الحافظون للمعروف والمستغلون للظروف
للمعروف قدر يعرفه أهل القدر والمعروف الحافظون له ولو كان يخص الحمير ومعروفها الذي لا يخفى على احد ، لذلك جعل الحزب الديمقراطي الأمريكي من الحمار شعار له قدرا ورمزا للتحمل والصبر والقدرة على العمل، ولم يكن هذا القدر حكرا على الأمريكيين فقد كان أهلنا في الارياف والبوادي يحفظون هذا القدر للحمار بشكل عملي حين حفظوا له كرامته في هرمه فاعتنوا به حتى مماته خلافا لأولئك الناكرون للمعروف المستغلون للظروف الذين شيمتهم القسوة على الضعيف والتملق للقوي يسعون لهاثا وراء جرب بطونهم وزيف أحلامهم وجشع نفوسهم وطمع دنياهم في تحصيل المناصب والألقاب والكسب غير المشروع ، فهذا هو ديدنهم، غالب على طباعهم ، يستغلون أي ظرف كان ، حسبهم في ذلك ملئ جيوبهم ودلق كروشهم وتفاهة أحلامهم وإشباع أهوائهم وشهواتهم نهما كيفما كان، ولو كان على حساب الضعفاء من البشر والقسوة على الحمير من الحيوانات .
ولان للاستغلال وحثالته امتداد تاريخي فهم غرباء على مجتمع الاصالة والقيم والخلق الطيب يفتشون دوما عن الظرف المناسب لممارسة استغلالهم ، وها هم يعثرون عليه يستغلون أهلنا ويقسون على حميرهم ، فقد كان أهلنا يستخدمون الحمير بكثرة في حياتهم كما هو حال الارياف والبوادي ما قبل منتصف القرن الماضي وعندما يهرم الحمار لديهم ولا يستطيع العمل والصبر، يعمد أهلنا الى إراحته رأفة به ورحمة فيه ، يقدمون له العلف والعليق دون ان يستخدموه كما في السابق الى ان يتوفاه الله إحسانا منهم له وحفظا منهم للمعروف حين أفنى زهرة شبابه في خدمتهم وعونهم وبقائهم .
ولان المستغلين دوما في المرصاد فقد عرفوا بهذا الأمر وقدم بعض من هؤلاء الى القرية وعرضوا على أهلها ان يأخذوا علف وعليق هذه الحمير الهرمة لمدة شهر على ان يأخذوا الحمير ويتولون أمر العناية بها حتى مماتها ..وصّدق أهل القرية كذب المستغلين ودلسهم وحقيقة نفوسهم النتنة وأعطوا الأمر لهم ووقعوا معهم حلفا على ان يأخذوا العلف والعليق ويحافظوا على الحمير الهرمة حتى مماتها.
ولان الكذب حبله قصير ولن يدوم طويلا فقد اكتشف الأهل كذب المستغلين وسوء طويتهم وأنانيتهم ودناءة خلقهم عندما وجدوا ان هؤلاء الغرباء يأخذون الخير كله من العلف والعليق ثم يعمدون الى اغتيال الحمير كيفما كان الحال قائمة او غافلة او نائمة او مستكينة وذلك برميها من أعلى قمة الوادي الى قعره وهكذا يتهتك كل شيء في الحمار تتمزق أعضاؤه ويتكسر عظامه وينبلج كرشه الى الخارج ويصبح نهشا للحيوانات المفترسة وحتى لا نطيل المقال فقد غضب الأهل غضبة الحليم صاحب المكارم والفضائل كما يقال( اتقي غضبة الحليم) حيث طرد هؤلاء الغرباء بعد معاقبتهم ..
وعاد الغرباء المستغلون مرة أخرى الى القرية ولم يعدموا الوسيلة ، عادوا الى ديدنهم بقناع جديد فيه الحيلة والمكر والأغراء جاؤا بأساليب جديدة في الاستغلال ..جاءوا الى القرية هذه المرة يجوبون شوارعها ينادي بعضهم بأعلى صوته (من لديه حمير مهرشة(هرمة) للبيع؟ نشتري كل حمار ببريزة "عشرة قروش" ..)... فالتف الصبية حولهم يضحكون عليهم من عجب طلبهم ..وكان ردهم على هؤلاء الصبية بما رسمت عقولهم لا تضحكوا علينا إنما نحن نضحك عليكم بعنا أرضنا وأصبحنا تجارا في كل شيء سوف نصبح اصحاب الملايين والنفوذ وتبقون انتم هنا في أرضكم موظفين وذوي الدخل المحدود وما همنا إلا ملئ جيوبنا وبس " فقط " ابلغوا أهلكم أننا نشتري الحمير الهرمة وندفع في كل حمار بريزة (وكانت العشرة قروش يومها تمثل دخلا يوميا لعمال المياومة في " النافعة " الأشغال العامة بل كان يقال حمل الجمل في بريزة والفلاح الله يعينه ) وبالفعل نادى هؤلاء الصبية آبائهم الذين استفسروا من هؤلاء الغرباء عن حاجتهم الى هذه الحمير الهرمة وكيف يدفعون فيها نقودا فقالوا لهم :نحن نشتريها منكم بعشرة قروش ونذهب بها الى العاصمة حيث نبيعها بدينار واحد لان القوم هناك يملكون المال اكثر منكم ويستخدمون الحمير في جر العربات ولن يستخدمونها في حمل الأثقال على ظهورها وعندما تموت هذه الحمير في احد الشوارع فجأة فان لديهم في العاصمة سيارات نقل للقمامة تنقل هذه الحمير الى أماكن دفنها ويقصدون بذلك "المحرقة" ولكنهم أخفوا عن أهل القرية السبب الحقيقي في كونهم استغلوا ضعف خبرة أهل العاصمة بالحمير وهكذا نجحوا ..
اقتنع البعض بأقوال هؤلاء الغرباء من ظاهر حجتهم وحلاوة لسانهم تحت ضغط الحاجة التي توفر عليهم العلف والعليق وتكسبهم عشرة قروش ثمنا لكل حمار وقد اطمأنوا ان الأثقال لن تحمل على ظهورها وان هناك سيارات تعتني بها عند موتها ولكن آخرين من أهل القرية لم يوافقوا على ذلك وقالوا :ان هؤلاء الغرباء هم الذين ضحكوا علينا في المرة الأولى واخذوا خيراتنا من العليق والعلف وقتلوا الحمير بقسوة وبشاعة وها هم يضحكون علينا هذه المرة بأسلوب خبيث وقناع مزيف وإغراء خادع بضعة دراهم لا تسمن ولا تغني من جوع ولا حول ولا قوة ألا بالله..ونشب جدل وخلاف بين الفريقين..وما لنا وطيلة السيرة والاسترسال فطول السيرة لن يجد نفعا.. وكانت النتيجة ان أصبحوا كما رسموا أمام الصبية اصحاب الملايين والنفوذ حيتان للفساد والاستغلال وما زلنا نحن اصحاب الحاجة ...
./00962 799881373 خلوي drmjumian@yahoo.com