العمود اليوميّ في الصحافة
ابراهيم العجلوني
29-10-2007 02:00 AM
بدأت الكتابة اليومية في الصحافة عام 1982، وذلك في اعقاب صدور كتابي: مسلّمات في ضوء التحقق . وكان ذلك باتفاق مع الاستاذ محمود الشريف رحمه الله.كان عنوان العمود اليومي لي آنذاك في صحيفة الدستور هو كلمات كلمات كلمات وهو مقتبس من هاملت شكسبير. وكان يمكن لذلك العمود ان يستمر لولا ما كان من عملي في صحيفة الرأي محررا لصفحات آراء حرّة ثم محررا ثقافيا في العام نفسه.
وعلى ان هذه الاعوام الخمسة والعشرين التي امتدت بكل ما تناثر على اديمها من تجارب كفيلة بتوفري على جملة من الافكار والتصورات المتعلقة بكتابة العمود اليومي، الا انني وقفت باهتمام بالغ امام افتتاحية العدد الاخير من مجلة الازهر للاديب الموسوعي والشاعر، والمؤرخ الدكتور محمد رجب البيومي ، هذه الافتتاحية التي تحمل عنوان : العمود اليومي في الصحافة: نظرة نقدية ، والتي نجتزئ منها هنا بما نحب ان يشاركنا القراء في تدبره، ثم في القياس عليه.
من ذلك قوله إن للعمود اليومي خطره وان من يقوم بكتابته لا بد ان يكون دارسا مستوعبا مهر من قبل على تحرير المقالات الطويلة، واعتمد على رصيد وافٍ من ثقة القارئ به في ماضيه الحافل، وهو مع ذلك يعرف طبيعة ما يقوم به من عمل، وما يتطلب من خصائص في الصياغة والشمول والايجاز، فاذا فهم ذلك كله افاد قارئه واحتل مكانته في نفوس الجمهرة من القراء، فهم مهما اختلفت مستوياتهم الفكرية يعرفون الغذاء الجيد، ويتركون الصفحات المتتابعة ليصلوا الى موضعه مطمئنين.. .
ومن ذلك قوله : إن التركيز في عمود واحد يتطلب من الدقة والافتنان ما يتطلبه المقال المسهب المطيل من الجهد، وقد قرأت في كتاب دفاع عن البلاغة للاديب الكبير الاستاذ احمد حسن الزيات ان المستر ولسن الرئيس الاسبق للولايات المتحدة الاميركية سئل: كم تنفق من الزمن في اعداد خطبة تلقى في عشر دقائق؟ فقال: اسبوعين. فقيل له: فكم تنفق اذن في خطبة تلقى في ساعة؟ فقال: اسبوعا. فقيل له: فاذا اردت ان تلقيها في ساعتين؟ فقال: ألقيها على الفور.
ومن ذلك قوله : إذا كان من الشعراء من يشتكون نضوب القريحة حين تدعو الحاجة الى القريض في بعض المناسبات التي تستدعي الافصاح وتتطلب التنفيس؛ فان من كبار الكتاب من يقفون هذا الموقف احيانا فيحتالون على القلم ان يخط بعض الكلمات، ولكنه يقف بين الاصابع الواهنة واهنا مثلها تماما.. .
واذا كان في الشباب من ذوي العزّة الموهومة من يعزّ عليه ان يعترف بنضوب ذهنه في بعض الاوقات كيلا يحرج موقعه في زعمه فهو في ذلك مخطئ أي مخطئ .
تلك قبسات من مقالة رئيس تحرير مجلة الازهر في عددها الاخير، نأتي بها على سبيل التمثل السريع، معتقدين انها مدخل صالح لبحث الشروط الموضوعية للكتابة اليومية التي اختلط اليوم حابلها بنابلها، واجترأ عليها - فيما تكاثرت شواهده - من صَفِروا من كل فكر وكل موهبة، ومن تخففوا من كل عُدّةٍ وعَتاد، فيما نراه دليلاً على تمكّن الفساد في العباد.