دون إدراك بيثقافيّ بين الأميركيّين والمسلمين تتمثل في ندرة الأعمال الأكاديميّة التي ظهرت في لغات غير تلك التي كتبت بها'. إضافة إلى 'حقيقة أنّ الغالبية العظمى من الأميركيّين جاهلة باللغة العربية، حيث كانت المعرفة الأميركيّة المبكّرة بالعربيّة متركّزة، في غالبها، على إيجاد سبل ذرائعيّة لعمليات التبشير أكثر من تركيزها على إدراك روح الأعراف الدّينيّة الإسلاميّة وفهمها'.
ثمّ يستطرد المؤلف قائلاً إنّ 'إحدى النتائج الإيجابيّة للصراعات الحالية، التي تمخّضت إثر الحادي عشر من سبتمبر، ماثلة في الاهتمام المتزايد الذي أبداه التّلاميذ الأميركيّون في الالتحاق بمساقات حول الشرق الأوسط والدّراسات الإسلاميّة، وفي اختيارهم العربية لغة للدّراسة والبحث'.
ويمضي الكاتب قائلاً إنّ موضوعة الكتاب 'تتحدّى القرّاء المسلمين لتطوير طرائق جديدة تساعد الأميركيّين على استبدال أعراف الإسلامويّة بإدراكات أكثر تنوّراً للإسلام بوصفه ممارسة دينيّة'. حينها تصبح الضّرورة بالغة في 'أن يقوم المسلمون بتثقيف الأميركيّين غير المسلمين حول شكل معتقداتهم ووجهات نظرهم العالميّة وخصائصها. فمثل ذلك التّثقيف البيثقافيّ وسيلة ضروريّة لتبديد المخاوف الأميركيّة المشوّهة أنّ الإسلام يجسّد دوام العنف باسم الجهاد، ودوام اضطّهاد حقوق المرأة وقمع والأقليّات'.
ويلفت الكتاب أيضاً إلى 'أنّ أحد المشاريع التي نحتاجها، على سبيل المثال، هو استقصاء مسيرة الإسلامويّة، خلال القرن المنصرم، عبر الانهماك في تاريخ مديد من الصّور السينمائيّة لشخوص مشرقيّة جسّدها، في الأفلام، ممثلون أميركيّون، فضلاً عن العرب والمسلمين الذين عملوا في الإنتاجات السينمائيّة المختلفة'، حيث تقهقرت، وتراجعت إلى الخلفيّة، 'تلك التّكافؤيّة الرّومانتيكيّة التي طبعت أسلوب التّعبير الأميركيّ في القرن الحادي والعشرين، لتصبح الحاجة ملحّة إلى دراسات أكاديميّة جديدة، في تلك المجالات، تستقصي كيف تطوّرت ما نُعتت ببنى الإرهاب الإسلاميّ المستمدّة من منظمة التحرير الفلسطينيّة والقاعدة، في أسلوب التّعبير الأميركيّ المتعدّد المعارف خلال السنوات الخمسين الماضية'.
و'يدعو كتاب الجذور الثقافية للإسلامويّة الأميركيّة الدّراسين المسلمين إلى الأخذ بعين الاعتبار الطّرائق التي يتمّ إدراك الأميركيّين (وأعرافهم) من خلالها، بوصفهم إثنيّة غريبة داخل وجهات النظر العالميّة لكثير من المسلمين، وفي طقوسهم وأساليب تعبيرهم أيضاً'.
ويتطرّق مار إلى أنّ دراسة 'الأمركة الإسلاموية، تلك، يرسم حدود مدوّنات التأثير الأميركيّ في المجتمعات الإسلاميّة، كاشفة، في أثناء ذلك، عن الطّرائق المتغيّرة التي عزّزت من خلالها الولايات المتّحدة، ونتاجاتها الثّقافيّة المتنوعة، حالاتٍ وأعراف محليّة عبر خيارات بيثقافية مقارَنة أوسع'. حيث 'تتراوح مديات دائرة التأثير تلك: من المؤسسات التعليميّة إلى أمثلة التسلية والترفيه، ومن استيراد السيارات إلى شراء المعدات العسكرية، ومن طرائق التجديد في النماذج التجارية إلى السياسيات المخالفة النّاقدة. ويمكن لهاته المقاربة أن تظهر أنّ علاقات دار الإسلام داخل الولايات المتحدة هي أكثر تعقيداً في إسهاماتها ممّا قد يشي به المظهر المعارض لوحده'.
ويشدّد المؤلف على أنّنا نحتاج إلى'مقاربات نقديّة أكثر غنى لتسليط الضوء على لُحمة علاقات الاتصال، حيث يختلط ما عُدّ أجبيّاً بما هو مألوف وحميم'، مشيراً إلى أنّ إدوارد سعيد قد دعى في دراسته الإبداعيّة الرّائدة، الاستشراق، إلى تطوير مقدرة طباقيّة 'لتقييم الذّات والثّقافات الغربية وفقاً لتوليفة الأُلفة والتّباين ذاتها' حتّى تستيطع دوائر الاتصال العابر للحدود القوميّة أن تولّد أشكالاً إبداعيّة لعمل ثقافيّ دنيويّ. فتقوم هذه المدوّنة الكوزموبوليتانيّة الطّارئة بالتّشجيع على إدراك يضمّ أعراقاً أوسع، والذي يظلّ غريباً، في حدّ ذاته، تماماً: أنْ ليس ثمّة آخر غريبٌ، بل ثقافة إنسانويّة هجينة تتبادل تعدّدياتها، على نحو تكامليّ، داخل الأشياء الدّنويّة المشتركة.
وتجدر الإشارة إلى أن تيموثي مار يعمل أستاذاً مساعدًا في منهاج الدّراسات الأميركيّة بجامعة نورث كارولاينا في تشابل هِلّ، حيث يشرف على حلقات بحث حول الذّاكرة الثقافيّة، والعبوديّة، والتّبغ، والولادة والموت، والموالفة والزّواج. أبدى اهتمامًا مبدئيًّا بموضوعة هذا الكتاب في أثناء تدريسه لرواية هيرمن ملفل، موبي ديك، في 'اكستان، أواخر سنة 1980. كما شارك في تحرير 'الطّيفُ بعيدُ المنال: مقالاتٌ حول موبي ديك'.
العرب اليوم