تدبيج نشموي في أعياد الأردنيين
ممدوح ابودلهوم
09-06-2012 04:32 PM
[ما زالت تتواصل حلقات فرحنا الوطني والتي بدأت بالذكرى السادسة والستين الاستقلال المُكرّم ، ولما تزل هيَ وبذات الفرح الغامر تدخل طقساً آخرَ يستوي جملتنا الأنقى في كتاب الأردن العظيم ، إذ نحتفلُ في العاشر من حزيران الجاري بذكرى الثورة ويوم الجيش : يوم الأمة في يوم الوطن ، مهّد له وزيّنه وازدانَ به وزاده بهاءً وزانهُ مجداً وفخاراً ، عيد جلوس صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني بن الحسين المفدى ، على عرش المملكة الأردنية الهاشمية خلفاً لوالده الراحل المقيم المغفور له بإذن الله جلالة الملك الحسين بن طلال ، طيب الباري ثراه و جعل أعلى عليين مأواه .
و بعد .. تعود المناسبة تلو المناسبة من جديد ، تهلُّ كل واحدة إثر أخرى كما أقمار ، مثل شموس تشرق مع صباحات البلاد على أطيب العباد ، فتتجدد العزمات وتبعث في الرائعين من قومي الهمم العظيمات ، تعود .. نعم رائعة / نافعة / ماتعة ، و نعم .. من جديد ، تهب نسائم التذكار فيكون للكتابة في ألق أيامها و أفراحها الغامرة ، طعمها النشموي الجميل و مذاقها الباسل النبيل .
على أن المهمة .. يا أهل ، ليست سهلة على عظمتها وعلى انثيال الفكر بفرحها الكبير ، جذلى .. منقادة كما خلافة ، كما لذاذات قطاف حبات الزيتون من على شجرة عجلونية أو شوبكية مباركة ، لا .. ليست سهلة بسهولة انسياب ماء الفرح بالمناسبات في أعطاف نشامى الأردنيين ، إذ مهما بلغ الكاتب من البيان والبلاغة و القلامة واللسانة فصاحة وملاحة ، وحتى بلغ مبلغ (التوحيدي) الخالد وكان أديب الأدباء وفيلسوف الفلاسفة ، فإنه – تسطيراً – سيقف بقلمه عجوزاً أمام الوطن وأعني الكتابة التي يرضاها لحب الوطن ، حتى ليقال بأن (رسول حمزاتوف) لم يرتضِ ما خطه عن وطنه (داغستان) في كتابه الرائع (بلدي) ، أبعد من هذا أسأل : هل وفى أمير الشعراء (أحمد شوقي) وطنه حقه الذي يستحق ؟، حق حبه كما أراد شوقي نفسه في (سينيّته) المشهورة و منها :
" وطني لو شُغلت بالخلد عنه / نازعتني إليه في الخلد نفسي " ، و هل الوطن شوقيّاً كما الأب والأم مجتمعين ؟، كما أنشدَ على لسان (ميكاد اليابان) : " هكذا الميكاد قد علمنا / أن نرى الأوطان أماً وأباً " .
معذرة شوقي وحمزاتوف ويا كل عشاق أوطانكم الرائعين ، فالوطن أغلى من الولد والروح و إلا لما كانت الشهادة و لا كان الشهداء ، فبأبي وأمي ساكنيّ كبدي يا أردن الطيبين ، يا بلدي الجميل ، النبيل ، الكريم ، الحر ، المضياف العفيف ، يا موئل الأحرار وملاذ المستجيرين ، الصابر بأيوبية بزّت صبر الصابرين ،فأي كتابة هذه التي ستفي خصالك المشرفة هذه ؟
فلأبحث .. إذن ، عن ركن حميمي دفيء حنون بدفء المناسبات وحميمي الذكريات وحنان الأمهات ، كيما أكتب بتلميذية ابتدائية هي قصاراي ، بيناعة النوار وبراءة البراعم وبروعة الدحنون ، مرة أخرى .. من جديد ، في جديدٍ أحاوله على استحياء أمام عظمة المسوغ ، من نبعٍ معطاءٍ / غنيٍّ / ثرٍّ / زمزميّ الندى / سلسبيلي الماء ، لما يتفجر بعد غدقاً عميماً وخيراً عظيماً على جميع البلاد ونبيل العباد ، فلما يزل باطن الذكريات مليئاً بأصداف الكلم و لآلئ النشيد ، عابقاً بأريج التاريخ وشذى سير الرجال ، فهلمَ يا قلمي الصادق الحيي وسجل ما طاب .. ما استطعت إن استطعت !
