رئيس دولة الأوروغواي خوسيه موخيكا اليساري العتيق يقدم نموذجا غير مألوف في زماننا، حتى شبهه بعضهم بالخليفة الاسلامي العادل عمر بن عبد العزيز .
موخيكا يتصدر لائحة أفقر حكام العالم، فهو يحصل على راتب شهري قدره 12 ألفا و500 دولار أمريكي، لكنه يقدم للأعمال الاجتماعية 90% من هذا الراتب ويحتفظ فقط بـ 1250 دولار شهريا، ويملك منزلا متواضعا للغاية وسيارة فولكسفاغن لا تتعدى قيمتها ألفي دولار.
لم يفكر موخيكا بالتقشف لدعم الموازنة على طريقتنا، ولم يقرر أن يحول لمبات الانارة في المؤسسات الى لمبات التوفير، في خطوة تدل على توفير شكلي لا حقيقي.
لم يذهب الى مجلس النواب لكي يتغطى شعبيا بقرارات رفع الاسعار، ولم يستقوي على ما تبقى من قوت الناس.
لم يرفع اسعار المحروقات ولا الكهرباء، بل اخذ الفقراء الى بيته، ولم يهدد شعبه إن لم يصل الدعم العربي فسوف نضطر الى موجه جديدة من رفع الاسعار.
ولأن الطراونة ليس موخيكا، فقد تشاطر الاول على الاشياء التي تريح قلوب المواطنين، فرفع الضرائب على السيجار والكحول وكل شئ يغذي الروح، اما الثاني فقد عزم الفقراء الى قصر الضيافة لانه يعرف انه يتعامل مع بشر يحبون الحياة.
لم يبق أمام الحكومة إلا رفع أسعار الخبز، وهي حتى الان لم تتطرق لهذا الموضوع مع ان حكومة سابقة وفي عز وصول الدعم العربي الملياري طرحت الموضوع وهددت برفع اسعار الخبز والغاز المنزلي، وكان في هذا فيه استخفاف بمشاعر المواطنين الذين يعرفون جيدا أن موازنة دولتهم فيها من العجز الذي يحتاج إلى هذا الدعم، لكنهم يعرفون أكثر أن موازناتهم الخاصة فيها من الضنك والحاجة بحيث لا تسمح الأحوال أن يتم الضغط عليها أكثر، فلحم الدولة مهما حصل من عجز أقوى من عظم المواطن، الذي وصلت فيه الأوضاع فعلا إلى شد الأحزمة أكثر مما يمكن تحمله.
على الحكومة ألا تنجر إلى مواجهات جديدة بسبب قرارات غير مناسبة في توقيتها ولا في ظروفها ولا في المنطق الذي ستدافع عنه، فالمبالغ التي تتحدث الحكومة عن توفيرها من خلال رفع الدعم لا تتناسب مع الكلفة السياسية التي ستدفعها إثر احتجاجات متوقعة لا أحد يدري إلى أين تصل مدياتها.
لم يفكر موخيكا، كما فكر الطراونة يوم الجمعة الماضية، بحيث كلف فريقا امنيا لاحصاء عدد المشاركين في الاحتجاجات في محافظات المملكة، واكتشف انهم لا يتجاوزون 995 شخصا. لكنه لم يكشف لنا الكلفة المالية التي احتاجها، ولا عدد الساعات التي اضاعها رجال الامن، وهم يقومون بهذا الانجاز العظيم.
إذا كانت الحكومة واجهزتها لا تقرأ التغيرات التي اصابت الحراك الشعبي وانتقاله الى مناطق اخرى، فهذه مصيبة، وإن بقيت تعتمد على قراءتها السابقة لمستوى الحراك وقوته فالمصيبة اعظم.
العرب اليوم