"غسان": وداع زمن وطُموح وماركة
mohammad
09-06-2012 01:14 PM
كان زمناً جميلاً، لو سألت فيه أي زميل صحافي، من لبنان أو أرض العرب: ما هو طموحك الأقصى؟ لأجاب: أن أصبح غسان تويني.
كان الأستاذ غسان، بالفعل، أقصى ما يمكن أن يصبحه الصحافي. قلمه يختزل حداثة منطلقة من إمساك لغات عدة من تلابيبها. فكره يعتصر ثقافة نادرة. ثقافة نبيلة من النوع الذي ينتجه احتكاك ما تقرأ وتتعلم مع ما تعيش وتختبر. مواقفه سياسية، ترتكز الى قناعة الانتماء الى إنسانية لا جغرافيا لها ولا طائفة ولا حدود، وإلى معترك حقيقي في النيابة والوزارة والديبلوماسية. ودوره محوري، لا بل مصيري، في مفاصل عديدة من تاريخ لبنان والمنطقة، عندما كانت الأحلاف تُعقد في مكتبه، والاستراتيجيات تُرسم على طاولته، والتوازنات تُثبت على كرسيه. وطاقته جبارة، متولدة من سيرة يلخصها صراع دائم مع الموت، وسؤال يومي عن معنى الحياة، في حياته تلك التي لو سارها أي مواطن من أرضنا قبل ألفيتين أو أكثر، لما رواها أهل هذه الأرض والمنطقة إلاّ بصفتها أسطورة من أساطير الإغريق وخرافاتهم.
كان زمناً جميلاً، عندما حوّل الأستاذ غسان التويني الـ"غسان" في اسمه إلى ماركة لبنانية مسجّلة. فأصبح الاسم، "غسان"، يختصر لأهل السياسة رقابة مجتمع كامل على أعمالهم، ويختصر لأهل الصحافة طموحاً لمهنتهم، ويختصر لأهل العروبة بلداً برمته. فإذا سأل حاكم أو زميل في مصر أو السعودية أو سوريا أو الأردن: "هل قرأت غسان اليوم؟" عنى ذلك من دون تردد أنه يتكلم عن الأستاذ غسان التويني في جريدة النهار في مدينة بيروت في لبنان.
كان زمناً جميلاً، رأيته أمس ينساب بصمت دمعة في كنيسة مار نقولا، ففهمت أن زمناً انتهى: سقط سقف الطموح في مهنتنا، وخسر لبنان ماركته المسجّلة.
هاني حمود (المستقبل).