فأولاً .. عن المشهد الأول من ذات المغناة الباسلة في وطني ، إذ تنداح أغاريد أطيار في السماء ، صدىً صادقاً لزغاريد و تراويد نشميات على الأرض ، فأي (هارموني) هو ذاك أيها السادة المحجلون في عمان الهواشم الأغلى ؟، أي (كونسرت) علوي يأمر باصطفاف اللحون جذلى بالفرح العظيم أيها الطيبون في الأطراف الأنقى ؟، من ذا حمّل (المايسترو) عصا ذلكم الإبداع فشنّف الأعطاف قبل أن تطرب الأذان لمغناة اليوم الأحلى ؟
أجل .. من ذا بمكنته أن يفلسف بقلبه قبل قلمه .. يا أهل ، هذا التناغم النشموي بين فرح في السماء وفرح على الأرض ؟
بل عنكم .. أولاً تكون الكتابة ، فمن غيركم يا جند الله / يا أبناء الأردن / يا بواسل عبدالله ، من غيركم يا نشامى الجيش العربي / الأردني : بتوهجكم ، بوفائكم ، بشمائلكم ، بصنائعكم ، بشهدائكم ، ببطولاتكم ، بعلمكم ، بتاريخكم ، بل نراكم ما بين السماء والأرض قامة ومقاماً ، فمن غيركم يُخرج أمثالي من أدباء هذا الحمى الأعز وكتاب هذه الأمة الماجدة المثقلة برزايا التحول على هذا الكوكب ، يُخرجنا من قنوطنا القومي المصنوع ويأسنا العربي الموضوع بعناية خلاسية ، بل ومن ترهلنا الثقافي / الإبداعي : الإنتمائي .. تحديداً وبمنتهى الصراحة حيث تعاني الأمة ما تعانيه !.
فتهلُّ مناسباتكم : أفراح وطني .. كما الأقمار فيخرج أمثالي من عتم النفق الثقافي ! فأعود إلى قلمي أو هو يعود إلي طوع بنان لحظة النشدان ، جاداً ، مجداً ، حافزاً ، متحفزاً ، باسلاً ، مستبسلاً ، منتفضاً كما طائر الفينيق ، جموحاً كما جواد أصيل ، يعود كما ريح ، كما نار ، كما رمح ، كما مهند .. حيدريَ الكتابة والنجابة ، ليُسطرَ على عتبات هذا العرين المقدس ما لذ وطاب من ضروب التغني والمجد والفخار من بحركم الكريم إياه ، ولا بأس .. من جديد مختلف هذه المرة حتى لا يتكرر ما قاله كثيراً وما قاله الآخرون في ذات المقام ، ليكن .. هذه المرة من بُرُدِ العقل فكراً نشموياً ، وفي الأعطاف لكم في المبتدأ وفي الخبر عزيز مكان على طول المدى ، وفي الصحبة أمان ودفء خطى وفي حضرة سيدتيّ المقام : الشرف والرجولة نبدأ .. فعن ماذا أيها المحجلون ؟
أوَهلْ أجمل من الحرية كبداية وأنتم كواكبها وأجنادها وطالبو الشهادة لأجلها المقدس ؟، فليكن إذن وعلى بركة الله بعدها وبكم ومعكم في غداة غد قريب ، تتخاطر المواضيع الجذلى تباعاً فيأتي المقام سمحاً فترتخي السطور .. رفلى ، حبلى بباسل ما لديها وتقول ما عندها والذي سيكون مباركا ً.. لا جدال ، فبدونكم جواهر التاج .. لا عاش نشيد و لا عاشت الكتابة .. وكل عام وأنتم والوطن وقائد الوطن بخير . ]