«جرش» والمزاج العام .. حسين نشوان
08-06-2012 03:38 AM
لا يمكن الفصل بين أي نشاط إنساني بتوصيفاته الفنية أو الثقافية أو حتى الاقتصادية دون أخذ المزاج العام في الحسبان، فكثير من الفعاليات يكون متغير نجاحها ليس قوتها، بل مسؤولية الاختيار ومناسبتها للعنوان الذي يشغل المجتمع.
في مهرجان جرش الحالي الذي ينطلق مطلع تموز المقبل، ثمة قضايا رئيسة ينبغي الالتفات إليها عند وضع البرامج والنشاطات والفعاليات، لكي لا يضيع الجهد هباء.
الأولى هي لأن الوضع الاقتصادي الذي يعاني منه المواطن، سيترك أثراً واضحاً في حجم الحضور والتفاعل مع نوع الفعاليات، وهو التحدي الأكبر للمهرجان وعنوان نجاحه، فالمواطن لم يعد يلتفت إلى بذخ الرفاء بمقدار اهتمامه بالضرورات والحاجات الضرورية وطعام الأولاد ومدارسهم وجامعاتهم وإيجار البيت، وبالتالي سيكون لديه موقف سلبي من أي مظاهر احتفالية «مبهرجة»، ومبالغ فيها، وسينظر المواطن إلى ما يجري في المهرجان من نشاطات بنوع من الحياد السلبي في أحسن التوصيفات، بوصفه «فرحاً عند الجيران».
لكن المواطن، وللأسباب السابقة، وبغريزة الكائن الاجتماعي الذي يحب «الترويح»، يحتاج إلى متنفسات ومساحات توفر له الراحة والطمأنينة بكلف مناسبة وتمنحه نوعاً من الفرح، وهو ما يدعو إدارة المهرجان إلى الاهتمام بزيادة المساحات المخصصة للعائلة والبرامج التي تلبي حاجات الأطفال، والفعاليات الجماهيرية التي تلبي حاجات الأسرة الاجتماعية والنفسية، وهنا لا ينبغي الالتفات إلى موضوع الربح والخسارة وفق منطق «الغلة»، فالربح والخسارة في العناوين العامة يتصلات بما يتحقق للمواطن.
وقيل: «إذا أردت أن تستثمر وتجني سريعاً فازرع القمح، وإذا أردت الاستثمار وأن تجني طويلاً فازرع الزيتون، وإذا أردت أن تستثمر للأبد فاستثمر في الإنسان»، وفي الحالة فمن المهم تحديد العنوان الرئيس للمهرجان، ماذا نريد من «جرش» 2012؟ وهو سؤال لا يتوقف عند ما يُدَرّ من دخل، بل في ما يساهم من تقليل للخسارات.
القضية الثانية، أن المنطقة تمر بحالة من التحولات في ما يوصف بالحراكات أو «الربيع العربي»، وبالتالي فإن العناوين التي تتطلبها البرامج في مهرجان جرش، ينبغي ألاّ تغيب عن ذهن الإدارة وألاّ تغيب عن البرامج والفعاليات والعنوان الرئيس، وفي الإطار العام فإن الحراكات لا تنفصل عن المناخ العام الذي يسود في المنطقة من «شد ومد وجزر»، وبتوصيف متفائل فإن المنطقة تمر في مرحلة الانتظار الحذر والقلق، وفي الحالة فإن ما يجري يمكن أن يؤثر في نجاح المهرجان برمته، وهو ما يتوقف على الخطاب الذي يسوقه المهرجان.
وفي السياق العام للحركة المجتمعية وتحولاتها الراهنة، فإن هناك حالة من الصراع بين نزعتين تمخضتا عن الحالة العامة التي تسود المنطقة والبلاد العربية ومحيطها، وهو صراع يدور بين نزعة ظلامية تسعى إلى إغلاق العقل ومحاصرته وإرهابه، من خلال فرض رأيها الأحادي بالقوة والقهر، وفق رؤية لا تقيم أهمية أو وزناً للجمال، ونزعة تنويرية تنحاز للعقل، ومن المؤكد أن مثل هذا سيترك ظلاله على خيارات المهرجان واتجاهاته وبرامجه ونتائجه، فهو يعبّر بصورة من الصور عن انحيازات ثقافية وحضارية عقلانية، وستجد إدارة المهرجان نفسها محاصَرة بحواجز وأسوار وهمية وحقيقية نتيجة لذلك الصراع.
هذا ليس كل شيء، فالمهرجان نفسه مؤسسة كبيرة تتنوع نشاطاتها بين الخدمات والتسويق والبرامج والاتصال والعلاقات العامة والثقافة والسياحة، وهو تنوع لا يخلو من عدد من التقاطعات المربكة، بالإضافة إلى أن المهرجان سيظل مشدوداً إلى إرثه وتاريخه الذي مرّ عليه ثلاثة عقود بين نجاح وفشل، وغياب وعودة، فضلاً عن متطلبات كثيرة لجمهور متباين الاهتمام والثقافة ومشاركين بين فنانين وشعراء وموسيقيين وزوار و....، مختلفي الأمزجة. وهنا، لا تستطيع أي مؤسسة مهما توفر لها من إمكانيات وقدرات وكادر أن تحقق الرضا المطلق للجميع.
إن نجاح مهرجان جرش 2012 لا يتوقف عند خياراته البرامجية وتجويد الفعاليات وإيقاع السوق، ربما يمثل ذلك جزءاً من شرط النجاح، لكنه أيضاً يمكن أن يكون عاملاً للفشل إذا لم تتم قراءة المزاج العام، والمناخات، والوضع الاقتصادي والسياسي والتداعيات التي تتركها على الجميع.
الراي