كلما انهزم القانون .. كان القادم أسوأ
د. اسامة تليلان
06-06-2012 05:03 PM
د.اسامة تليلان
التصريحات المتعلقة بوضع الموازنة العامة والقرارات الأخيرة التي اتخذها مجلس الوزراء فيما يتعلق برفع الدعم عن جملة من السلع وفي مقدمتها تلك المتعلقة بمصادر الطاقة تؤشر ان الأصعب بدء يتشكل وأن الدولة لم تعد تملك الوقت لتأجيل مثل هذه القرارات والإجراءات رغم إدراكها لشدة أثرها على الناس في هذه المرحلة تحديداً.
رفع الأسعار أو تخفيض الدعم الحكومي للسلع لتغطية عجز الموازنة إجراء تقليدي اعتاد عليه المواطنون لكن في هذه المرة جاء الموقف مختلف عن المرات السابقة، وخصوصا في ماهية الشعارات التي يرفعها الحراك الشعبي وما يدور في احاديث الناس، ففي هذه المرة برز ربط مباشر بين ما هو مطلوب من الناس وبين ما هو مطلوب من الدولة ان تفعله ، سواء على صعيد ملف ترشيد الاستهلاك والنفقات العامة والامتيازات وبعض الرواتب المبالغ فيها ، أو على صعيد ملف إستعادة الأموال التي أستقر لدى الناس انها سرقت وأنهم اليوم هم من يدفع الثمن خصوصا ان العديد من ملفات الفساد لم تغلق في عقول الناس وأن اغلقت في البرلمان بسبب عدم قناعتهم بدقة وشفافية الاجراءات المتعلقة بمعالجتها حتى بات هذا الملف الأكثر سخونة في الشعارات المطروحة اليوم.
ولعل أخطر ما في هذا الربط أن يصبح موضوع الفساد حالة ذهنية مستقرة عند الناس، عندها يصعب اقتلاعه من تفكيرهم ويصعب تبرير أي إجراءات اقتصادية ومالية لتخفيف عجز الموازنة القياسي عندما يكون على المواطنين ان يتحملوا جزء من تبعات هذه القرارات والاجراءات، بمعنى ان عملية الاصلاح الاقتصادي والطريق اليها لن تسير بدون تبعات جديدة.
هذه الحالة الذهنية تحيلنا الى الحراكات المطلبية التي نمت بطريقة هائلة في السنة الاخيرة، فهذه الحراكات جاءت بعد ان استقرت حالة التفاوت في الرواتب والامتيازات بين موظفي قطاع الدولة العام كحالة ذهنية وليس بسبب شح هذه الرواتب والامتيازات لو كانت بشكل عام. وكان من المفترض في عملية إعادة هيكلة الرواتب ان لا تعمل على رفع الرواتب المتدنية فقط وانما أن تحسن من مستوى تفاوت الرواتب والامتيازات بين العاملين في قطاع الدولة العام عسكريا ومدنيا إذ لو تم ذلك لأعفينا من أكثر من 90% من الحراكات المطلبية ووفرنا على الخزينة الاعباء الناجمة عن الاستجابة الفردية لها.
صحيح أن استعادة الأموال ومحاسبة الفاسدين لن تحل وحدها مشكلة الاقتصاد الأردني والأزمة القائمة حاليا ، لكنها حاسمة الآن في مجال آخر أكثر أهمية فهي حاسمة من أجل إعادة الثقة بسيادة القانون واستعادة شرعية كثير من المؤسسات والقوانين والإجراءات واعادة الثقة بمؤسسات الدولة الدستورية والادارية، فعندما تتجذر لدى الناس حالة ذهنية بديلة تؤكد أن لا أحد اقوى من القانون او فوقه وان ما هو خارج عن القانون لا بدا وأن ينال العقاب وان الدولة قادرة على استعادة كل ما أخذ بغير وجه حق . عندها ستعود الثقة الى صدور الناس ويصبحون أكثر قبولا لتحمل التضحيات المؤلمة من أجل البلد ومصالحه مهما كان ثمنها خصوصا وان الإجراءات الاقتصادية التقشفية والصعبة مرشحة للإستمرار من أجل معالجة المشكلة المالية والاقتصادية.
بدون ذلك ربما ستستمر الأزمة بالتصاعد خاصة مع إنحسار الحلول الاقتصادية التي لا تعتمد على جيب المواطن، انها عامل جوهري ومحوري في معادلة الاستقرار الرئيسي للبلاد وان الثمن الذي يمكن ان يدفع في سبيل ذلك سيكون أقل مهما كان باهظا... فكلما انهزم القانون كان القادم أسوأ.